موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٣ مارس / آذار ٢٠٢٠

الأحد الثاني من الصوم

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أعجوبة شفاء المخلّع

أعجوبة شفاء المخلّع

 

فصل شريف من بشارة القديس مرقس

(مرقس 2: 1–12)

 

في ذلك الزمان دخل يسوع كَفَرناحومَ وسُمع أنَّهُ في بيتٍ * فللوقت اجتمع كثيرون حتَّى إنَّهُ لم يعُدْ موضعٌ ولا ما حولَ الباب يَسَع وكان يخاطبهم بالكلمة * فأَتوا اليهِ بمخلَّعٍ يحمِلهُ اربعةٌ * واذ لم يقدروا أنْ يقتربوا اليهِ لسبب الجمع كشفوا السقف حيث كان. وبعد ما نَقَبوهُ دلَّوا السريرَ الذي كان المخلَّع مضجعًا عليهِ * فلمَّا رأَى يسوع ايمانَهم قال للمخلَّعِ يا بـُنيَّ مغفورةٌ لك خطاياك * وكان قومٌ منَ الكتبةِ جالسين هناك يفكّرون في قلوبهم ما بالُ هذا يتكلَّم هكذا بالتجديف. مَن يقدِر ان يغفِرَ الخطايا الاَّ الله وحدَهُ * فللوقت علم يسوع بروحهِ انـهم يفكِرون هكذا في انفسِهم فقال لهم لماذا تفكِرون بهذا في قلوبكم * ما الأَيسرَ ان يُقالَ مغفورةٌ لك خطاياك ام ان يُقالَ قُمْ واحمِل سريرَك وامشِ * ولكن لكي تعلَموا انَّ ابنَ البشر لهُ سلطانٌ على الارض ان يغفر الخطايا (قال للمخلَّع) لك اقول قُمْ واحِمل سريرك واذهب الى بيتك * فقام للوقت وحمل سريرهُ وخرج امام الجميع حتَّى دَهِشَ كلُّهم ومجَّدوا اللهَ قائلين ما رأَينا مثلَ هذا قطُّ.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

رتبت الكنيسة أن نقرأ في الأحد الثاني من الصوم إنجيل أعجوبة شفاء المخلّع، و به توضح لنا اختلاف طريقة تفكير الإنسان عن الله، وذلك من خلال طريقة تعامل المسيح مع مرض المخلّع، هو لم يتعامل في البداية مع مرضه الجسدي بل الروحي أي خطاياه وقال له مغفورة خطاياك. كان جواب المسيح للمخلّع غريباً ولم يفهمه من كان حوله من بشر، و بهذا الغفران ظهر وضوح اختلاف طريقة عمل الله عن طريقة عمل الإنسان. يرى المسيح، في إنجيل المخلّع، الخطيئة مرضاً، فهو يعرف أن هذا الإنسان، المخلّع، قد فعل خطايا لذلك وقع في المرض، فيسعى في البداية على شفائه من الخطيئة، لأن النفس هي نبع كل شيء في الإنسان و يجب أن يكون هذا النبع نظيفاً مقدّساً كي يتقدس الإنسان.

 

أدان الفريسيون المسيح واعتبروا أن قوله بغفران الخطايا هو تجديف على الله، وذلك لأنهم فكروا بعقل بشري. لكن المسيح تجاوزا هذا العقل البشري مظهراً لهم من يكون، فقال لهم: “أيما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك أم أن يقال قُم واحمل سريرك وأمشي” (مر9:2)كلى العملين، الغفران والشفاء، كانا غير مقبولين للعقل البشري، لا أن يغفر خطايا ولا أن يشفي المخلّع. ولكن كون المسيح الله، ويحب خليقته، فهو قادر أن يقوم بكليهما. ويعبر عن محبته هذه بصراخه للمخلّع: “لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك” (مر11:2)المسيح هو طبيب النفس والجسد ويشفي كليهما. وهكذا قام المخلّع صحيحاً جسدياً وروحياً، فكانت هبة الله له مضاعفة.

 

أيها الأحباء ، يجب أن لا يغيب عن ذهننا أننا نعيش في عالم مليء بالخطيئة، وهناك من يقوم يومياً بكثير و آخر بقليل من الخطايا، لكن المسيح جاء إلى العالم لكي يرفع عنا هذه الخطايا، هو أزهق دمه على الصليب كي ننال نحن الحياة. إنما حتى ننال الهبة مضاعفة، كما نالها المخلّع اليوم، غفران الخطايا وشفاء الجسد، يجب أن نرفع سرير ألآمنا وأمراضنا وأن نضعه أمام أقدام محبته في ملكوته، وأن نجاهد كي نحصل على هبة الله المجانية، أن ننقب ونهدم ما يفصلنا عن المسيح، أن نحب الكنيسة والبشرية فيحملون معنا سرير ألامنا، أن نطلب الشفاء واثقين بكلمة المسيح الشافية وننهض من سرير الآلامنا وننل الشفاء من مخلص البشر الذي سفك دمه الكريم على الصليب المكرم من أجلنا.

 

وفي هذا اليوم تكرم كنيستنا الرومية الأرثوذكسية القديس غريغوريوس بالاماس ويقول القديس عن حقيقة الخطيئة، من نظرةٍ مسيحيّةٍ عمليّةٍ، وكما يعرّفها : هي رفض الله كأب، رفض الحبّ الأبويّ، أي رفض النعمة الإلهيّة، والعيش في عزلة عقلانيّة. ما أحزنَ الأب في مَثَل “الابن الضال” هو رحيل ابنه. لقد أهان الابن أباه بحرمانه من وجوده كابن، لذلك فإنَّ هذه الخطيئة لا تُغتفر إلاَّ بالعودة. إنَّ الحبّ الإلهيّ المنسكب جعل الله، إذا جاز التعبير، “قابلاً للتجريح”. خطيئة هي أن نرفض النور ونحبّ الظلام حين يجيئ النور إلينا. خطيئة الابن دائماً تكمن في أنّه يفكرّ وحده فقط. أكبر إهانةٍ للأب هي أن نتجاهل حبّه. يمكننا أن نحيا بعقلانيّةٍ ونحدّد مصيرنا بتحاليلنا. ويمكننا أيضاً أن نحيا مع الله بالإيمان، وهنا فقط نعطي للآب حقّه. لم يُخطئ آدم في شيءٍ بالجوهر إلاَّ في أنّه أراد أن يحيا ويفكّر ويخطط لذاته دون الله.

 

 وأخيراً وليس آخراً تقع مسؤولية الوقوع في الخطيئة على عاتق الإنسان مرتكبها، فتتعبه بأحمالها وأثقالها، ولكن بالغفران، الذي يمنحه المسيح، تخف هذه الأحمال وتزول أتعابها.

 

الغفران الذي يمنحه المسيح ليس إلا استمرار لعملية الخلق، التي قام بها في الفردوس واستراح في يومها السابع، وتكميل لها، هو يهب الغفران ويزيل أعمال الخطيئة لأنه عادل و رحيم ومحب، وبغفرانه هذا يذهب إلى أبعد من عملية الخلق ويصل إلى اكتمالها أي تقديس الخليقة، و به يتحقق مثال الله المرجو.

 

هذه هي صرخة القدّيس بالاماس اليوم، أن نتحدّى العقلانيّة ساعين وراء النعمة، وذلك بالأصوام والأسهار والصلوات، متعالين فوق عالم المنطق الدنيوي. "فالبارّ بالإيمان يحيا"، حتّى إذا ما تقبَّلنا بالطهارة النعمةَ الإلهيّةَ، ندرك ونستحقّ كلمة المسيح: "يا بنيَّ مغفورةٌ لك خطاياك، وها قد عوفيت فلا تعد تخطئ". آميــن