موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
العالم كله يصرخ ويقول: السلام... ولكن الجهود المبذولة لتحقيقيها غير كافية، لا بل هناك مازال من يريد القتل والاحتلال والسيطرة على كل شيء وكأنه خالق كل شيء. وأمام هذا الإنسان الطماع تقف كلمة السلام عاجزة عن الدنو منّا والسكن في وسطنا، لأنه لا مجال للمتكبر والطماع بالسكنى مع السلام، فهي ملكة لا تسكن إلا في القلوب المتواضع، والتي ترضى بالمغفرة حتى لو تكرر الخطأ، لأنها واثقة بأن المغفرة ستنتصر على الحقد والكبرياء. يأتينا السيد المسيح في انجيله المقدس في الأحد العشرين من زمن السنة العادي (لوقا 12: 49) ليقول: "جئت لألقي على الأرض ناراً وما أشد رغبتي أن تكون قد اشتعلت... ما جئت لألقي السلام بل الخصام" يصعقنا السيد المسيح بقوله هذا: فحامل السلام يزرع بيننا الخصام، كيف يكون هذا؟ وما هو منطقه؟ إن قول السيد المسيح بأنه يحمل ناراً هي نار الروح القدس، التي تطهر القلوب وتقودها نحو الله تعالى والتي تزرع فينا ملكة السلام، لأننا بها قادرون على الدخول في شركة الحب الثالوثية: سلام مع الله ومع القريب مع نفسي، أي بمعنى آخر: التناغم المطلوب لنتحد سوية، فيسكن الإنسان فينا بسلام طول حياته. إلا أن هذه السكنى تحت جناح الثالوث تتطلب منّا تغيير كبيراً في عقليتنا وتفكيرنا: فلم يعد العقاب هو نتيجة الخطأ بل المغفرة والمسامحة... وهذا ما لا يستطيع عالم اليوم (العالم بمعنى الشرير) أن يقبلها، فأصبح أبناء العائلة الواحدة منقسمون على أنفسهم. فسلام الله يتطلب منّا أولاً تغييراً داخلياً وهذا التغيير يجعل منّا أهل سلام مع عائلتنا الصغيرة ومنها ننطلق إلى العائلة الكبيرة والحارة والرعية. فإن لم يمتلك الإنسان السلام الداخلي لا يمكنه البتة أن يعيش سلاماً مع لله أو القريب بل سيكون كلام الله له مرّاً ولن يقبله، فبدل أن تكون الكلمة سبب فرح أصبحت سبب نزاع وحزن. فصدقوني إخوتي لا بد لنا من أن نتوقف عن ترديد كلمة "السلام" وأن نبدأ العمل على تحقيقيها: في حياتنا ومصالحتنا مع الله والقريب... ومنّا "كالخميرة في العجين" سنستطيع بقوة الروح القدس أن نجعلها ملكة تسكن في قلوب الجميع ليعود الجميع إلى الحظيرة الواحدة. وتعليقاً على الأحداث الماضية التي حدثت في مصر: لو بقي الإخوان المسلمين مائة سنة أخرى فلن يستطيعوا أبداً أن يحققوا السلام مهما قالوا ومهما فعلوا وحتى لو تملكوا السلطة بالكامل: لأنهم مازالوا يكرهون ولا يسامحون... يقتلون ولا يرحمون. وهذا عكس ما رأيناه من الشعب القبطي الكبير والذي في ندائه البابا تواضروس قال: "نحن نقدم دماءنا فداءً عن الشعب كله ومن أجل السلام، ولن نقتل أحداً" فهنا يكمل السلام الحقيقي، الذي سيزهر من دماء شهدائنا الأبرار. وهذا ما تعارض عليه الكثيرون من المسيحيين فهناك من أراد الإنتقام وهناك من وافق على المسامحة وهنا نعود لنص الإنجيل المقدس: "ما جئت لأحل السلام بل الخصام"... فمن كان من الله قبل ما أراده الله ومن لم يكن من الله وقع في شرك الخطيئة. يا أمنا البتول مريم، نسألك أنت أقرب الناس إلى المسيح يسوع، أن يرسل لنا روحه القدوس ليجدد فينا روح المحبة والمغفرة فنعيش في توافق تام وتناغم كامل في شكر الحب الكبرى، شركة الثالوث القدوس، فنصبح من أبناء الله: أي من الساعين إلى السلام... آمين. الأب إبراهيم أنيس نينو مسؤول الدعوات الكهنوتية في البطريركية اللاتينية