موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٠ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥

عكس الطبيعة البشرية

بقلم :
وائل سليمان - الأردن
وائل سليمان، مدير عام كاريتاس الأردن

وائل سليمان، مدير عام كاريتاس الأردن

 

الإنسان

 

الإنسان أغرب مخلوقات الأرض.. يعرف ولا يعرف ماذا يريد.. أحيانًا في قمة السعادة وبعدها في لحظات في قمة التعاسة! صامت أحيانًا وثرثارًا أحيانًا أخرى! فاشل في زمن ما من حياته وفي وقت آخر ناجح جدًا! يبني السلام ويعلن المصالحة وبعدها يحارب ويهدم ما تم بناؤه!

 

 

مرحلة الطفولة والتلقين

 

منذ مرحلة الطفولة يعمل الجميع على تعليم الطفل مبادئ وقيم وأسلوب حياة يعاكس طبيعته البشرية.. أحبب الجميع.. لا تكره.. لا تضرب.. لا تتكلم بالسوء على أحد.. شارك الآخرين بما تملك.. ساعد من هم بحاجة الى المساعدة.. في المدرسة إلعب مع جميع الطلاب.. تقاسم طعامك والمسطرة والقلم مع من ليس معه.. جاوب بإحترام.. استخدم تعابير الأدب مثل حاضر.. شكرا.. لو سمحت.. لكن؟ المشكلة الكبرى أنه كل ما يُطلب منا منذ طفولتنا ويتكرّر الطلب وبطرق مختلفة وبشكل دائم؛ هو عكس ويعاكس طبيعتنا البشرية!

 

 

الحقيقة

 

نحن نفقد تلك الحواس.. لا نملكها.. علم الأخلاق وفن التواصل ومهارات الاتصال وطرق التعامل وعلم الإنسان.. موجود في الكتب وعند المتصوفيين والقديسين ورجال ونساء عاشوا في البحث عن الحقيقة. نحاول جاهدين أن نُلقن أطفالنا ونعلمهم أدبيات وأخلاقيات طبيعتنا البشرية ترفضها! لا تواصل بينها وبين مكوننا البشري! نحن من عجينة "جينات" فاقدة لما هو فائق للطبيعة.. نحن بشر ولسنا آلهة!

 

 

من نحن؟

 

طبيعتنا البشرية جيناتها.. العنجهية.. الكبرياء.. العنف والعنفوان.. الحقد.. النميمة.. السيطرة والسلطة.. إرهاب الآخرين.. القتل.. التعنيف.. التمرد.. التفرّد بالرأي.. الإساءة للآخر.. التملك.. العدوانية.. الغرور.. الجنون.. الحسد.. الكذب.. المكر والخبث.. وطبعًا هنالك المزيد من الصفات التي تملكها تلك الجينات.. جينات الإنسان.

 

كيف نطلب من ذلك الانسان بأن يكون ويعيش عكس ما وجد وزرع في جيناته؟ كيف يستطيع ذلك الانسان أن يعاكس طبيعته البشرية ويعيش طبيعة إلهيّة لا يملكها وليست جزء من تركيبته الجينية؟

 

 

تمارين للنجاة

 

ليصبح الشخص لاعب كرة قدم محترفًا عليه أن يتدّرب ساعات طويلة خلال اليوم وضمن برنامج قاسٍ ومهني وعلى يد مدربين محترفين.. وحتى يصبح ذلك المتسلق قادرًا على تسلق أعلى القمم، يقوم بتدريبات ذات اسلوب علمي وعملي شاق جدًا.. ليصبح الشخص طبيبًا أو مهندسًا يتطلب منه الدراسة لساعات طويلة ولسنوات طويلة وقاسية في كثير من الأحيان.. وحتى يصبح الإنسان إنسانًا حاملاً لصفات تعاكس طبيعته البشرية ماذا عليه أن يفعل؟

 

 

أسئلة بلا إجابات

 

هنالك أسئلة بحاجة إلى إجابات حتى يتمكن ذلك الانسان من حل اللغز ومعاكسة حالته الإنسانية إلى تلك الإلهية.... من خلقنا؟ لماذا خلقنا؟ وما هو دورنا الحقيقي في هذه الحياة؟ من نحن؟ لماذا أنت ولماذا أنا؟ هل أتيت لأبقى او أتيت لأرحل؟ وما قيمتي من ذلك الوجود؟.

 

عندما تكتشف أننا من صنع الله الذي خلقنا لنعيش خبرة روحية إلهية على الأرض التي بدوره خلقها كهبة مجانية لنا جميعنا.. حينها ندرك أننا بحاجة لنكون العدم.. الفراغ.. الشيء حتى يتغلغل الله فينا وبداخلنا وبيننا ليحول جيناتنا الإنسانية البسيطة والمتواضعة والفقيرة والضعيفة إلى خليط من جينات إنسانية- إلهية.

 

 

خبرة جديدة

 

خبرة كتلك ستحوّل الأرض إلى جنة والعلاقات البشرية إلى شمس ساطعة، والليل سيتحوّل إلى نهار بضوء القمر وحينها ستعيش الانسانية خبرة سماوية تتداخل بها كائنات الأرض الحية "الانسان - الحيوان- النبات".. لا فقير ولا محتاج ولا حرب ولا دمار ولا كراهية ولا عنف ولا موت ولا حرمان.

 

كل ما هو من الله هو محبة وفقط محبة.. لكن كل ما هو من الله ويعيش فكر وروح الله.. وحتى تعيش الإنسانيّة ويعيش الإنسان تلك الخبرة الالهية بحاجة الى ذلك التمرين.. إن نبدأ منذ لحظات الصباح بأفعال المحبة والرحمة مع كل شخص نلتقي معه خلال النهار.. وعند الفشل المحاولة مجدّدًا.. وعند الاحباط المحاولة مجدّدًا.. وعند الشعور بالوحدة واليأس أيضًا المحاولة مجدّدًا.. تمرين فن المحبة.. أحبب الجميع.. أحبب العدو والغريب.. بادر بالمحبة...

 

 

الله محبة

 

الله محبّة، وحتى يعاود التغلغل في جيناتنا يجب أن نتركه يعيش من خلالنا.. التمرين الأصعب والأقسى لكن لن تتغير الإنسانيّة ولن يتغيّر الإنسان إلا بدخول الله إلى تلك الجينات وتحويل ذلك المكون الى خليط إنساني - إلهي.

 

الوعظ والإرشاد والتعاليم الإنسانية لا تغيّر الواقع.. اذ حيث لا توجد المحبة.. ضع أنت المحبة.. فتجد المحبة.

 

المحبة مقاومة للكراهية.. المحبة علاج للحروب.. المحبة لمحي أخطاء الماضي الأسود.. المحبة تحوّل صاحب السلطة إلى خادم.. المحبة تجعل من الغني فقير.. المحبة تجعل من صاحب الرتبة فاعل للخير.. المحبة تغيّر طريقة تصرفاتنا وردات أفعالنا وحتى ملامح وجهنا....

 

المحبة هي العلاج الوحيد لأمراضنا.. وهي بذار إلهية تزرع من جديد في جيناتنا حتى نُحضر للمستقبل إنسان جديد وإنسانية جديدة.. كون جديد وعالم جديد.. حيث ينتصر الخير دائمًا على الشر.. ويعمّ السلام دائمًا مكان الحرب.. وحيث يصبح الانسان إنسانًا لكن بروح الله المحبة.