موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٤ فبراير / شباط ٢٠٢٢

هدية أبوظبي للإنسانية

كاتب لبناني

كاتب لبناني

محمد السماك :

 

قبل إعلان وثيقة «الأخوة الإنسانية» من أبوظبي، صدر إعلانان مهّدا له. صدر الأول عن الفاتيكان في وثيقة الإرشاد الرسولي (2010) عن الشرق الأوسط. ونص على أن «الحرية الدينية هي أمّ الحريات». وصدر الإعلان الثاني عن الأزهر الشريف (2015)، ونص على «أن الحرية الدينية هي تاج الحريات».

 

جاء إعلان أبوظبي (2019) حول الأخوة الإنسانية ليجمع بين أمّ الحريات وتاج الحريات في وثيقة إيمانية إنسانية واحدة، وليطلق من ذلك الدعوة لبناء أخوّة إنسانية هي في أساس العقيدتين الإنسانية والمسيحية، بل هي في أساس كل العقائد الإيمانية المتعددة والمختلفة الأخرى. فالإسلام يقول إن الله خلق الناس جميعاً من نفس واحدة. وهذا يعني أن الناس جميعاً يشكلون أسرة واحدة، مهما اختلفت ألوانهم وثقافاتهم ولغاتهم وعقائدهم. والمسيحية تقول إن الله هو خالق الجميع وهو أب للجميع.

 

لم يكن الانتقال من الصراع إلى الأخوة أمراً سهلاً. كان يتطلب قوة إيمانية، ومفهوماً عميقاً لروح الإيمان ورسالته، وجرأة في قول الحق والعمل به.

 

منذ عام 1965 عندما عقد الفاتيكان «المجمع الثاني»، وعندما صدرت عنه الوثيقة التاريخية «نوسترا إيتاتي Nosrta AEtate» التي اعترفت بالإسلام رسالة من عند الله، وانفتحت على العقائد الأخرى، وبرّأت اليهود المعاصرين من دم المسيح عليه السلام، بدأت المسيحية خطواتها نحو «الأخوة الإنسانية»، التي توّجت في أبوظبي.

 

والإسلام الذي يؤمن برسالات الله، وخاصة بالمسيحية واليهودية، مدّ يده إلى هذا الانفتاح متجاوزاً التراكمات الثقافية الخاطئة التي كانت تعتبر الدين الوجه الآخر للصراع السياسي.

 

أدّت الصراعات والحروب المدمرة التي عصفت بالمجتمعات الإنسانية إلى مقتل مئات الملايين من الناس، وإلى هدر ما لا يحصى من الطاقات والإمكانات والثروات الإنسانية عبثاً، ولم يؤدِّ كل ذلك إلى أي نتيجة بنّاءة، سواء للمنتصر أو للمهزوم. وجاءت «وثيقة الأخوة الإنسانية» لتذكّر الناس جميعاً بأمر بدهي جداً وهو إننا جميعاً أخوة، ولترفع الصوت عالياً أن أوقفوا هذا العبث بالكون وأهله المؤتمنين عليه. أوقفوا انتهاك كرامة الإنسان وحريته وحقه في الحياة. ولنعمل معاً يداً بيد من أجل الأسرة الإنسانية الواحدة –التي هي نحن- انطلاقاً من عقائدنا الإيمانية ومن قيمنا الإنسانية المشتركة التي تدعونا عقائدنا إلى الالتزام بها.

 

حاولت منظمة الثقافة والتربية والعلوم الدولية (اليونيسكو) شيئاً من ذلك عندما أصدرت وثيقتها التي تدعو فيها إلى احترام العقائد والأديان المختلفة. وهذا أمر جيد ومهم، رغم أن الالتزام به لا يزال محدوداً جداً. إلا أن وثيقة أبوظبي حول «الأخوة الإنسانية» تتجاوز ذلك إلى دعوة الناس جميعاً على اختلاف عقائدهم إلى تشبيك الأيدي للعمل معاً من أجل المصلحة الإنسانية العليا. مصلحة كل إنسان. ولم تكتف وثيقة أبوظبي بمجرد الدعوة، ولكنها -وهذا الأهم- حددت العناوين العامة لمجالات العمل معاً في كافة الحقول الإنسانية المختلفة. من الطفولة حتى الشيخوخة.

 

أذكر أنني كنت يومًا في مدينة استوكهولم عاصمة السويد عندما زرتُ أحد المطاعم في المدينة القديمة. قرأت في لائحة الطعام عبارة لا أنساها: «كل يوم يخترعون سلاحًا جديدًا، نحن نقدم طبقًا جديدًا». أبوظبي قدّمت في وثيقتها للأخوة الإنسانية طبقًا جديدًا هنيئًا.

 

(الاتحاد الإماراتية)