موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥

مسؤولية القائد المنتخب في ضوء الكتاب المقدس: وكيل الله وخادم الشعب

بقلم :
رائد نيسان حنا - العراق
مسؤولية القائد المنتخب في ضوء الكتاب المقدس: وكيل الله وخادم الشعب

مسؤولية القائد المنتخب في ضوء الكتاب المقدس: وكيل الله وخادم الشعب

 

بمجرد أن يُنتخب القائد، يتحول دوره من مجرد مرشح يسعى للسلطة إلى حامل لمسؤولية مقدسة. في المنظور الكتابي، لا يُنظر إلى السلطة على أنها حق شخصي أو غنيمة، بل هي وكالة إلهية وخدمة عامة. إن القائد المنتخب هو في الأساس "خادم الله" (رومية 13: 4) لخير الشعب. هذه المقالة تستعرض أبرز المسؤوليات الأخلاقية للقائد كما حددتها نصوص العهدين القديم والجديد.

 

1. إقامة العدل والإنصاف (الركيزة الأساسية)

 

إن المسؤولية الأولى والأكثر أهمية للقائد، سواء كان ملكاً في العهد القديم أو حاكماً مدنياً في العهد الجديد، هي إقامة العدل.

 

• العدالة لا المحسوبية: يشدد الكتاب المقدس على أن القائد يجب أن يكون محايداً تماماً. يقول سفر اللاويين: "لاَ تَفْعَلُوا شَيْئاً مِنَ الْجَوْرِ فِي الْقَضَاءِ. لاَ تَحَابِ [تفضّل] وَجْهَ الْفَقِيرِ وَلاَ تَرْفَعْ وَجْهَ الْعَظِيمِ. بِالْعَدْلِ تَحْكُمُ قَرِيبَكَ" (اللاويين 19: 15).

 

• حماية الضعفاء: تُقاس قيمة الحكم بمدى عنايته بالطبقات الأكثر ضعفاً. يسأل النبي إرميا: "هَلْ قَضَى قَضَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ؟ حِينَئِذٍ خَيْرٌ لَهُ!" (إرميا 22: 16). واجب القائد هو أن يدافع عن اليتيم، والأرملة، والغريب.

 

 

2. الخدمة لا السيادة (قانون المسيح)

 

في تعليم العهد الجديد، غيّر المسيح مفهوم القيادة جذرياً، محولاً إياها من سيادة إلى خدمة وتضحية.

 

• قيادة الخادم: قال المسيح لتلاميذه: "لَيْسَ هَكَذَا فِيكُمْ [القادة]، بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا" (متى 20: 26-27). هذا المبدأ ينطبق على كل من يتولى السلطة؛ فمكانة القائد تُقاس بمدى خدمته وتفانيه في تلبية احتياجات المجتمع.

 

• النموذج الأخلاقي: يُلزم القائد أن يكون قدوة حسنة في الصدق والنزاهة، وأن يتجنب الاستغلال والفساد.

 

 

3. السعي للحكمة الإلهية والاستقامة الشخصية

 

يجب على القائد أن يعتمد على مصدر أعلى من قوته البشرية لاتخاذ القرارات الصعبة.

 

• طلب الحكمة: عندما أصبح سليمان ملكاً، لم يطلب الثروة أو طول العمر، بل طلب "قَلْباً فَهِيماً لِأَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ وَأُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" (الملوك الأول 3: 9). هذه النظرة تؤكد أن القائد الحقيقي يجب أن يكون متواضعاً وطالباً للحكمة من الله.

 

• النزاهة ومحاربة الرشوة: يوصي سفر الأمثال بأن "اَلْخَادِمُ الأَمِينُ يُجَازَى" (أمثال 29: 2)، محذراً من أن القائد الذي يرتشي يدمر دولته: "بِكَثْرَةِ الرَّشَاوِي يُدَمِّرُ" (أمثال 29: 4 - ترجمة أخرى). الاستقامة المالية هي جوهر مسؤولية القائد أمام الله والشعب.

 

 

4. توفير الأمن والاستقرار (حفظ النظام)

 

كُلّف القادة بمسؤولية ضمان العيش الكريم والمستقر لمواطنيهم.

 

• السلطة لحفظ النظام: يقول القديس بولس إن الحاكم "خَادِمٌ لِلَّهِ، لِلصَّالِحِ [لخيرك]. وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً، إِذْ هُوَ خَادِمٌ لِلَّهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ عَلَى فَاعِلِ الشَّرِّ" (رومية 13: 4). هذا الدور يتضمن حماية الدولة من الأخطار الداخلية والخارجية وضمان سيادة القانون.

 

في الختام، القائد المنتخب في الرؤية الكتابية هو راعٍ، ووكيل، وخادم. مسؤوليته لا تقتصر على السياسة والإدارة، بل تمتد لتشمل البعد الأخلاقي والروحي. عليه أن يتذكر دائماً أن سلطته مؤقتة وخدمته دائمة، وأن حكمه النهائي سيكون قائماً على مدى إخلاصه لمبادئ العدل، والرحمة، والنزاهة في تعامله مع الشعب الذي ائتمنه على مصيره.