موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"ولَمَّا اعتَمَدَ الشَّعبُ كُلُّه واعتَمَدَ يَسوعُ أَيضًا. وكان يُصَلِّي، إنفتحَتِ السماء، ونزَلَ الرُّوحُ القُدُس عليه في صورةِ جِسْمٍ كأنَّهُ حَمَامَة، وأتى صَوتٌ من السماءِ يقول: أنتَ ابنيَ الحبيب، عنكَ رَضِيت" (لوقا ٣: ٢١-٢٢).
أتى الرب يسوع ليقبل العماد على يد يوحنا المعمدان. لقد وصل إلى نهر الاردن فقيراً ولا يملك شيئاً، جاء عرياناً وبدون ثيابٍ ورفيقٍ او مرافق. أتى لابساً إنسانيتنا البشرية الضعيفة، ومُخفِيًا عظمته الإلهية ليغلب مكر الثعبان. لم يأتي إلى يوحنا كسيّدٍ أرسل قبل مجيئه حرسه الشخصيّ ليمهدّوا طريقه. بل قدِم إليه كأيّ إنسانٍ عادي بسيط خاطئ، وحنى رأسه بكُلِّ تواضع لينال العماد منه. وهذا الأخير الذي بهره هذا التواضع جعل يمانعه قائلاً: "أَنا أَحتاجُ إِلى الاِعتِمَادِ عن يَدِكَ، أَوَ أَنتَ تَأتي إِليَّ؟" (متى ٣: ١٤).
كم من النِّعَم والخيرات كنا سنُبلى بها لو لم يقبل الربّ العماد عن يد يوحنا؟
نعم، قبل عماد يسوع كانت السماوات مقفلة، ومسكننا في الأعالي بعيدًا عن متناولنا. لأننا بعد أن نزلنا إلى أدنى المستويات بسبب الخطيئة، أصبح علينا صعبًا ومن المستحيل أن نستعيد الفرح السماويّ. لكن الربّ يسوع، ابن الله الوحيد المتجسّد، الذي نال العماد، "جدّد إنساننا القديم" (رومة ٦: ٦)، وأعاد إليه صورته الحقيقية، ومنحه صولجان التبنّي الإلهي، فلوَقتِه "انفتحت السَّمَواتُ"، وتوافقت الحقائق المرئية مع غير المرئية، وعمّ الفرح بين الطّغمات السماوية وشفيت الأمراض على الأرض، وكل ما كان في العهد القديم محجوبًا أصبح معلومًا. فوجب علينا أن نفتح أمام الرّب يسوع المسيح، أبواب قلوبِنا لننال الخلاص بسر تجسده وفدائه. فكما نَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ علَيه في صورةِ جِسْمٍ كَأَنَّهُ حَمامَة وانطلق صَوتُ الآب مِنَ السَّماءِ يقول: "هذا هو ابنيَ الحبيبُ الذي عَنهُ رَضِيت"، فكان لا بدّ أن "ترتَفِعَ المَداخِلُ الأَبدِيَّة" (مزمور ٢٤ (٢٣): ٧)، ليدخل "ملك المجد" ويسكن في قلوبِنا ويُجدّد حياتنا ويملأها قداسةً وفرحًا (مزمور ٢٤ (٢٣): ٧).
تعالوا يا جميع الشعوب وقبائل الأمم إلى المعموديّة ، إلى حمّام الخلود .
تعالوا إنِّي أبشّركم بالحياة ، أنتم الذين ما زلتم في ظلمة الجهل .
تعالوا من العبودية إلى الحُريّة، ومن الاستبداد إلى الملوكية، ومن القابل للفساد إلى الذي لا يعرف الفساد وهو الحياة.
تعالوا لتغيّروا فيكم الحياة، وتكون حياتكم أفضل.
تعالوا، وانا أدلكم كيف تحققون ذلك.
بالميلاد الثاني، بالماءِ والرُّوح القدس: "الحقَّ الحقَّ أقولُ لك: ما من أحدٍ يُمكِنُهُ أن يَدخُلَ ملكوت الله، إلاّ إذا ولِدَ من الماء والرُّوح. فمولود الجَسدِ يكونُ جسدًا، ومولود الرُّوح يكون روحًا" (يوحنا ٣: ٤-٦). فهذه المياه التي تشارك الرُّوح القدّس تسقي الجنّة وتُفرّح الأرض، وتُخصب العالم. وتولِّد الإنسان وتجعله يولد من جديد في المياه التي تعمّد بها الرّب يسوع المسيح والتي حلَّ عليها الرُّوح القدس. روح القداسة والمحبّة والسلام والحق.
أيها الروح القدس، في يوم ظهور السيد المسيح واعتماده في نهر الأردن، إخلق فينا روحًا جديدة وقلوبًا جديدة تسير على طريق القداسة. إنزع منها وصمة الخطيئة واحرق كلّ شيء غير طاهر فيها. وإجعلنا مطابقين لصورة إبنك الإلهي، لنصبح هياكل طاهرة صالحة لحلول مجده السماويّ.
يا روحًا إلهيًّا تنازل واسكن شخصيًّا في كلِّ واحدٍ منا لتقديسنا، أشعل في قلوبِنا نار المحبّة، واملأ بشعلتك نفوسنا. أطرد منها كل عاطفة مغايرة لإرادة الله، وادفعنا نحو قطف الثمار الرسوليّة. أعطنا نعمتك لنكون شعلة متّقدة بمحبّة طاهرة وأزليّة.