موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٤ يونيو / حزيران ٢٠٢٣

أهمية الحوار الإسلامي المسيحي

صلاح الجودر

صلاح الجودر

صلاح الجودر :

 

اعتاد الناس على الركون إلى ما اعتادوا عليه، فإن ألِفوا الاجتماع والتواصل والعمل المشترك ساروا على ذلك، وإن ركنوا إلى الوحدة والابتعاد والانعزال استهجنوا اللقاء والحوار والتعايش، لذا فإن الحوار هو المسلك الحضاري الذي تدعو له كل الأديان لمعالجة القضايا والإشكاليات، فالحوار يرفع اللبس والضبابية والغموض، ويسهل عملية التعارف ومعرفة الآخر ومن ثم التعاون لبناء مجتمع متجانس.

 

يطرح البعض في وسائل التواصل الاجتماعي تساؤلات كثيرة عن أهمية الحوار الإسلامي المسيحي، وما يمكن أن يحققه رغم التباين في الدين والعقيدة، وهي تساؤلات مشروعة في ظل ما يشهده العالم في بعض مواقعه من صراعات وحروب، وما أحوج العالم اليوم لإعادة الحوار الإسلامي المسيحي للوصول إلى توافقات تعزز الأمن والاستقرار، وتدفع إلى مزيد من التنمية والرفاهية والازدهار.

 

وعند العودة إلى الكثير من الحوارات التي أقيمت بين المعنيين بالشأن الديني، الإسلام والمسيحية، نجد أنه في بداياته يسعى لتهيئة الأرضية لجلوس المعنيين بالشأن الديني، ومعرفة بعضهم البعض، وهي مرحلة التعارف وقبول الآخر، ونجد أهميتها تتمثل في تبادل الأفكار والمصطلحات والمفاهيم، فهناك صورة نمطية لدى الشرق والغرب يجب رفع اللبس عنها وتصحيح مسارها، فهناك من يرى المسلمين سفاحين وسفاكي دماء، وهناك من يرى المسيحيين قتلة ومصاصي الدماء، وهي صورة قد كانت لها أسبابها التاريخية، ودفعت البشرية بسببها الكثير من الأرواح والممتلكات، لذا جاءت أهمية الحوار المباشر رغم التحديات التي يواجها العالم!.

 

العالم يحتاج إلى وقت طويل لتجاوز مرحلة عدم الثقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين، فالعلاقة كانت شبه باردة بسبب الهوة بينهما، وهي الهوة التي استفادت منها الجماعات الإرهابية والعنفية، لذا لابد من ردم تلك الهوة، والدعوة للحوار كما جاء التوجيه الإلهي المباشر لدعوة أهل الكتاب، وذلك في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّه) [آل عمران: 64]، وهي دعوة صريحة للحوار الهادئ العقلاني مع اتباع الكتب السماوية الذين يرجعون إلى إبراهيم عليه السلام.

 

ومن خلال البحث والتقصي نرى أن هناك الكثير من الحوارات، ومنها نموذجين:

 

في العام 1984 تم تنظيم الحوار الإسلامي المسيحي بين مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي والكنيسة الإنجيلية الإنجليزية ثم مع الكنيسة الأرثوذكسية بسويسرا ثم مع الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، ثم مع الكنيسة الإنجيلية بألمانيا.

 

وفي يوليو 2008 تم إقامة الحوار الإسلامي المسيحي في العاصمة الإسبانية مدريد تحت عنوان (مؤتمر حوار الأديان)، وقد نظمته رابطة العالم الإسلامي إثر زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الفاتيكان بالعام 2007.

 

لذا فإن أهمية إقامة الحوار الإسلامي المسيحي بالبحرين ينطلق من أجواء رحبة وهادئة تتميز بها البحرين منذ آلاف السنين، وعززها مشروع ميثاق العمل الوطني، وهو المشروع الحضاري لجلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة، وكذلك إعلان مملكة البحرين الذي تم تدشينه في مدينة فلوريدا الأمريكية بالعام 2017، وهو الراعي الأول لقيم السلام والتسامح والحوار والتعايش السلمي.

 

فالبحرين هي الدولة المناسبة لإقامة مثل هذه الحوارات بخلاف الدول التي شهدت صراعات محمومة بين المسلمين والمسيحيين، وهذه القاعدة مهمة لإقامة الحوار بين اتباع الأديان، فلابد من إيجاد المناخ المناسب الذي يجعل الطرفين مستعدين للجلوس والحوار والاستماع، وهي مرحلة تهيئة الأرضية، وقد جاء الحوار الأول بالبحرين إثر اللقاء التاريخي بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في أبوظبي بالعام 2019، وزيارة قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلى البحرين بالعام 2022.

 

من هنا فإن مثل هذه اللقاءات تفتح افاق أوسع من العلاقة، وتضع الحلول الناجعة للمجتمع الدولي الذي يرى في بعض مواقعه صور الحقد والكراهية، فالبحرين اليوم أصبحت قبلة دعاة السلام والمحبة والتعايش السلمي.

 

(الأيام البحرينية)