موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أُزِفَّ الرحيل، ودقت ساعة الإنفصال، ابن الله يعود إلى حضن الآب السماوي ويتركنا... يا لَه من فراقٍ أليم ملأ قلوبنا كآبةً وسحق آمالنا، وإذا بكلماتِ حبٍّ والدي تخرج من فم ابن الله "لا تخافوا، لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم" (يو18:14)... لا أترككم أبداً حتى بعد صعودي إلى أبي السماوي.
نعم، ابن الله لم يتركنا بل هو معنا، إنه في بيت القربان المقدس، يتطلّع إلينا من خلال ذلك الباب الصغير، يدعونا إليه ويقول لنا "أنتم لي، وأنا لكم" (نشيد الأناشيد16:2)، لقد جعلتُ نفسي طعاماً لكم، "فكلوا واشربوا، فَمَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو56:6)... ما هذه الكلمات، المسيح ترك لنا ذاته بكليّتها، جسداً ودماً وروحاً إلهية... كلماتٌ أدهشت عقولنا، وجعلت قلوبنا تخفق ولساننا يصمت... ابن الله ساكنٌ معنا، متّحدٌ فينا، إنه لنا... يسوع لنا. وبالمقابل، هل نحن له أم للعالم أم للخطيئة أم لأنفسنا؟.
يا يسوع الحبيب، يا سجين الحب، لماذا أراكَ وحيداً ومهمَلاً ومتروكاً في ذلك الصندوق، تنتظر ليلاً ونهاراً مَن يأتي لزيارتكَ، ولا تجد في صحبتكَ سوى قنديل صغير يحترق حزناً على خيانتنا لكَ، وشمعة ضئيلة تذوب حباً بكَ. يا للعجب، كيف صبرتَ على البقاء محبوساً ومسجوناً في بيت القربان المقدس أجيالاً وأجيال وحتى منتهى الدهر!!. هل لا زال لديكَ أملٌ أن تجد قلوباً تحبكَ وتأتي لزيارتكَ؟، هل نحن على استعداد لترك ملذّات الحياة بأنواعها والتضحية بجزء من أوقاتنا التي نضيّعها بالحديث والتسامر عبر وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها لنأتي إليكَ ونزوركَ؟، هل بإمكاننا أن نفكر ولو للحظات أنكَ قدّمتَ جسدكَ ودمكَ ونفسكَ ولاهوتكَ من أجلنا، ونحن الذين ندّعي أننا لله ومن المقرّبين له لا نجد في تصرفاتنا وأعمالنا ما يجعلنا أن نكفّر عن إهمالنا لكَ وبرودة محبتنا تجاهكَ؟، هل نسيتَ يا يسوع الحبيب أن جيلنا ليس جيل مريم المجدلية التي كانت تجد لذّتها ونعيمها بالقرب منكَ فاختارت لها النصيب الأفضل، وليس من جيل القديسين الذين كانوا يقضون الليل برمّته وهم جاثون أمامكَ في بيت القربان للصلاة والدعاء والتكفير؟.
فيا أيها الحب المحبوس في بيت القربان، سامحنا برحمتكَ وحنوّكَ. اغفر لنا نكراننا وخيانتنا، جهالاتنا وسيئاتنا. ألهب فينا نار محبتكَ لنفهم عظمة سرّ القربان المقدس، ولنبرهن للجميع أننا مسيحيون مؤمنون بحقيقة وجودكَ في هذا السرّ. أعطنا الحياة التي قلتَ عنها "إنْ لم تأكلوا جسد ابن البشر وتشربوا دمه، فليست لكم حياة فيكم" (يو53:6)... هذا هو جسد المسيح المحتَجَب تحت أعراض الخبز، هذا الخبز الذي نتغذّى منه لنصبح شهوداً حقيقيين للإنجيل، نتغذّى منه كي ننمو بالمحبة ونملأ العالم من محبته، فنرى بوجه المسيح سائر وجوه الإخوة. هذه هي رسالة الذبيحة الحقة التي منها تنبع الدعوة القوية للإنطلاق من المسيح، أي من الافخارستيا. فبلقائنا الشخصي بيسوع المسيح، من خلال الافخارستيا والصلاة، سنجد القوة التي نحتاج إليها لمتابعة رسالة الإنجيل بفرح ورجاء أكيدَيْن.
فبنعمة الروح القدس وشفاعة القربان المقدس ليكن كل واحد منا قربانة حيّة على مذبح الرب، فلا نبخل عليه بأوقات نقضيها بالسجود للقربان المقدس بين أحضان الكنيسة، فننال وعائلاتنا نِعَم الرب وبركاته، ونعكس محبة الله اللامتناهية، فنتمكن جميعاً من الإلتفـاف حول الرب ونعبـر معه إلى الخلاص، خلاص الإنسان... فأنتَ وحدكَ حياتنا، ولا نريد حياةً خارجاً عنكَ يا رب الحياة... آمين.
رئيس مهندسين أقدم/ آن سامي مطلوب
مسؤولة جماعة أصدقاء القربان
رعية مار يوسف للسريان الكاثوليك ــ المنصور ــ بغداد