موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يُعد عيد الصعود أحد أهم الأعياد في التقويم الليتورجي المسيحي، حيث نحتفل بالحدث المهيب الذي صعد فيه الرب يسوع المسيح بجسده الممجد إلى السماء، بعد أربعين يومًا من قيامته الظافرة من بين الأموات. هذا الحدث ليس مجرد نهاية لحضور المسيح الأرضي، بل هو تتويج لعمل الفداء العظيم الذي أتمه، ووعد بحضوره الروحي الدائم وقوة الروح القدس الموعود به.
بعد قيامته، ظهر يسوع لتلاميذه مرات عديدة، مؤكدًا لهم حقيقة انتصاره على الموت، ومعلمًا إياهم أمورًا تخص ملكوت الله (أعمال الرسل 1: 3). لقد كانت هذه الأربعون يومًا فترة حاسمة لتقوية إيمانهم وتهيئتهم للمهمة الكبرى التي تنتظرهم: نشر بشرى الخلاص إلى أقاصي الأرض.
في اليوم الأربعين، اجتمع يسوع مع تلاميذه للمرة الأخيرة على جبل الزيتون. وهناك، وعدهم بالروح القدس الذي سيرسل إليهم ليقويهم ويؤيدهم في خدمتهم (أعمال الرسل 1: 4-5). ثم، بينما كانوا ينظرون، ارتفع يسوع إلى السماء، واختفى عن أعينهم سحابة حملته (أعمال الرسل 1: 9).
لم يتركهم المسيح يائسين أو وحيدين. فبينما كانوا يحدقون في السماء بذهول، ظهر لهم ملاكان وأعلنا لهم الوعد العظيم: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، لِمَاذَا وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ" (أعمال الرسل 1: 11).
يحمل عيد الصعود معاني لاهوتية عميقة وأهمية كبيرة لحياة المؤمنين:
• تتويج عمل الفداء: بصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب، تمجد المسيح بعد إتمامه لعمل الفداء الكامل على الصليب. لقد قبل الآب ذبيحته الكفارية، وبصعوده، دخل المسيح إلى مجده الأبدي كرب وسيد على كل الخليقة.
• وعد بالحضور الروحي: لم يعد حضور المسيح مقتصرًا على مكان أو زمان محدد. بصعوده، فتح الطريق للروح القدس ليسكن في قلوب المؤمنين، ليصبح المسيح حاضرًا فيهم وبينهم في كل مكان وزمان (يوحنا 14: 16-18).
• شفاعة دائمة: يصعد المسيح ليشفع لنا أمام الآب بصفته رئيس كهنتنا الأعظم (عبرانيين 7: 25). إنه يمثلنا أمام الله، ويقدم صلواتنا، ويضمن لنا الغفران والنعمة.
• رجاء المجيء الثاني: يحمل عيد الصعود وعدًا أكيدًا بعودة المسيح في مجده ليأخذ كنيسته إليه (يوحنا 14: 3، 1 تسالونيكي 4: 16-17). هذا الرجاء يملأ قلوب المؤمنين بالترقب والفرح والثبات في الإيمان.
• دعوة للشهادة: قبل صعوده، أوصى المسيح تلاميذه بأن يكونوا شهودًا له في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال الرسل 1: 8). عيد الصعود يذكرنا بمسؤوليتنا في نشر بشارة الإنجيل إلى العالم أجمع، معتمدين على قوة الروح القدس الذي وعدنا به.
في عيد الصعود، لا نحتفل فقط بحدث تاريخي مضى، بل نستمد منه قوة ورجاء لحاضرنا ومستقبلنا. إنه تذكير بأن المسيح المنتصر على الموت هو ملكنا وربنا، وأنه حاضر معنا بروحه القدوس، ويشفع لنا لدى الآب، ويعدنا بمجيئه الثاني المجيد. إنه دعوة لنا لنرفع أعيننا إلى السماء، حيث مكاننا الحقيقي مع المسيح، وأن نعيش على الأرض كشهود أمناء لملكوته الآتي.
فلنجعل من عيد الصعود فرصة لتجديد إيماننا وثقتنا في المسيح الصاعد والممجد، وللانطلاق بشجاعة في مهمة الشهادة له، منتظرين بفرح ولهفة عودته الظافرة.