موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٣١ مايو / أيار ٢٠٢١

100 عام لنياحة أول بطريرك للكنيسة القبطية الكاثوليكية

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
المئويّةُ الأولى لنياحة أوّل بطريرك للكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة: حياته وأعماله ومؤلَّفاته

المئويّةُ الأولى لنياحة أوّل بطريرك للكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة: حياته وأعماله ومؤلَّفاته

 

مقدّمة

 

في شهر مايو/أيار، في عام 1921، رحل عن عالمنا مثلّث الرحمات غبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار، أوّل بطريرك للكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة، الذي وُلد وعاش وخدم في أرضنا الحبيبة مصر وكنيستنا القبطية العريقة. وفي هذا العام الجاري، نتذكّر مئة عام على نياحة هذه القامة والقيمة (1921-2021). ولذا، فهذه المقالة المختصرة تنوي إلقاء الضوء –بشكل موجز– على أمرين: 1) حياة هذا البطريرك ذي الشخصيّة الثريّة، و2) مؤلَّفاته.

 

1. لمحةٌ سريعة عن السيرة الحياتيّة للأنبا كيرلس الثاني مقار

 

لقد كتب المتنيح الأنبا يوحنا كابس، أسقف كليوبطريس والمساعد البطريركي الأسبق للأقباط الكاثوليك، مُعلِّقًا على عظة الجمعة العظيمة الأخيرة للأنبا كيرلس مقار– كبطريرك، قبل تقديم استقالته: «واعتلى البطريرك المنبر يوم الجمعة العظيمة وجعل موضوع عظة الآلام الآية القائلة: "يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ بل أبكين على أنفسكن وعلى أولادكن". وأخذ يندب حظ الطائفة ويبكي على خرابها». فما هذا إلّا بعض المشاعر والأحاسيس التي اختلجت فؤاد وكيان هذا البطريرك المجاهد –الذي أحبّ كنيسته القبطية بوجه عامّ حبًّا جمًّا– قبل أن يغادر مصر ويذهب إلى روما، حيث طلب منه الكرسي الرسوليّ تقديم استقالته كبطريرك للأقباط الكاثوليك (1908).

 

إنّ الأحداث التي سبقت ولحقت هذا القرار لهي معقدّة جدًّا. فما نسعى إليه الآن هو مجرّد تقديم الخطوط العريضة لسيرة حياة أوّل بطريرك قبطيّ كاثوليكيّ في العصر الحديث، دون الوُلُوج في تفاصيل طويلة وتحاليل متشابكة. واعتمادنا الأوّل في سرد هذه الخطوط العريضة أو المحطات هو: يوحنا كابس (الأنبا)، تاريخ حياة الأنبا كيرلس مقار. بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك (1899-1921)، معهد التربية الدينية، السكاكيني-القاهرة، د.ت؛ إسطفانوس الثاني غطاس (بطريرك) وآخرون، تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية، سيدة الكرمل، القاهرة 2001؛ إسطفانوس الثاني غطاس (بطريرك)، الدليل العام للكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر، المعادي، القاهرة 2002؛ بولس جرس (الأب) وآخرون، اليوبيل المئوي للكلية الإكليريكية، المعادي، القاهرة 2001؛ وأيضًا: Sacra Congregazione per le Chiese Orientali, Oriente Cattolico. Cenni statici e statistiche, Tomo I, Valore Italiano Editore, Città del Vaticano 1974, 2017.

 

 

أ) ميلادُ الأنبا كيرلس مقار ونشأته وسيامته الكهنوتيّة وخدمته

 

وُلد جرجس في بلدة "الشناينة"، الواقعة في محافظة أسيوط بمصر، في 17 يناير/كانون الثاني 1867 ميلاديّة. ولما بلغ العاشرة من عمره (1878)، أُلحق بالكليّة الإكليريكيّة الشرقيّة التابعة لجامعة القديس يوسف (بلبنان)؛ وواصل فيها دراسته بجديّة وتفوّق عظيمين، حتّى حصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة واللّاهوت. وبعد أن قضي 14 عامًا في مراحل التعليم المختلفة، سُيم كاهنًا على يد النائب الرسوليّ للاتين بلبنان حينئذ (1891)، متّخِذًا اسم الأب "جرجس مقار". وعندما عاد إلى مصر (1892)، بعد الدراسة بلبنان، عُيِّن مدّرسًا لعامين. وفي هذه الفترة، بدأ في تأليف الأبحاث وإلقاء المحاضرات عن تاريخ كنيسة الإسكندرية، داعيًا إلى الوحدة لارتقاء شأن الكنيسة القبطيّة.

 

ب) تعيينه كنائب رسوليّ لطائفة الأقباط الكاثوليك وسيامته كأسقف وإنجازاته الإصلاحيّة

 

في عام 1895، أقام البابا لاون الثالث عشر الأب جرجس مقار أسقفًا ونائبًا رسوليًّا لطائفة الأقباط الكاثوليك، واتخذ اسم "كيرلس"، وصار لقبه: "الأنبا كيرلس مقار أسقف قيصرية فيلبس ونائب رسولي على الكنيسة المرقسية الإسكندرانية". ثمّ بعد ذلك، عُيِّن "مدير شئون البطريركية الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية". ومن بين الإنجازات الإصلاحية التي قام بها في هذه الفترة لارتقاء شأن الطائفة والكثلكة، نذكر ما يلي:

- المنشورات والزيارات الرعويّة لأبناء الطائفة،

- وجمع التبرعات لتشييد الدار البطريركيّة وكاتدرائية الإسكندرية،

- والمساعي الدَّؤوبة لإعادة مقام البطريركيّة الإسكندرية الكاثوليكيّة بجميع امتيازاته القديمة، وهو الأمر الذي تَمَّ في يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1895،

- والسفر إلى أثيوبيا للتوسّط لدى الإمبراطور الأثيوبيّ حتّى يطلق سراح الأسرى الإيطاليّين (1896)،

- وتأسيس الكليّة الإكليريكيّة الطائفيّة بطهطا، حيث وُضع حجر أساسها في 25 يناير/كانون الثاني 1897)، ثمّ بعد ذلك، افتتحت رسميًّا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1899،

- وعَقْد المجمع الكنسيّ الإسكندريّ الأوّل (أوّل مجمع للأقباط الكاثوليك)، في عام 1898.

 

ج) تعيينه كأوّل بطريرك قبطيّ كاثوليكيّ

 

عندما أعاد البابا لاون الثالث عشر مقام البطريركيّة الإسكندريّة الكاثوليكيّة بجميع امتيازاته القديمة في عام 1895، عَيَّن قداسته الأنبا كيرلس مقار أسقفًا على مصر السفلى ومديرًا لشئون البطريركيّة؛ وكذلك أيضًا، في عام 1896، عَيَّن الأنبا مكسيموس صدفاوي أسقفًا على مصر الوسطى (على "هيرموبوليس"، ومقر كرسيه المنيا)، وعَيَّن الأنبا أغناطيوس برزي أسقفًا على مصر العليا (على "طيبة"، ومقر كرسيه طهطا). وأمّا في 19 يونيو/حزيران 1899، فقد أعلن البابا لاون الثالث عشر الأنبا كيرلس مقار بطريركًا على الكرسي الإسكندريّ، وكان عمره يناهز 32 عامًا؛ وتَمَّ تجليسه بالإسكندرية في الكاتدرائية الجديدة في 31 يوليو/تموز 1899.

 

وبدأ البطريرك الجديد في مباشرة خدمته ونشاطه الكبير لارتقاء شأن الطائفة؛ وقد كانت خدمة جليلة حقًّا، حيث تخلّلها العديد من النجاحات والإصلاحات الإداريّة والرعويّة والروحيّة والتعليميّة، ولكنّها لم تخلُ بالطبع من الصعوبات والمشاكل والإشاعات. ومن بين إصلاحاته وإنجازاته، نذكر ما يلي:

- قام بتصحيح تقويم الكنيسة الإسكندريّة، بناءً على مستندات علميّة متينة الأركان، وجعله موافقًا للإصلاح الغريغوريّ؛

- وعلاوة على محاضراته العلميّة– باللغة الفرنسيّة– حول تاريخ "السيزاريوم" ("الهيكل القيصريّ")، الذي تحوّل إلى معبد مسيحيّ في عهد الملك قسطنطين، وأصبح مقرًا لبطاركة الإسكندرية فيما بعد، ألقى محاضرة تاريخيّة عن «رسالة القديس مرقس في الديار المصرية»؛

- واشترى مطبعة وحروفًا قبطيّة وعربيّة، حيث طبع كتاب القداسات، والأناجيل الأربعة بالقبطيّ والعربيّ، وكتاب أسبوع الآلام، ودليل لأسبوع الآلام، ودليل للرسائل والأناجيل التي تُقرأ على مدار السنة، وكتاب خدمة الأسرار، وقطمارس الرسائل بالعربيّ، وغيرها من الكُتب المقدّسة،

- وأسّس صحيفة طائفيّة دعاها "الأسد المرقسيّ"، بالإضافة إلى جمعيّات مختلفة تعليميّة وخيريّة وكنسيّة.    

 

د) استقالته وانفصاله وتوبته ونفيه ونياحته

 

إزاء حُزْمة من الإشاعات والادعاءت الكاذبة والمغرضة، وتجنّبًا للفوضى، استدعى الكرسي الرسوليّ الأنبا كيرلس مقار إلى روما، في عام 1908؛ وهنالك قدّم استقالته كبطريرك للأقباط الكاثوليك (30 مايو/أيار 1908) للبابا بيوس العاشر، وقد قُبلت الاستقالة. وعندما أصبح الكرسي البطريركيّ الإسكندريّ شاغرًا، عقب استقالة الأنبا كيرلس مقار، عُيِّن الأنبا مكسيموس صدفاوي مديرًا رسوليًّا للبطريركيّة، لإدارتها روحيًّا وزمنيًّا، في 13 يونيو/حزيران 1908.

 

ولم تهدأ الأوضاع عند هذا الحدّ؛ فبعد استقالة الأنبا كيرلس مقار، سارت ضدده حملة قذف عنيفة، فعمّت الفوضى في شتى أنحاء مصر بين مناصر ومعارض، وتصاعدت حدة التوتر والفوضى والاضطرابات إلى حدّ كبير، ولا سيّما بعد عودته إلى القطر المصريّ. وتطوّرت وتعقّدت الأمور حتّى بلغت ذروتها؛ وفي لحظة انفعال ثوريّ، قضى الأنبا كيرلس مقار ثلاثة أيام في الدار البطريركيّة للروم الأرثوذكس (إحدى الكنائس الخلقيدونيّة)، مُعلنًا انفصاله عن الكنيسة الرومانيّة. ولكنّه فاق من غفلته وعاد إلى صوابه؛ وبناءً على نصائح بعضهم، سافر إلى روما ليعلن توبته ويطلب الصفح. وقد جاء في وثيقة ندامته وخضوعه واحترامه للكرسي الرسوليّ– والتي كتبها في 9 مارس/آذار 1912– ما يلي:

 

«أنا الموقع اسمي أدناه، كيرلس مقار، بطريرك الأقباط الكاثوليك المستقيل، القادم إلى روما من تلقاء نفسي، لأجاهر للكرسي الرسولي، بعزمي الثابت أن أحيا وأموت في الإيمان الكاثوليكي، خاضعًا للحبر الروماني، أعلن طائعًا مختارًا وبضمير صادق خالص ما يأتي: إني أعرب عن شديد أسفي، لأني في أيام تجربة وانكسار قلب، واضطراب أدبي شديد انتميت جهرًا للكنيسة اليونانية المنشقة، الكائنة بالإسكندرية في القطر المصري. على أني أشكر الله مع ذلك لأني لم أشترك في عمل ديني في الكنيسة. وأنكر كل ما أجريته بهذا الخصوص وأشجبه. وآسف عليه من صميم الفؤاد. وأني مستعد أن أقبل كل ما يترآى للكرسي الرسولي أن يفرضه علىّ من أنواع الكفارة والتعويض، وأن أعيش من الآن فصاعدًا في الخلوة متفرغًا لأعمال التقوى والدروس العزيزة لديَّ. وكذلك أنكر ما بدا مني أثناء خروجي هذا من قول أو فعل أو كتابة يشتم منها رائحة انشقاق عن الكنيسة الكاثوليكية، وأشجبه وأندم عليه بكل قواي، وألتمس بكل تذلل صفحًا عن الشكوك التي سببتها للمؤمنين بسقطتي هذه. أخيرًا أجدد مقاصدي العلنية بالطاعة للكرسي الرسولي وكامل مصادقتي على عقائد وتعليم الكنيسة المقدسة الكاثوليكية الرومانية، لا سيما فيما يتعلق بالرئاسة المطلقة المخولة من الله للحبر الروماني على الكنيسة عمومًا وعلى كل طائفة وكل فرد خصوصًا» ("أعمال الكرسي الرسولي" 3، عام 1912، 214).

 

وبعد أن أعلن ندامته وتوبته، عاد الأنبا كيرلس مقار من روما إلى منفاه في لبنان، واستقرّ في العاصمة بيروت. وفي 18 مايو/أيار 1921، مات فجأة في المنفى؛ فبعد أن قبل الأسرار المقدّسة، فاضت روحه إلى خالقه ورقد على رجاء القيامة.

  

2. موجزٌ لمؤلَّفات الأنبا كيرلس الثاني مقار

 

والآن، دعونا نعرض –بإيجاز شديد– بعضًا من المؤلَّفات الأدبيّة والكنسيّة واللّاهوتيّة والروحيّة للأنبا كيرلس مقار. فيمكن تقسيم مؤلَّفاته إلى: مؤلَّفاته كطالب، ومؤلَّفاته ككاهن، ومؤلَّفاته كأسقف ونائب رسوليّ للطائفة ومدير لشئون البطريركيّة، ومؤلَّفاته كبطريرك، ومؤلَّفاته منذ استقالته وحتّى نياحته. وعلاوة على كُتبه المطبوعة والمنشورة، قد اعتمدنا في عرضنا لهذه المؤلَّفات على المرجع المذكور أعلاه، أي كتاب الأنبا يوحنا كابس عن حياة الأنبا كيرلس مقار.

 

أا) مؤلَّفاته كطالب

 

أثناء سنوات دراسته بلبنان، ألّف عدة روايات باللغة الفرنسيّة ونَظّمها شعرًا، وبعضها نُشر (مثل «إيمان لبنان»، و«شهيد خط الاستواء» أو «شهيد الإكواتور:غارسيا مورينو»، و«ملك روما»)، وبعضها الآخر لم ينشر (مثل «القدّيس أوجين الذي من قرطاجنة»، و«عذراء الإسكندرية»).

 

ب) مؤلَّفاته ككاهن

 

كان كتابه الأوّل– باللّغة الفرنسيّة– هو «الكنيسة القبطيّة: إيمانها اليوم مقارن بإيمان آبائها وبالمجامع المسكونيّة الثلاثة: نيقية والقسطنطينيّة وأفسس» (أو «دليل المصريّين في اعتقاد كنيسة الأقباط المرقسيّين»، بحسب ترجمة الأب بولس قلادة برزي). وهو بدوره عبارة عن جزئين، حيث طُبع كلّ جزء على حِدَةٍ: الجزء الأوّل هو «تركيب الكنيسة وتقويمها الذاتيّ»، وأمّا الجزء الثاني فهو «المسيح عمانوئيل». ثمّ بعد ذلك، ألقى سلسلة محاضرات تاريخيّة وعددها 49 محاضرة، وقد جُمعت كلّها وطُبعت في مجلّد كبير تحت عنوان: «تاريخ كنيسة الإسكندرية منذ القدّيس مرقس إلى يومنا هذا».

 

ج) مؤلَّفاته كأسقف ونائب رسوليّ للطائفة ومدير لشئون البطريركيّة

 

في هذه الفترة، كتب عدة منشورات ورسائل رعويّة وروحيّة، حيث أشار فيها إلى الإصلاح الإداريّ الذي كان مُزمعًا على تحقيقه. وقام أيضًا بترجمة الرسائل الباباويّة الموجّهة لأبناء الطائفة إلى اللّغة العربيّة، وهذا لارتقاء شأن كنيسة الإسكندرية. وقد شارك في كتابة وصياغة وثائق وأعمال المجمع الكنسيّ الإسكندريّ الأوّل (1898)، حيث تمحورت النصوص المجمعيّة حول بعض الحقائق العقائديّة والشرائع التنظيميّة (عقيدة وحدة الله وتثليث أقانيمه، وتجسّد الأقنوم الثاني والابن الكلمة، والخطيئة الأصليّة والتبرير، وكنيسة المسيح، وعواقب الإنسان وأخروياته، والعبادات والإكرامات، والطقوس، وأسرار الكنيسة، ونظام وسلطات الكنيسة وحقوق وواجبات أعضائها). وقد صدرت نصوص وأعمال المجمع الإسكندري الأوّل كلّها باللّغة اللّاتينيّة: Synodus Alexandrina Coptorum habita Cairi in Aegypto anno MDCCCXCVIII, Ex Typography Poliglotta S. C. de Propaganda Fide, Romae 1899.

 

د) مؤلَّفاته كبطريرك

 

لقد كتب بضعة رسائل بطريركيّة، وكان أوّلها رسالته بمناسبة الاحتفال بتقليده درع التثبيت الباباويّ له كبطريرك؛ وقد قرأ –جهرًا– الأنبا أغناطيوس برزي الرسالةَ البطريركيّة الأولى أمام جموع الحاضرين، أثناء احتفال مهيب في يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 1899. وقد ألّف أيضًا ثلاثة كتب أو أجزاء حول "تبرئة أوريجانوس الإسكندريّ"، ونُشر جزءان منها وبقي الثالث مخطوطًا.

 

هـ) مؤلَّفاته منذ استقالته وحتّى نياحته

 

للردّ على التُّهَم الموجّهة إليه، قام البطريرك المستقيل بإصدار نشرة طويلة تحت عنوان «أخيرًا نتكلّم: ردّ على نشرة "المسالم" الهجوميّة حول الأنبا كيرلس مقار» (20 مايو/أيار 1909)، حيث تتضمّن ردّ البطريرك هذا على مقدّمة وستة فصول وملحق. وفي هذه الفترة أيضًا، شرع البطريرك المستقيل في تأليف كتاب ضخم– باللّغة الفرنسيّة – تحت عنوان: «الوضع الإلهيّ في تأسيس الكنيسة». وكان من المقرّر أن يُقسّم الكتاب بدوره إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل يتضمن كلّ الاعتراضات الأرثوذكسيّة على الرئاسة الباباويّة وتأسيس الكنيسة بحسب العقيدة الكاثوليكيّة على مدى العصور، وهو جاء في شكل محاورة بين شخص أرثوذكسيّ من كنائس الشرق الرسوليّة وشخص رومانيّ من شركة كنائس الغرب. وقد نُشر هذا القسم –المكتوب باللّغة الفرنسيّة– بمدينة "جنيف" من قِبل البارونة "ناتالي أوكسكيل"، في عام 1913، وأيضًا بعد نياحته في عام 1922؛ وقد تُرجم إلى اللّغة العربيّة فيما بعد (1925). وأمّا القسم الثاني فيتضمّن الردّ على هذه الاعتراضات. وأخيرًا، القسم الثالث هو عرض للعقيدة الكاثوليكيّة والبراهين والأدلة الثابتة من الكتاب المقدّس والمجامع المسكونيّة وأقوال آباء الكنيسة التي تثبت هذه العقيدة.

 

وعندما كان البطريرك المستقيل في منفاه بلبنان، بعد ندامته وتوبته، أخذ يؤلّف كتابًا ضخمًا آخر مكوّنًا من جزئين، ليضحد كتابه السابق «الوضع الإلهيّ في تأسيس الكنيسة» (الذي سلّم قسمه الأوّل باللّغة الفرنسيّة إلى البارونة "ناتالي أوكسكيل"). وقد سلّم الأنبا كيرلس مقار هذا المؤلَّف الضخم بجزئيه للقاصد الرسوليّ بسوريا ولبنان، الذي أرسلهما بدوره إلى الكاردينال "ماريني". ومن بواعث الأسف الشديد أنّه لم يوجد أثر لهذين المخطوطين بعد وفاة الكاردينال المذكور. وكتب الأنبا كيرلس مقار أيضًا مؤلَّفًا بعنوان: «إلوهيّة الرجل الإسرائيليّ المصلوب»، ونُشر في عام 1922.

 

خُلاصةٌ: دعوة لإحياء الذكرى الخالدة للأنبا كيرلس الثاني مقار وقراءة مؤلّفاته

 

وفقًا للكلمات البليغة التي نطق بها الأنبا أغناطيوس برزي، في يوم تأبين أبيه الأنبا كيرلس الثاني مقار (الأحد 22 مايو/أيار 1921)، كانت وصية غبطة البطريرك الأخيرة لأبناء الطائفة القبطيّة– والتي حال الموت دون نشرها: «أن أذكروا الكنيسة الإسكندرية ولا تنسوا مجدها». فكيف لأبناء الطائفة القبطيّة الكاثوليكيّة– وأبنائه– أن ينسوا هذا البطريرك الرائد والمجاهد؟

 

إنّ الغاية التي ترمي إليها مقالتنا الموجزة هذه هي متعددة الجوانب: فأولًا، نحن ندعو إلى إحياء ذكرى غبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار، ولا سيّما في المئويّة الأولى لنياحته. فهو رجل كَنسيّ من الطراز الأوّل، وقد تمتّع بكثير من الفضائل والسمات المسيحيّة والكنسيّة والإنسانيّة (حبّه لكنيسته وغيرته المقدّسة من أجلها، جديّته في العمل والخدمة، وعلمه الغزير الممزوج بالحسّ الروحيّ والرعويّ، وفطنته، وتواضعه، وتقواه، وحسن إدارته). وثانيًّا، من حقّ الأجيال الحاضرة والقادمة التعرُّفُ– بنوع من التعمّق- على مَن سعى وراء إعادة مقام البطريركيّة الإسكندريّة الكاثوليكيّة بجميع امتيازاته القديمة، وكان رائدًا في ذلك، وكان أوّل بطريرك قبطيّ كاثوليكيّ في العصر الحديث. ويمكن تحقيق هذا عن طريق إعادة ترجمة –إذا لزم الأمر– وطبع ونشر مؤلَّفاته، والقيام بقراءتها وعمل دراسات وحلقات بحث حول محتواها بين صفوف الشعب القبطيّ الكاثوليكيّ.