موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢

ليكونوا بأجمعهم واحدًا كما نحن واحد

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
ليكونوا بأجمعهم واحدًا كما نحن واحد

ليكونوا بأجمعهم واحدًا كما نحن واحد

 

منذ أكثر من مائة سنة استيقظ المسيحيون في العالم من غفوتهم على صوت دعوة الربّ لهم في الإنجيل المقدَّس، للصلاة من أجل وحدة المسيحيين وخاصةً بعد انقساماتٍ حادَّةٍ طرأت على حياتهم الكنسيّة في الألف الأول والثاني الميلاديَّيْن.

 

المسيح نفسه، صلَّى من أجل وحدةِ المؤمنين به، فكم بالأحرى علينا نحن أيضًا، أن نكمّلَ صلاة المسيح الكهنوتيّة التي رفعها إلى الآب السماويّ في ليلة إقباله على الموت، ونعود إلى الوحدة المنشودة التي نريدها لكنائسنا جَميعًا.

 

منذ أكثر من مائة عامٍ صلَّيْنا، ونصلّي وسنصلي، والربُّ يستجيب صلاتنا وطلباتنا، فالعمل المسكوني من أجل الوحدة يتقدَّم سنة بعد سنة في حياة الكنيسة، عبر الصلاة أوَّلًا، ثمَّ الحوار ثانيًا، وهو المرتكز الثاني في العمل المسكوني.

 

 

الحوار والصلاة

 

الحوارات كثيرة بيننا نحن الكاثوليك والأورثوذكس والإنجيليين، وبين سائر الكنائس بمختلَف مذاهبها. حوارات تمَٰت، وأُخرى تستمر، وستستمر إلى أن نفهم بعضنا، لأفهم أخي الآخر كما هو يفهم ذاته. هدف الحوارات أن نتناقش وندرك حقيقية ومعنى رسالتنا وإيماننا. هذه الحوارات يباركها الله، ولذلك نريد أن تستمرَّ في حياتنا وكنائسنا إلى أن نصل إلى الوحدة الحقيقيَّة والشهادة الواحدة بيننا جَميعًا.

 

الصلاة أساس الوحدة، دعا إليها الربُّ يسوع، لأنها تليّن القلوب وترجعنا إلى الله الذي زرعنا في هذه الدنيا لنكون شهودًا له كما قال في صلاته الكهنوتيّة (يوحنا الفصل ١٧ بكامله): "سيعرف العالم ويؤمن بأنَّكم تلاميذي إذا حبٌّ بعضكم البعض".

 

 

الإنقسام خطيئة

 

إنَّ الإنقسام في الكنيسة شهادةٌ معاكسةٌ لرسالتِها وخطيئة ضد وصية المسيح يسوع، ونحن كمسيحيين ضميرنا يحثنا إلى أن نسعى بكلّ قلوبنا وطاقاتنا للعودة إلى هذه الوحدة والشركة الكاملة في ما بيننا. قال الربُّ يسوع: "يا أبتاه، ليكونوا واحِدًا  كما نحن واحد" (يوحنا ١٧: ١١)، "أنا فيهم وأنتَ فيَّ، ليَبلُغوا كمال الوحدة، ويعرفَ العالمُ أنَّكَ أنت أرسلتني، وأنّكَ أحببتهم كما أحببتني" (يوحنا ١٧: ٢٢).

 

 

كنيسة واحدة وايمان واحد

 

الآب والابن والروح جوهر واحد، إله واحد بثلاثة أقانيم. إيماننا بالأب والإبن والروح القدس لا يتزعزع. إذًا، نحن مدعوون إلى أن نكون واحِدًا ومتميزين ومتنوعين في آن واحد. وكما كانت الكنيسة الأولى، منذ بداية رسالة الرسل. بدأت واحدة تُبشّر وتتكلم لغات متعددة، الآرامية والسريانية والعربية في الشرق، واليونانية في آسيا الصغرى واليونان، والأرمنية في أرمينيا وكيليكيا، واللاتينية في روما، أي أنها انطلقت إلى تقاليد متميزة متنوعة، ويبقى جوهرها واحِدًا وإنجيلها واحدًا. لذلك نحن نسعى إلى نكون في شركة واحدة بإيماننا ولو كنا مختلفين بتقاليدنا ولغاتنا وطقوسنا وعاداتنا. فالحضارات متعددة في الأرض والمسيحية تدخل إليها وتقدسها وتأخذ منها للتعبير عن جوهر حياتها ورسالتها. لكن الإيمان يبقى واحِدًا.

 

نصلي من أجل وحدتنا، وحدة المسيحيين، حتى تكون هذه الوحدة على صورة الوحدة بين الآب والإبن والروح ضمن التنوع والوحدة بالإيمان الحقيقي الواحد.

 

إن موضوع الوحدة سيرافق الكنيسة حتى عودة السيد المسيح. لذلك علينا أن نهتم بالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة، ونحافظ عليها ونبعد عنها الأعداء المنظورين وغير المنظورين، فعلينا أن نعمل بإيمانٍ وثقة ونقوم بواجباتنا باسم الإنجيل ونزرع ملكوت الله في كل القلوب.

 

 

صلاة

 

يا رب نحن نشهد لمحبتّك على الأرض، أعطنا أن  نتوحَّد بإيماننا، توحدًا كاملاً ونعود إلى الشرِكة الكاملة فيما بيننا ونتفاهمَ على كل ما اختلفنا عليه. أعطِنا من روحك القدّوس نقاوةً ومحبَّة حتى نغيّر وجه الأرض، فإنَّك لهذا تجسَّدت وجئت، حتى تصبح الأرض سماءً جديدة وأرضًا جديدة.

 

 

+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك