موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٤

قيادة بلا قيود: رحلة جديدة في عالم القيادة

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
الأب عماد الطوال، راعي كنيسة اللاتين في الفحيص

الأب عماد الطوال، راعي كنيسة اللاتين في الفحيص

 

عندما نفتح أفقنا على عالم القيادة، ندرك أن الأساليب التقليدية لم تعد كافية لمواكبة التغيرات السريعة في بيئة العمل اليوم، حيث أصبحت قيادة المؤسسات تنطوي على العديد من التحديات والضغوط.

 

لم يعد النجاح في القيادة مرهونًا بالكفاءة والمهارات التقليدية فقط، بل أصبح يتطلب منا التفكير خارج الصندوق وتبني أساليب جديدة قد تبدو في البداية غريبة أو متناقضة، وهذا هو جوهر كتاب كيفن كروس "القادة العظماء ليس لديهم قواعد"، حيث يفتح لنا هذا الكتاب أبوابًا جديدة للتفكير والإبداع في القيادة، مقدماً مبادئ ثورية تتحدى كل ما تعلمناه سابقًا.

 

من خلال قراءتي للكتاب، وجدت أن كروس يُقدم بعض المبادئ الثورية التي تتحدى القواعد التقليدية، تهدف هذه المبادئ إلى تغيير الطريقة التي يعمل بها القادة ليكونوا أكثر فعالية، ويتمكنوا من تحقيق نجاحات ملموسة بعيدًا عن الضغوط التقليدية. نستعرض هنا بعضًا من هذه المبادئ:

 

1. إنهاء سياسة الباب المفتوح: والتي تُعتبر من أساسيات مكان العمل الناجح وتمنحه الطابع الإنساني، كروس يرى أنها تشتت انتباه القائد وتحُد من إنتاجيته، لذلك يقترح أن نستعيض عن هذه السياسة بجدول زمني محدد حتى يتمكن القائد من القيام بمهامه الأساسية، فالاجتماعات الأسبوعية والمتكررة وساعات العمل المجدولة مسبقًا على سبيل المثال هي الأفضل لتسهيل التواصل.

 

2. إغلاق الهواتف الذكية أثناء الاجتماعات: إذا كنت تستخدم هاتفك الذكي في الاجتماعات، فإن الأبحاث تشير إلى أنه من غير المناسب استخدام الهاتف على الإطلاق في أي نوع من الاجتماعات، على القائد ترك هاتفه الذكي في مكتبه واستخدام القلم والدفتر في الاجتماعات إذا لزم الأمر لتجنب التشتيت، وللبقاء يقظًا وحاضرًا.

 

3. نبذ القواعد والقيود الصارمة: القواعد أدوات وليست غاية، في كل مرة نصطدم فيها بقاعدة ما، فإن ذلك يحرمنا من الفرصة لاتخاذ خيار أو قرار، بدلاً من القواعد الصارمة التي تحُد من الإبداع، ضع معايير أو حدود متجذرة في قيم المؤسسة، تحدد للأفراد النطاق الذي يمكنهم العمل ضمنه.

 

4. الجدارة بمحبة الآخرين دون السعي إليها: عليك أن تدرك أن أعضاء فريقك لا يحتاجون إلى صديق آخر، بل يحتاجون إلى قائد يدربهم ويطور حياتهم المهنية، والذي سيتخذ القرارات الصعبة أحيانًا لحماية الفريق أو تقدم المؤسسة، استبدل حاجتك إلى أن تكون محبوبًا بالحاجة إلى القيادة الصحيحة، واستبدل حاجتك لأن تكون محبوبًا من الجميع، بإدراك أنه إذا كنت محبوبًا من عائلتك وأصدقائك المقربين فهذا يكفي.

 

5. القيادة بالحب: القادة الذين يعتمدون على الاهتمام بأفراد الفريق وبالتالي بناء بيئة عمل داعمة، يحققون مشاركة عالية ونتائج عمل استثنائية.

 

6. استخدام المفكرة لتوزيع المهام: القادة العظماء مهووسون بالدقائق، إنهم يعلمون أن كل دقيقة تُهدر مجانًا هي دقيقة أخرى لا يمكن الاستفادة منها في تدريب فريقهم أو تحقيق النتائج، لذلك قم بجدولة  كل شيء، حدد المهام للتأكد من أنها لا تفوق عدد ساعات العمل، إذا تساءلت عن وقت للاستراحة ووقت للتفكير، نعم، قم بجدولة ذلك أيضًا، القادة العظماء، في الواقع يقومون بجدولة وقت اللاشيء أيضًا.

 

7. المحاباة لا المحسوبية: يعامل الكثير من القادة جميع أعضاء فريقهم بنفس الطريقة، ولكن اتضح أن هذا هو الشيء الأكثر ظلمًا الذي يمكننا القيام به تجاه الناس، وهي أسرع طريقة لخسارة المميزين، بدلاً من معاملة الجميع على حد سواء، عليك أن تتعلم كيفية تخصيص نهج قيادتك بشكل فردي، يجب أن تأخذ الوقت الكافي لفهم كل عضو من أعضاء فريقك عندما يتعلق الأمر بمواهبهم وخبراتهم ونقاط قوتهم وأهدافهم، ثم تقوم بالتفضيل، ليس بناءً على من يعجبك أكثر، ولكن بناءً على ما استحقه.

 

8. الشفافية العالية: لكي نتنافس اليوم، يتعين علينا أن نستبدل عبارة "المعرفة قوة" بمقولة "المشاركة قوة" من أجل بناء علاقة تتميز بالثقة، فالشفافية تعني مشاركة كل شيء بما في ذلك البيانات المالية اللازمة لفهم ما الذي يجعل المؤسسة تنجح.

 

9. إظهار نقاط الضعف: يدرك أفضل القادة أن إظهار نقاط الضعف والجانب الإنساني لديهم، من أسرع الطرق لكسب الثقة، فشارك إخفاقاتك السابقة كتجارب تعليمية لمن حولك، وكي يشعر أفراد الفريق بإنسانيتك وبأن الخطأ طبيعة بشرية مقبولة.

 

10. القيادة ليست خيارًا: يتفق العظماء جميعاً على أن القيادة في كلمة واحدة هي التأثير، إنك تؤثر عندما تقف في وجه المتنمر، ولكن أيضًا عندما تظل متفرجًا، أنت تؤثر عندما تتحدى الفكرة في قاعة الاجتماعات، وكذلك عندما تلتزم الصمت، القيادة ليست خيارًا، لأنك تقود (أي تؤثر) طوال الوقت، وهذا يعني أنك لا تقود العمل فحسب، بل أينما كنت، لكن هل تقود في اتجاه إيجابي أم في اتجاه سلبي؟ انتبه إلى قوتك كقائد.

 

ما يميز هذا الكتاب هو الجرأة التي قدم بها أفكارًا تتعارض مع المبادئ التقليدية للقيادة، حيث يتحدث كروس أيضا ضمن كتابه عن الذكاء الاصطناعي وتأثيره المحتمل على القيادة، وعن إمكانية استبدال نسبة كبيرة من القادة الحاليين بالذكاء الاصطناعي في المستقبل، هذه الفكرة تدفع القادة إلى إعادة التفكير في تبني أساليب قيادية أكثر ابتكارًا.

 

الاستفادة من كتاب كروس لا تنطبق على مكان العمل فقط، بل على مختلف مناحي الحياة، هو ليس مجرد كتاب عن القيادة، ولكنه دعوة إلى التغيير الجذري في الطريقة التي ندير بها مؤسساتنا، دعوة لتبني مبادئ جريئة والابتعاد عن القواعد التقليدية لصالح أسلوب يركز على الاستقلالية، والنتيجة، والثقة، والمرونة، والتعلم المستمر مع هذه المفاهيم يمكن للقائد تحقيق النجاح المستدام في عالم اليوم المتغير وتطوير أسلوب قيادته وتحقيق المزيد من النجاح في بيئته العملية.