وللأرض السليب راعيها

 

صعبٌ هو الفراق، مرُّ المذاق، موجعٌ، يترك ندوبًا قد لا تندمِل.

 

أن يُغَيّب المتروبوليت بولس يازجي والمتروبوليت يوحنا إبراهيم، شيء، وأن نُقِرّ أنهما قد لا يعودان شيء آخر.

 

لا شك أن القرار الذي اتّخذه المجمَع الأنطاكي المقدّس، بنقل المطران بولس يازجي ليكون مطرانًا على أبرشيّة ديار بكر الفخريّة، نظرًا لمرور ما يُقارب التسع سنوات على غيابه، قرار عمليّ وواقعي، لكنّه قرار خرج من عمق معاناة فراق الراعيّين الذين جُهّل مصيرهم عن كل المراجع السياسيّة والعسكريّة والإعلاميّة والحقوقيّة وغيرها. تسع سنوات ولم يتطوّع ذو مروءة ليفيد ما كان مصير المخطوفَين، من باب الإنسانيّة ليس إلّا. انه الإمعان في الإنتقام بعد القتل.

 

لا تستطيع أن تبقى أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما من دون راع حاضر مع رعيته بالجسد، على رغم استلهام المؤمنين بشكل دائم عظات وكتابات وترانيم الراعي المحبّ الذي لم يغِب عن بالنا أبدًا.

 

متروبوليت مغيّب يعيّن راعيًّا لأبرشيّة شهيدة، أرضُها سليب.

 

مطرانٌ على ديار بكر، الأبرشيّة الفخريّة! ليست ديار بكر بمفردها فخريّة بمعنى أنّ أهلها قد غادروها، بل طور عابدين برمّته أبرشيّة فخريّة، شُرِّد أهله في كل أصقاع المعمورة. طور عابدين، أو جبل المتعبدّين، موئل إيمان وتنسُّك وعلم وثقافة وحضارة. طور عابدين، المنطقة التي سالت فيها دماء تملأ البحار والتي تغيّرت هويّتها بين ليلة وضحاها قسرًا تحت وطأة "السيفو"، مجازر السريان. طور عابدين يحاكي حكاري، موطن الأشوريّين والكلدان، ويحاكي كيليكيا، حيث ذبح الأرمن، والأناضول، حيث ذبح الروم الأناضوليين، وكلهم يشهدون على تهجير وقتل وسبي ما يقارب الخمسة ملايين نسمة، كُلّ ذنبهم أنّهم وجدوا في مكانهم في الزمن الخطأ.

 

كم هو عقوق الجنس البشريّ، أعطتهم هذه الحضارة علمًا وثقافة، فردّوهم لها فعل إبادة!

 

يأتي إنتخاب الأسقف أفرام معلولي، الوكيل البطريركيّ وأمين سرّ المجمع الأنطاكي المقدّس، متروبوليتًا على أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما في وقت يحاول فيه شمال المشرق الأنطاكي، وعاصمته حلب الشهباء مدمّرة، أن يلملم جراحه ويستعيد شيئًا من حياته العاديّة، وهو ما زال ينزف دمًا وبشرًا وثروات. يأتي انتخاب الأسقف المحبّب في وقت أصبحت فيه الرعيّة بحاجة إلى راعٍ دائم الحضور معها. هي تفضي له بمكنونات صدرها ومعاناتها وهو يواسيها ويرشدها ويمدّ لها يد العون. إنّ ما ينتظر المتروبوليت افرام ليس بالقليل، إذ عليه أن يلتقط الزمن الضائع والرعيّة المشرّدة والهويّة المهدّدة.

 

متروبوليت على الإسكندرون، وما أدراكم ما الإسكندرون وما تاريخها ومعاناة شعبها.

 

الإسكندرون، اللواء السليب، الذي سُلخ عن جسمه الأساسي، والذي يحتضن أنطاكيا، العاصمة التاريخيّة للمسيحيّين، حيث دُعيوا مسيحيّون أولاً.

 

الإسكندرون، الرابضة على تخوم جبل أمانوس، ربيب جبل لبنان، جارة كيليكيا، حاضنة أضنة ومرسين وسيحان وطرسوس، رفيقة هضبة عينتاب، التي تحاكي قلعتها قلعة حلب، والرها ونصيبين حيث إقتلعت جذور حضارة عمّت العالم.

 

من هناك إنطلق صيّادو الأسماك الرسل يبشّرون جميع الأمم ويعمّدونها باسم الثالوث القدّوس. من هناك تحضّرت شعوب باسم المحبّة التي علّمها للرسل والعالم، المتجسّد المصلوب المتمرّد على الفناء.

 

بورك غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بطريرك الحكمة المُحِبة، الذي تخطى ألمَه بإيمانه ورعى المجمع المقدّس الذي إختار المتروبوليت أفرام راعيًّا لهذه الأبرشيّة، فملأ الفراغ في قيادتها.

 

بورك المجمع المقدّس الذي اتخذ القرار.

 

بورك الراعي المنتخب.

 

AXIOS! مستحق!