موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥

نحتاج إلى إيمان حقيقي .. لا مؤتمرات

د. عبير الرحباني

د. عبير الرحباني

د. عبير الرحباني :

 

في كل مرة يُعقد فيها مؤتمر يتعلق بالمسيحيين.. أشعر وكأننا نُستدعى لا لنحاور العالم.. بل لنُثبت وجودنا فيه.. نُستدعى لنتحدث عن جذورنا.. عن أدوارنا.. عن تاريخنا.. وكأننا ضيوف على هذه الأرض لا أبناءها وأساس جذورها وملحها..

 

فقد تحوّلت المؤتمرات المسيحية في كثير من الأحيان إلى منصات تكرّر ذات الخطاب.. وتُعيد ذات العناوين.. من دون أن تُلامس العمق الروحي أو تطرح الأسئلة الجوهرية التي نحتاجها كمسيحيين..

 

وفي كل مؤتمر مسيحي نأتي ونكون حاضرين فيه وكأننا ضيوف على هذه الأرض.. نحمل أوراقاً نُبرر بها هويتنا ونُعيد سرد تاريخنا وجذورنا وأدوارنا.. وكأن علينا في كل مرة أن نقول: "نحن هنا"..

 

لكن الحقيقة أن وجودنا لا يحتاج إلى إثبات.. وتاريخنا لا يحتاج إلى من يُعيد قراءته.. لأن جذورنا أعمق من أي قاعة مؤتمر.. وأصدق من أي خطاب..

 

وفي كل مؤتمر نتباكى على طمس هويتنا المسيحية.. غير مدركين بأننا نحن من حولنا ملامحها بأيدنا.. حين استبدلنا الايمان بالمظاهر والحق بالمجاملات المبالغ فيها.

 

نعم، هويتنا لم تُطمس بفعل الاخرين.. بل حين صمتنا نحن.. وتنازلنا عن روح الانجيل مقابل نفاقٍ إجتماعيٍ أضعف الايمان وأعمى البصيرة..

 

نعم، لم يطمس هويتنا أحد.. بل نحن من غطينا نورها بخوفنا.. وبنفاقنا الذي نبرره باللطف.. وبإيمانٍ فقد عمقه أمام أول إختبار.. لان طمس هويتنا المسحية لا يبدأ من الخارج.. بل حين نُغلق كتابنا المقدس.. ونخشى مواجهة الحقيقة في مرايا أنفسنا..

 

نحن المسيحييون لا نحتاج الى مؤتمرات نُثبت فيها في كل مرة أدوارنا ووجودنا سواء في وطننا الأردن أو بلاد الشرق .. او نثبت فيها تاريخنا المتجذر.. نحن مسيحيون قبل أن نكون عرباً .. لان السريان هم أول من سكن وعاش هذه البلاد قبل ان يكون العرب.. وتحدثوا اللغة الآرامية قبل ان تكون العربية..

 

ومن هنا أتسأل ! ألم يحن الوقت لنتوقف عن محاولات إثبات الهوية المسيحية وكأنها موضع شك؟ أليست المسيحية أعمق من أن تُختصر في خطابات ومداخلات وصور جماعية؟

 

نحن لا نحتاج إلى مزيد من المؤتمرات التي تُعيد تدوير ذات الخطابات.. بل نحتاج إلى إيمان مسيحيٍ أعمق.. ووعيٍ أوسع بكتابنا المقدس.. نحتاج إلى نمو روحي يجعلنا نمتلك الشجاعة الروحية لا الخطابية.. نحتاج الى مؤتمرات فيها الروح المسيحية ..

 

فالإيمان الذي لا يقود إلى عمل.. والمعرفة التي لا تُثمر سلوكاً.. والكنيسة التي لا تنظر إلى هموم أبنائها.. كل ذلك يفرغ مؤتمراتنا من معناها الحقيقي..

 

فما أحوجنا اليوم كمسيحيين إلى مؤتمر مسيحيٍ حقيقي.. لا يُقام لتلميع الوجوه ولا لعرض الإنتماءات.. بل ليواجه أزمات الأسرة المسيحية من طلاق، وتفكك، وضياع للأبناء، وتحديات الزواج، وضعف في التربية الإيمانية..

 

ما أحوجنا اليوم إلى مؤتمر مسيحيٍ يناقش جوهرنا الإنساني والإيماني قبل أن يخوض في السياسات والطوائف..

 

فكيف سنواجه الصراعات الطائفية التي تعصف بالعالم.. إن كنا لم نتفق بعد على أساسياتنا العقائدية؟!

 

فنحن لا نحتاج إلى مؤتمرات جديدة بقدر ما نحتاج إلى إيمانٍ متجدد.. وإطلاعٍ عميقٍ على الكتاب المقدس.. ونموٍ روحاني يُثمر شجاعةً روحية تدفعنا لأن نكون شهوداً حقيقيين للمسيح في هذا العالم..

 

نحتاج إلى مؤتمرات تهتم بالبعد الروحاني والعقائدي قبل البعد السياسي.. لأن لدينا الكثير من مشاكل داخلية تواجهنا كمسيحيين في شؤوننا الخاصة في بيوتنا، في كنائسنا، وفي تربية أبنائنا على الإيمان..

 

ففي كل مرة يُعقد فيها مؤتمر مسيحي.. نخرج بالأسئلة ذاتها:

 

هل خرجنا بنتائج ملموسة؟

 

وهل هناك ما طُبق فعلاً على أرض الواقع؟ أم أنها تبقى نظريات جميلة تُقال في القاعات وتُنسى بعد انتهاء التصفيق؟

 

وأين هو المسيح في مؤتمراتنا ؟!

 

ثم لماذا نرى أن أغلب هذه المؤتمرات تُركّز على العروبة والسياسة أكثر من العقيدة والروحانية؟ فهل هي مؤتمرات سياسية.. أم الأولى ان تكون عقائدية روحانية!!

 

ولماذا نسمع كثيراً في كل مؤتمر يتعلق بالمسيحيين عن "العيش المشترك" و"الشراكة المشتركة".. وتتكرر هذه المصطلحات في كل مؤتمر.. وكأننا غرباء او ضيوف نحتاج أن يتقبلنا الاخرون.. ومن يتقبل من !! بينما نسمع قليلاً جداً عن البيت المسيحي ومشاكله الحقيقية من طلاق، وتفكك أسري، وضياع روحي؟!

 

فكيف لنا كمسيحيين ان نواجه الصراعات الطائفية والسياسية ونحن لم نحسم بعد خلافاتنا العقائدية والإيمانية داخل جسدنا الواحد؟

 

لقد قال لنا الكتاب المقدس بوضوح إن "معركتنا ليست مع دم ولحم، ولا مع سلاطين هذا العالم، بل مع مملكة إبليس".

 

ومع ذلك.. نجد أنفسنا ننشغل بمعارك أرضية.. وننسى المعركة الحقيقية التي يجب أن نخوضها وهي "معركة الإيمان والروح على الشيطان"..

 

فكم نحتاج كمسيحيين إلى مؤتمر مسيحيٍ بحت.. لا تُهيمن عليه العناوين السياسية.. بل يلامس جوهر الروح والإنسان.. مؤتمر يناقش مشاكلنا الداخلية.. يناقش مشاكل البيت المسيحي بصدق ووضوح.. ويواجه ضعفنا الروحي بشجاعة.. ويُعيدنا إلى الأساس الذي عليه بُني إيماننا المبني على المحبة.. والحق.. والنور.. فالمسيحية لم تُبنَ على مؤتمر.. بل على كلمةٍ حيّة وإيمانٍ حيّ. وحين نعود إلى هذا الجوهر.. لن نحتاج إلى منابر تُذكّرنا من نحن، لأن العالم حينها سيعرفنا من نورنا.. لا من شعاراتنا.

 

(عمون)