موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٣ يونيو / حزيران ٢٠١٣

عيد الصعود في مفهوم القديس لوقا ومزار الصعود في القدس

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين

عيد الصعود المجيد هو عيد نحتفل به كل عام بصعود يسوع المسيح بروحه وجسده الى السماء بعد اربعين يوما من قيامته. فالرب تمجّد فوق السموات بصفته إنسانا وصعد بصفته إلها، "صَعِدَ اللهُ بِالهُتاف الرَّبُّ بِصَوتِ البوق". (مزمور 47/6). ونحن نؤمن بان السيد المسيح هو إله وإنسان في أقنوم واحد؛ بألوهيته صعد، ولكن بجسده تمجد. ومن هنا نتسأل ما هو الصعود بمفهوم القديس لوقا، ولماذا نحتفل كل عام بعيد الصعود، وفي ومن اين تمّ الصعود؟ أولا: الصعود بمفهوم القديس لوقا يصف لنا القديس لوقا ان الصعود هو خاتمة الترائيات الفصحية ومنطلق رسالة الرسل. (اعمال الرسل1/9-11). الصعود خاتمة الترائيات: صعود الرب هو استمرار لقيامته من القبر ودخوله في ملء رسالة الفصح. فلولا الصعود لما كانت القيامة (أعمال2/23-36). فصعود الرب الى السماء كان آخر ترائه للرسل بالجسد، قبل ان يعود ثانية في نهاية الازمنة. وفي هذا الظهور تغلب يسوع على قلة ايمان الرسل بإعطائهم علامات على حقيقة قيامته : " ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟ أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَميَّ. أَنا هو بِنَفْسي. إِلمِسوني وانظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ ليسَ له لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي " (لوقا 24/ 38-39). ووهبهم فهم الكتب المقدسة "فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب" عن سر المسيح الخلاصي (لوقا 24/ 44). ان اسفار العهد القديم كلها تشير الى المسيح، المزامير تنبأت عن آلامه (مز 22) وسفر اشعيا عن قيامته ( اشعيا 53/10-11)... الصعود منطلق رسالة الرسل والكنيسة: حدَّد يسوع في ترائه الاخير في الصعود مهمة الرسل ليكونوا شهود القيامة "وأَنتُم شُهودٌ على هذه الأُمور" (لوقا 24/48). فرسالة المسيح المعبّرة عن حب الله وغفرانه لا بد ان تصل الى كل العالم. ولذلك وعدهم بإرسال الروح القدس "َامكُثوا أَنتُم في المَدينَة إِلى أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى" ( لوقا 24/49). يمنح الروح القدس قوة للرسل والكنيسة كي تشهد للمسيح بناء على وعده: " الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا حتَّى أَقاصي الأَرض" (أعمال 8/1). وسِفر أعمال الرسل خير دليل على تأييد الروح القدس للشهادة في الإرساليات ولا سيما وقت الاضطهادات تتميما لما وعد به السيد المسيح (متى 10/19-20). ولا يزال الروح القدس في أيامنا يبعث مُرسلين ورسلا ويؤيد المسيحيين لتأدية شهادتهم المسيحية. فقوة الكنيسة الخفية هي الروح القدس الذي يعمل في الكنيسة في كل بقاع الأرض. إنه حالٌ في قلوب المؤمنين به ويتكلم في فمهم ويُلهمهم ما يتكلمون به في حالة الاضطهادات والصِعاب لأجل اسم الرب. حيث عطيّة الروح فهناك رسالة وحيث الرسالة فهناك عطيّة الروح. اما جواب الرسل فانهم اعترفوا بسيادة المسيح لدى مشاهدتهم صعوده، وسجدوا له سجودهم لربّهم وهم يباركون الله ويشهدون له (لوقا 24/45). بقيّ يسوع يتراءى لتلاميذه مدة أربعين يوماً، ويكلمهم عن شؤون ملكوت الله” (أعمال1/3-10). لماذا اربعين ؟ وعدد أربعين هو عدد رمزي يشير إلى مدة مثالية تمهد لحدث عظيم، وهو يذكرنا بالمدة التي قضاها اليهود في البريّة قبل أن يدخلوا أرض الموعد. وأن شعب الله الجديد اختبر الرب القائم أربعين يوماً قبل أن يحلّ عليه روح الرب. ومن هنا نفهم أن المسيح القائم كان يعلّم تلاميذه، أي يُعدَّهم كما أعد الرب الشعب القديم ويهياهم لعطية الروح القدس، وبالتالي لحمل الرسالة؛ حيث عطيّة الروح فهناك رسالة، وحيث الرسالة فهناك عطيّة الروح. واما القديس مرقس يذكر “الغمام” (مرقس9/7). ما رمز الغمام ؟ كلمة الغمام هي كلمة ذات خلفيّة كتابيّة تعني “حضور الرب”، لأن الله لا يُرى بأعين الجسد فيرمز له بالغمام. ودخول المسيح في الغمام يعني دخوله في مجد الله الآب ( اعمال الرسل 9:1 ، لوقا 34:9-35، خروج 22:13) الذي ترمز اليه الغمام (التعليم الكاثوليكي رقم 659). ثانيا : لماذا نحتفل بعيد الصعود؟ تحتفل الكنيسة كل عام بخميس الصعود لكي تذكرنا ان يسوع المسيح صعد الى السماء للأسباب التالية : 1- صعود المسيح الى السماء ليجلس عن يمين الآب : "من بعد ما كلمهم الرب يسوع ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله" (مرقس 19:16 كما جاء في قانون الايمان. المسيح يجلس منذ الان فصاعدا الى يمين الاب: "ونحن نعني بيمين الاب مجد الالوهة وشرفها (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 663 ) . وهنا نميز بين الظهور ما بين مجد المسيح القائم من الموت ومجد المسيح الجالس عن يمين الاب وانتقال من الواحد الى الآخر. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 660). صعد يسوع الى السماء ليجلس عن يمين الآب وليجلس من حوله المؤمنين. 2- صعود يسوع الى السماء ليُشرك الانسان في لاهوته: اذا تركت الانسانية لقواها الطبيعة لم تستطيع الدخول الى حياة الله وسعادته. المسيح وحده استطاع ان يفتح للإنسان هذا الباب ،"بحيث يكون لنا نحن الاعضاء ،امل اللحاق به الى حيث سبقنا هو راسنا ومبدأنا". (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 661). وعليه رُفع يسوع أمام الرسل الى السماء ليُشركنا في لاهوته كما تصف الليتورجيا في مقدمة الصعود استنادا على رسالة القديس بولس الرسول "وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع." (افسس 2/6). وذلك ان يسوع المسيح، راس الكنيسة ،يسبقنا الى ملكوت الاب المجيد حتى نحيا نحن، اعضاء جسده ،في رجاء ان نكون يوما معه الى الاب. 3- صعود يسوع الى السماء ليشفع لنا: على انه الوسيط الذي يضمن لنا فيض الروح القدوس(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 667). يسوع المسيح، الكاهن الوحيد للعهد الجديد والازلي دَخَلَ السَّماءَ عَيْنَها لِيَمثُلَ الآنَ أَمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجْلِنا" (عبرانيين 9: 24). وفي السماء يمارس المسيح كهنوته بغير انقطاع "اذ انه على الدوام حي ليشفع في" من يتقربون به الى الله"(عب 7: 25). لأَنَّ المسيحَ دَخَلَ السَّماءَ عَيْنَها لِيَمثُلَ الآنَ أَمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجْلِنا(عبرانيين) 4- صعود يسوع الى السماء ليعطي الجميع العطايا : من انحدر لأجل خلاصنا هو الذى صعد ايضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل كما ورد في الكِتاب: "فذاك الَّذي نَزَلَ هو نَفْسُه الَّذي صَعِدَ إِلى ما فَوقَ السَّمَواتِ كُلِّها لِيَمَلأَ كُلَّ شَيء (افسس 4/ 8- 10) خاصة بإرساله الروح القدس. ان الرسل الذين رأوا يسوع صاعدا الى السماء كانوا يعلمون انه يفي بوعده لهم بان يكون معهم بالروح. يسوع نفسه وعدنا ان يكون معنا الى الابد، ويمكن ان نعرفه من خلال تأملنا للأسفار المقدسة والصلاة والقربان الاقدس واعطاء المجال للروح القدس ان يعمل فينا حنى نصير شبهه ومثله. 5- صعود يسوع الى السماء لإعلانه ملكاً : بصعوده الى السماء ملك على الامم وجلس على كرسي مجده "أَللهُ على الأمَمِ مَلَك، أَللهُ على عَرشِ قُدْسِه جَلَس: (مزمور 47/8). وهنا تحققت رؤيا دانيال النبي في شان ابن الانسان :" وأُوتِيَ سُلْطاناً ومَجداً ومُلكاً فجَميعُ الشُّعوبِ والأُمَمِ والأَلسِنَةِ يَعبُدونَه وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيّ لا يَزول ومُلكُه لا يَنقَرِض"(دانيال 7: 14). واصبح الرسل شهود "الملك الذي ليس له انقضاء" الجلوس الى يمين الاب يعني افتتاح ملك الماسيا، فمنذ هذه اللحظة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 664). 6- صعود يسوع الى السماء لإعلانه ديّان جميع العالمين: يخبرنا لوقا أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا ( اعمال ارسل 1/11) وذلك للدينونة " فسَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه (متى 16/ 27). ثالثا: من مكان صعد الرب الى السماء؟ التسمية: مزار صعود الرب يسوع الى السماء هو من اهم المزارات التي بُنيت على جبل الزيتون . وأطلق لوقا في إنجيله على هذا المزار عبارة " قرب بيت عنيا " ( 24 ، 50 ) واما في اعمال الرسل فحُدّد مكان الصعود " على جبل الزيتون " . ( 1 ، 3 ) . وفي القرن الرابع بنيت كنيسة في هذا الموقع عرفت ب " مبومُن " وهي لفظة مشتقة من اللغة اليونانية وتعني " في المذبح " أو " على المرتفع " : أي على قمة جبل الزيتون كما تشير اليها اللفظة العبرية (???). وتتفق هذه التسمية التي وردت في مذكرات ايجارية مع ما وصفت به المزار أنه (Locus) ، وهي لفظة لاتينية تعني مكان كما تتفق ايضا مع لفظة (Monticulus) ; أي التل الصغير كما جاء في مواصفات الحاج من بوردو عام 333 . ومن ايام الصليبيين حتى اليوم عًرف المكان بمزار الصعود. واما سكان الطور فيسمونه ايضا مزار الصعود. الموقع: حدد لوقا موقع الصعود في جبل الزيتون على مسيرة سبت من القدس- ما يقارب 2000 خطوة – اعمال الرسل ( 1 ، 3 ) . ويتحدد هذا الموقع حالياً غربي قرية الطور ( كلمة ارامية تعني الجبل) على ارتفاع 808 م من سطح البحر ، وتحده كنيسة أبانا من ناحية ومستشفى المقاصد من ناحية اخرى. عبر التاريخ : يروي لوقا أن السيد المسيح – بعد اربعين يوماً من قيامته – " خرج برسله الى القرب من بيت عنيا ورفع يديه فباركهم . وبينما هو يباركهم ، انفصل عنهم ورفع الى السماء " (24 ، 50 -52). وقبل عهد قسطنطين أخذ المسيحيون يحيون ذكرى الصعود في مغارة التعليم ( ايليونة ) حيث بنت هيلانه، والدة قسطنطين، فيما بعد، كنيسة لإحياء هذه الذكرى، كما جاء في كتابات اوسابيوس القيصري (Demonstraito Evang 18,6 ) وايرونيموس وبيضا وأوغسطينوس . وفي عام 378 شيّدت بومينا (Pomoenia)- سيدة تقية من عائلة امبراطور روما - كنيسة بيزنطية على شكل بناء مستدير بدون اسقف عرفت في مذكرات ايجارية عام 380 باسم "امبومن" (Imbomon). حيث وصفت مراسيم اسبوع الالام واحتفالات يوم الفصح ويوم العنصرة التي كانت تقام فيها (ايجاريا 1، 31؛ 4، 39). وفي عام 403 اشار الى هذا المزار بولان دي نول (Paulin de Nole) في رسالته . يروي انه سجد في المكان الذي وقفت عليه قدما يسوع الطاهرتان ( 4 ، 31 Lettre) ولمّح ايضاً سيلبيس (Sulpice Sévére) الى هذا المزار في كتابه " التاريخ المقدس " . وفي عام 431 بنت ميلانيا (Melania) الشابة – وهي راهبة متصوفة اسبانية من عائلة ارستقراطية – غنية – مقاماً سًمي "ابوسطوليون" (Apostolion) لقبر والدتها وأخيها . ثم اشادت ديرين : احدهما للراهبات وصل عددهن 80 راهبة ، وآخر للراهبات ليؤمنوا الصلاة ليل نهار في كنيستي الصعود وأبانا . وألحقتهما عام 439 بمصلى الاستشهاد (Martyrion) لحفظ ذخائر القديس اسطفانس وقديسين آخرين. وفي عام 450 يبدو انه حُرق الصليب الذي كان يعلو مزار الصعود . فاهتمت الإمبراطورة افدوكيا ، أرملة الامبراطور ثيودوسيوس الثاني ، بوضع صليب آخر في المزار يبلغ وزنه 2000 كغم. وفي عام 500 اشار المطران بطرس من آيباريه ، في كتابه سيرة حياته ، الى ان السيدة بومنيا هي التي بنت مزار "امبومن" . وفي عام 570 وصف حاج من بلاشنسا (Placentia) أن جبل الزيتون كان مكتظاً بالأديرة منها دير القديسة مريم ودير الآباتي ابراهميوس ودير الكاهن سابيونس والراهب انوشنتوس الذي كان من مقربي القصر في عهد الامبراطور قسطنطين . وكان يحفظ في ديره ذخائر القديس يوحنا المعمدان الواقع حالياً في دير راهبات الروس في الطور. فلا عجب أن نشاهد اليوم بقايا فسيفسائية من تلك الاديرة في كثير من البيوت العربية في المنطقة الواقعة على جبل الزيتون . إلا انه في عام 614 دمّر كسرى ملك الفرس، كل هذه الاديرة وقتل 1207 من المسيحيين ومن بينهم 400 راهبة من دير جبل الزيتون. وفي عام 616 قام الاباتي مودستس رئيس الجماعة المسيحية في القدس بترميم كنيسة "امبومن" كما يشير التقويم المقدسي من القرن السابع والثامنKalendarium Hierosolymitanum. وإبان الفتح العربي عام 638 حافظ العرب المسلمون على المزار واكتفوا بنزع الصليب الذي كان يعلوه . ونصب الخليفة عمر بن الخطاب خيمته بقرب المزار فأقام المسلمون هناك جامعاً يحمل اسمه لا تزال اثارة ظاهرة حتى اليوم. وفي عام 670 وصف اركلف (Arculf) ، أسقف غالية ( فرنسا ) كنيسة امبومن التي رممها مودستس مبيناً معالمها بالرسم الايضاحي التالي :"وهي عبارة عن بناء مستدير الشكل بلا سقف ليدل الجميع على طريق السماء ، تتوسطه الصخرة المباركة حيث ارتفع المخلص تاركاً اثر قديمه الطاهرتين محاطة بسياج معدني وفيه هيكل تعلوه مظلله تقيه من المطر . وتحيط هذا البناء ساحة فسيحة ، فيها ثلاثة صفوف من الاعمدة على شكل دوائر ذات مركز واحد تؤلف رواقين من الداخل، يبلغ قطر الدائرة الصغرة 25 م . وتعلو الاعمدة حنايا وقبب حول هذه الفسحة. وارضيتها مرصوفة بفصوص الرخام والفسيفساء. وللمزار ثلاثة ابواب من جهة الجنوب وثماني من الجهة الغربية تشرف على القدس معلق على كل منها مصباح يشع منها نور ساطع يبهر الحجاج" وبين اعوام 721-727 رأى السائح فيليبالد (Willibald) عمودين امام البناء الداخلي في كنيسة الصعود ذكرى للرجلين اللذين قالا " ايها الرجال الجليليون ......." وكانت تسود رواية شعبية تعتقد أن " كل من مرّ بين هذين العامودين تغفر خطاياه". وفي عام 870 كانت كنيسة "امبومن" لا تزال قائمة ، الا أن معالمها اختفت قبل وصول الصليبيين. اذ امر بهدمها السلطان الفاطمي الحاكم بامر الله ( منصور بن العزيز ) سنة 1009. وفوق انقاض كنيسة امبومن، بنى الصليبيون لدى احتلالهم القدس – كنيسة لها شكل مثمن وارضية رخامية، يصلها المرء عن طريق 24 درجة على ما روى الاباتي دانيال عام 1106 ويتوسط الكنيسة بناء مستدير بدون عقد يحوي مذبحاً تحته حجر يشير الى موقع صعود الرب. كما بنى الصليبيون بالقرب من هذه الكنيسة ديراً مجاورا للكنيسة لرهبان القديس اوغسطينس وقلاعاً لحماية المزار كما يشير الى ذلك السائح ثيودوريك (Theodoricus ) في كتابه دليل للارض المقدسة (Libellus de Locis Sanctis) . وفي عام 1187 هدم صلاح الدين الايوبي الكنيسة ولم يبق سوى اساساتها والمزار الصغير المثمن الشكل في وسط الساحة . وحوّل ممتلكات الكنيسة الى وقف اسلامي عام 1198. وفي عام 1200 حوّل المسلمون مزار الصعود الصليبي القائم في وسط الساحة الى جامع بإضافة قبة ومحراب اليه واغلاق المداخل بين الاقواس. وتتولى حالياً عائلة ابو غنام من الطور الاشراف على المزار والمحافظة عليه. الا أن الطوائف المسيحية المختلفة نالت منذ عام 1461 صلاحية الاحتفال بعيد الصعود في المزار بناء على شهادة الاسقف لويجي روكشوار Rochechouart). بيد أن المزار اخذ يتعرض للخراب والهدم منذ عام 1481 كما يروي السائح فليشه فابري ، وسلم من الخراب المزار الصليبي الذي تحول الى جامع . ويؤدي فيه المسيحيون والمسلمون الاكرام للسيد المسيح على حد سواء ، ويؤيد القرآن الكريم رواية الصعود بقوله " اذ قال الله ، اني متوفيك ورافعك اليّ " ( سورة آل عمران 54). المعالم الأثرية: جرت تنقيبات عديدة حول كنيسة الصعود . فقام بالحملة الاولى العلامة شيك (C.Schick) واكتشف بعض بقايا الكنيسة البيزنطية (امبومن) في الممتلكات الاسلامية . وتبعتها عام 1959 حفريات معهد الفرنسيسكاني تحت اشراف عالم الاثار الاب كوربو (P.Corbo) عام 1959 في الحملة الاولى؛ وعام 1964 في الحملة الثانية (1) فاسفرت التنقيبات التي تمت في ممتلكات الفرنسيسكان المجاورة لكنيسة الصعود من الجهة الجنوبية الشرقية عن نتائج تؤيد ما جاء به السياح عبر العصور وأهمها: - الاكتشاف أن موقع الصعود لم يكن مسكونا زمن السيد المسيح. - العثور على الجزء السفلي من الكنيسة البيزنطية المستديرة البناء مع بعض دعائمها بجانب سور كنيسة الصعود. ويبلغ جدار الكنيسة 1،50م . كما عثر على قنوات وبئر وقطع فسيفسائية وقبور. - العثور على جزء من الكنيسة الصليبية المثمنة الشكل وجزء من الجدار الخارجي للقلعة الصليبية التي كانت تستخدم كحماية للمزار. كما عثر على معلف للخيول وفرن صليبي. - العثور على كنيسة اسطفانس التي بنتها ميلانيا الشابة وهي عبارة عن قاعة كبيرة تبلغ مساحتها 300م لها عقدان يسندهما اعمدة ضخمة. اما في داخل مزار الصعود لا يزال ظاهرا للعيان المعالم الأثرية التالية: - بعض اساسات السور الخارجي ، ويبلغ سمكه في الجهة الشمالية 4 أمتار وبقايا اساسات ثلاثة اعمدة للكنيسة الصليبية داخل ساحة الكنيسة التي يبلغ قطرها 31م . وفي الساحة بئران واربعة هياكل يصلي عليها كل من الروم الأرثوذكس والسريان والأقباط والارمن. في حين يصلي اللاتين في داخل المزار نفسه لانهم شيدوا القبة عام 1934 لدى خرابها على اثر زلزال. - مزار صليبي صغير في وسط الساحة مزين باقواس ثمانية تستند على 14 عمود يعلو كل منه تيجان مزين عليها اشكال نباتية أو حيوانية . ويعلو المزار قبة اقامها المسلمون عام 1200 ولم ينصب على القبة صليب أو هلال بل عمود رخامي ليشير أن المزار هو مكان صلاة لجميع المؤمنين. وفي داخل المزار الصخرة الشريفة التي قبّلها القديس ايرونيموس واغناطيوس دي ليولا لوجود اثر قدمي المسيح الطاهرتين . فهنالك بارك المخلص تلاميذه لمرة الاخيرة وأمرهم أن يذهبوا ليعلموا الامم ويعمدوهم ووعدهم أن يكون معهم الى انقضاء الدهر (لوقا 24/ 50-53). يذهب الآباء الفرنسيسكان والطوائف الاخرى : الروم الأرثوذكس والارمن والأقباط والسريان كل سنة في عشية عيد الصعود الى هذا المقام الشريف فيقضون الليل هناك تحت الخيام ، ثم يجتمع الشعب في صباح العيد لحضور المراسيم الدينية وتلاوة التسابيح وصلاة المزامير. وخلاصة : لنهتف مع صاحب المزامير: " أيّها الرَّبُّ سَيِّدُنا ما أَعظَمَ اْسمَكَ في الأَرضِ كُلِّها!(2/8) ويجدر بنا أن نختم كلمتنا بما تأمله يوما القديس اوغسطينس حول مكان الصعود "هنا عاش المسيح ... هنا اثر قدميه الطاهرتين 4،35،1735 PL) ولنتذكر ما وعدنا به : " ها انا معكم طوال الايام الى انقضاء الدهر" . ولنؤدي له الاكرام ولنتذكر" يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء ". (اعمال 11:1). المجد والقدرة، لذاك الذي ترك السماء بصورة غير منظورة، لكنه صعد إليها بصورة منظورة، ذاك الذي هو قبل الدهر والآن وكل أوان إلى أبد الآبدين آمين.