موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لم يتعب الإنسان من الدفاع عن المقدسات، ولن يهدأ له بال حتى يشفي غليله من أخيه الإنسان. إنها ورشات عمل متعددة ومتكررة منذ فجر التكوين، وحتى الساعة لم تتعب أسرة العمل البشري المتعصبة من تتابع الأجزاء حتى صار المسلسل مملاً ومقززاً. نبدأ من الحلقة الأخيرة التي احتوت على رسوم كاريكاتورية تسيء لنبي الإسلام، وتمزيق للإنجيل وحرق للقرآن، وتهديدات نخجل من ذكرها تُطال الإنجيل من رجل مريض. أما الحلقات السابقة ففيها حرق كنائس، وهجوم على ممتلكات مسلمين ومسيحيين. وتهييج إعلامي خطير للصيد في الماء العكر، وتحريض همجي من علماء الدين. وخطف وتنكيل وسعي متبادل للتبـشير وجذب أتباع تلك الديانة، والعكس صحيح، وتأتي خاتمة كل حلقة من المسلسل بمزيد من الخسائر البشرية والمادية والفكرية، وانحدار في مستوى التخاطب والحوار، وانقطاع في العلاقات، بل وترسيخ للعداوات الظاهرة والمُبطنة. وجميعهم يرفعون أصواتهم قائلين: المُقدسات خط أحمر. والسؤال الهام: هل يعرفون ما هي المقدسات؟ وهل يؤمنون أنها مرتبطة بالذات الإلهية؟ إذاً كيف يستطيع بني بشر أن يمسوا الله، أو المقدسات المرتبطة به حتى لو حرقوا أو بصقوا أو مزقوا إنجيلاً أو قرآناً، وإن صدر تصرف أرعن من فلان لينتج فيلماً مسيئاً، وإن وقف شيخ متعصب يخطب ويحرض، فابشروا لأن المقدسات لا تُمس بتصرفات فردية طائشة، وغير مسؤولة، إنما تُمس حقاً عندما نولد ونحيا ونموت ونحن أسرى جهلنا وأطماعنا وأنانياتنا، فأهم المقدسات على الأرض هو الإنسان خليقة الله، وكم نُهين مقدساته بتكفير الآخر وتخوينه لأنه اختلف معنا، ولم يسلك كما نريد. عندما تهدمت كنيسة، سقطت حجارتها، وليست المقدسات.لأن الله روح والذين يعبدونه بالروح والحق يعبدوه. وعندما صور الفيلم المسيء، فالمقدسات لم تمس، فالكاميرا لا تطال رمزية الأشخاص. المقدسات تُمس لأننا لا نتحاور بوعي، ولا نقبل الاختلاف على خلفية من المحبة والاحترام المتبادلين. المقدسات تُمس عندما لا نحيا بقداسة في الكلام والسلوكيات والنوايا تجاه أخينا الإنسان. المقدسات تُمس بسماحنا للتعصب والجهل والحقد أن يعششوا فينا، فنطرد روح الإله القدوس خارجاً. المقدسات أخي المسيحي أن أعاين الإيمان في سلوكياتك، وأن أراك تسلك بمحبة وتضحية على مثال المسيح. أيضاً المقدسات أن أرى الإسلام الحنيف في تعاملك وتفكيرك وردود فعلك وقبولك للآخر كما يوصي قرآنك ونبيك يا أخي المسلم. ثم لماذا تغضب أيها المسيحي إن سمعت مسلماً يقول لك: المسيح لم يُصلب بل شبه له. هل يغير قوله حقيقة إيمانية تاريخية موثقة لديك؟ بل يجب أن تسمعه بهدوء، وتشرح له إيمانك حول صلب المسيح وموته وقيامته ومجيئه الثاني. أو لماذا تنفعل إن شكك في التوحيد بقوله أن لدى المسيحيين ثلاثة آلهة، فاشرح له بهدوء مفهوم الأقانيم لاهوتياً، وأن الله واحد لا شريك له. وأنت أخي المسلم ما الذي يغضبك إن سألك مسيحي عن زواج النبي محمد من طفلة أو عدة نساء؟ خذ الأمر بهدوء، وأوضح له الدوافع من تصرف الرسول في ذلك الوقت. أو إن قال عن القرآن أنه يحرض على الإرهاب، فافتح كتابك واشرح له الحقيقة التي قد يجهلها. ومن ناحية أخرى، لماذا يقبل أحدنا ومن أي دين كان أن يعيش حياته كلها تابعاً وأسيراً لفكر فرض عليه، وإن لم يقتنع ببعض نواحيه؟ والحجة أن المقدسات لا تُمس، والدين له ناسه وشراحه. يا أخي الدين لكل الناس، وهو يخص علاقة الإنسان بربه قبل اللجوء لرجل دين لتستمع إلى تعاليمه. ومن الأنانية أن احتفظ لنفسي فقط بالجواهر الثمينة التي تميز إيماني وعلاقتي بالله، ولا أشرك معي أخي الإنسان حتى يتعلم أن يرمي عنه ثقل الخطيئة، ويتوب ويتمتع بإيمانه الحق. إذاً: كل إنسان يحمل رسالة، وهو مُطالب أن يشهد للآخرين عن إلهه. واجبك أيها المسيحي أن تخبر أخيك المسلم كم يحبه المسيح وقد مات لأجله ولأجلك. وواجبك أخي المسلم أن تخبر كل مسيحي عما أوصى به الرسول عند التعامل مع النصارى بالحسنى. تمنياتي وصلواتي للرب القدير الواحد القدوس أن تنتهي حلقات هذا المسلسل المقيتة عند أولئك الذين يطالبون بنصرة رسول الله، فإن كانت نصرة نبي من فعل بشر فبؤس المصير. وأن يتوقف أصحاب الرسوم عن بث سموم الفتنة والخراب مع يقيني أن عملهم تجاري يساهم في نشره إعلام يبحث عن تشويق، وإن كان خارجاً عن الأدب والأخلاق. الإنجيل يعلمنا: من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر، الحكاية ليست ضعفاً فالإنسان يجب ألا يخاف سوى من الله، ومن في قلبه مخافة الله لا يخطئ بحق أخيه الإنسان من كل الأديان والأعراق والقوميات، بل يسامح ويغفر ويحاول أن يهديه للطريق الصحيح، بأفعاله قبل كلامه.