موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١١ يونيو / حزيران ٢٠٢١

«التوأمة» بين المسلمين والمسيحيين

حسين الرواشدة

حسين الرواشدة

حسين الرواشدة :

 

«أيُّ خسارة لو أحسّ مسيحيو المشرق، بحق أو بغير حق، انه لا مستقبل لهم أو لأولادهم منه، ثم بقي الإسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية، بالتحديد، أمامه في إسرائيل؟».

 

على مدى العقود الماضية خضعت حالة «التوأمة» التاريخية بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين العرب لشتى أنواع العمليات الاستئصالية، وكان المطلوب هو «تفريغ» هذا المشرق العربي كله من الحضور المسيحي، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت إخواننا المسيحيين للهجرة إلى الغرب، سواء أكانت نفسية او لها علاقة بما حدث من وقائع على الأرض، فان النتيجة كانت صادمة بامتياز، فقد تراجعت مثلا نسبة الوجود المسيحي في فلسطين من 21% بعد النكبة إلى 8% عام 2008، فيما تراجعت أيضًا نسبته في لبنان من نحو 55% عام 1932 من مجمل السكان إلى نحو 40% الآن، وحدث ذلك في مصر وفي العراق وفي غيرهما من دول المشرق العربي، حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد المسيحيين في المنطقة العربية يبلغ ما بين 12-15 مليون، يتوقع أن يهبط إلى نحو 6 ملايين في العام 2025.

 

الدفاع عن الحضور المسيحي في بلادنا العربية والإسلامية، لا يتعلق -فقط- بما نشعر به -نحن المسلمين- من حالة عاطفية ووجدانية تجاه إخواننا الذين ساهموا معنا في بناء حضارتنا وتاريخنا، وجمعنا معهم الوطن الواحد والعيش المشترك، وإنما يتعلق أيضًا بواجب ديني، يفرض علينا الحفاظ على هذا التنوع الثقافي والديني الذي ميز الله تعالى به بلداننا، وأمرنا بأن «نرعاه» من منطلق احترام إرادة الخالق والاحتفاء بنعمته، وما أكثرها الآيات القرآنية التي تشير الى العلاقة الطيبة التي تجمع المسلمين بالمسيحيين وأهل الكتاب، وتدعو إلى احترامهم، والتعامل معهم على أساس أن «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».

 

والدفاع عن الحضور المسيحي في مشرقنا العربي، ليس دفاعًا -أيضًا- عن إخواننا المسيحيين الذين اعتقد أنهم يشاركوننا في التصدي لهواجس الهجرة وغياب الدور، وإنما دفاع -أيضًا- عن الوجه الحضاري لامتنا وقضاياها العادلة، وعن سماحة ديننا الإنساني، وعن هويتنا العربية الجامعة وما يجمعنا من موروث ثقافي مبدع، فقد شكل الانسجام بين المسلمين والمسيحيين في بلداننا العربية (نموذجًا) مشرقًا «للمواطنة» الحقة التي تحصنها القيم قبل القوانين، ونموذجًا فريدًا «للأخوة» التي لا تخضع لمعايير الفرز المذهبي او الطائفي ولا لمنطق «الأقلية» والأكثرية، وإنما تؤمن بجوامع المحبة والجيرة والعيش المشترك، وتتمسك بأواصر اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والمصير الواحد.

 

لا أتردد -كمسلم- بالدفاع عن حق إخواننا المسيحيين العرب في مزيد من الحضور والتفاعل، ولا أتردد -أيضًا- في مطالبتهم بالتصدي -معنا- لهذا التراجع الذي يشكل خسارة لنا ولهم، مهما كانت أسبابه ودوافعه، ولهذه الهجرات التي تزعجنا مثلما تزعجهم أيضًا، ولهذه الحملات التي تسعى إلى تشويه الدين، أي دين، وإشغال أتباعه بهواجس الخوف من الآخر، وحتمية الصراع بينهم وسجالات «الحمقى» التي تستهدف زرع الفتن من أتباع الأديان.

 

(الدستور الأردنية)