موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
رأيتُهم على بُعد أمتارٕ منّي، يبكون مُتألمين لفقدان والدتِهم، وبدأ ألمُهم يتسَرَّب كالغمامِ الأسود في قلبي. لأرى نفسي أقترب وأنحني وأُتَمتم في وسطهم: ما رأيُكم أن تُحبوني كما تُحبون والدتكُم. وإذ بِهم يزدادون بكاءً مَدموجٍ بفرحٍ طفولي مُقدّس، هزَّ كياني عندما هُم احتَضنوني، فأدركتُ مسؤوليّةَ المحبّة.
مَن أنتي أيتها المحبّةُ المسؤولة؟ فَلم تُشرِّعي أبوابَكِ إلاّ عندما وجدتِني مُستعِدّة؟ من أنتي أيتها المحبّةُ المسؤولة؟، فقد كشفتي لي أبعاداً روحيّة لم أكن أرَها.
وبينما كُنتُ أُتمتِم بتلكَ الكلمات وعينايَ قد غرقَتا بدموعٍ جَعلتْ مِن رُؤيتي غيرَ واضحة، شاهدتُ كخيالٍ شاباً جالِساً على حافةِ الطريق يُقلِّبُ شاشةَ هاتِفهِ الخلوي، وإذ بهِ ينظُرُ باتجاهي وكأنّهُ يستعِد للتكلّم معي فتمنيتُ مِن نسيمِ الهواء أن يُجفِّفَ دُموعي قبلَ أن ألتقي به، وأخذتُ نفسَاً عميقاً وابتسمتُ لهُ و بادلَني الابتسامةَ قائلاً: أُختي الراهبة هلا فتحتي لي بابَ الكنيسة؟ أُريدُ أن أُصلّي، فغدَت أقدامي خفيفةً مِن شدَّة فرحي بأنّي أُوصِل شاباً إلى الكنيسة ليُصلِّي وهو يُخبرُني بأنَّهُ أدركَ أنّ اللّه استجابَه بأن أرسَل لهُ من يَفتح لهُ بابَ الكنيسة،
فأجبتُه يا بُنيَّ، إذا كان اللّه استجابكَ هكذا فكُن واثقاً بأنّهُ أيضاً يفتح لكَ أبوابَ قلبهِ ليستجِب صلاتَك، فركعَ يُصلّي باكياً وركعتُ معهُ أُصلّي على نِيَتهِ. لينغرسَ في قلبي سهمَ مسؤوليّة الصلاة. مَن أنتي أيتُها الصلاةُ المَسؤولة، فإنَّ سُرعتَكِ تتجاوزُ الزمان والمكان، وقوتَكِ تَهزُّ جميعَ الأركان.
عالمُنا اليوم يَضعُ أمامنا بوضوح قيمةَ المسؤوليّة في كل نواحي حياتِنا، فمَن يُحِب بمسؤوليّة سيتصرّف كما لو كانَ هو مكان الآخر، ومن يُصلِّي بمسؤوليّة ستتلاشى مِن حياتِه روح الانفرادية، ومَن يُربّي بمسؤولية سيُسهِم بجيلٍ مُثمِر، ومن يَتسلَّم سُلطة بمسؤولية سيتعامل مع الأفراد بإنسانيّة، ومن يَحزَن بمسؤولية سَيبتكِر طُرقاً جديدة، ومَن يُطيع الكلمة الإلهيّة بمسؤوليّة سيفهَم مشيئة اللّه بحياته.
فيا أمنا مريم العذراء مثالنا في المحبّة والصلاة والتربية المسؤولة، أنقذي عائلاتنا من خطر ضياع المسؤوليّة ولنُشرك صلاتنا مع صلاتكِ وجميع القديسين لحماية البشريّة. آمين