موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢

عقل يواجه الأزمات

بقلم :
الأخت فاتن حبايبة
إنّ الذين ينقادون لروح الله يكونون أبناء الله حقًّا

إنّ الذين ينقادون لروح الله يكونون أبناء الله حقًّا

 

مِن مُنطلَق دعوة قداسة البابا فرنسيس لمواجهة الأزَمات العديدة التي تُصيب البشريّة بالعمل والسير معًا يدًا بيَد وبدون أن نترُك أحدًا في الخلف، لا بُدَّ مِن تنشئة عقل يواجه الأزَمات بدءًا مِن الأزَمات الشخصيّة، فعالمُنا اليوم تكثُر فيهِ الأزَمات. وجميعُنا قد نعبُر من أزَمةٍ إلى أزَمةٍ أُخرى.

 

الأزَمة هي حالة ووقت عبور محفور بالصعوبات والتحديات والفشل والآلام، مما يدفع الإنسان إلى طرح أسئلة وجوديّة، كما وتوصَف الأزَمة بأنّها حالة من الوعي المُتألِّم أمام عدم التجانُس بين الأنا المثاليّة والأنا الواقعيّة. وعدم التجانُس وعدم التوافق هذا يستدعي وبشكلٍ حاسِم ويتطلَّب من الإنسان القُدرة على اتخاذ القرارات والإختيارات المُناسِبة.

 

إنّها تعريف جديد للأنا، تلك الأنا التي تنمو والأزَمة حالة مُلازِمة للنمو. لماذا؟ لأنّ الأزَمة ليست كالمُشكِلة خارجيّة، وإنّما كيانيّة؛ تطال الإنسان بكاملهِ. ولمواجهة الأزَمات من المُهِم أن نُدرِك بأنّ الأزَمات على اختلاف أنواعِها وأشكالِها تتجلّى في حياتِنا لأنّها غَدَت ضروريّة لتحمِل لصاحِبها رسالة هامّة لنموّه وتطوّره الشخصي. وهذه عدد من الخطوات الفكريّة الإيمانيّة لتنشئة عقل يواجه الأزَمات.

 

1. تحجيم الأزَمة: حالة الأزَمة تُسبِّب شُعورًا بالضُعف والجُمود أمام شدَّتِها، لذلك من المُهِم وضع إطار يحصُر حجم الأزَمة بدل تعظيمِها، سواء مِن قِبَل الشخص نفسُه أو من قِبَل المُحيطين بهِ.

 

2. ضرورة الأزَمة: ما تمّ بناؤه بسنوات قد هُدِم بلحظات؛ إحدى مُسَبِّبات حالة الأزَمة، وما تُضيفُهُ الأزَمة من مشاعر مُحبِطَة وخاصّة في صعيد الحياة الزوجيّة والمهنيّة، وما يُساعِد النفس على الوقوف أمام كُل هذا هو الإدراك بأنّ مرحلة الهدم ضروريّة ومؤقتَّة مِن أجل بناء جديد. وبيدك قُدرة اختيار البناء الجديد بتفاصيله لكن ليس وأنت في حالة الإضطراب.

 

3. تجلّي الأزَمة: أعطي الوقت الكافي لنفسك وذلك بالسماح لكُل الأفكار والأحاسيس بأن تتجلّى خارج نفسك مع الوعي بعدم اتخاذ أي قرار أو السماح للآخرين بوضع اقتراحاتِهم لكَ قيد التنفيذ. فأنتَ وفي قلب الأزَمة لستَ مُضطرّاَ حتى إلى مُعالجة العواطف وإنّما اسمح لطاقة تلك العواطف بالخروج دون أحكام أو قرارات إلى أن تصِل إلى حالة سكون النفس. ففي الواقع يتم التعامل مع الأحداث في حدِّ ذاتِها بطريقة تلقائيّة ما أن يتِم تنحية المشاعر جانبًا.

 

4. رسالة الأزَمة: (الإيمان يولَد في قلب الأزَمة) ففي قلب الأزَمة يُدرِك الإنسان محدوديتَهُ وعجزهِ ويقول أنا أستسلِم، لا أقدِر على مواجهة هذا. ويطلُب العون من الله بوعي أو بدون وعي. والتغيير الذي يطرأ يكون بحلول الطُمأنينة بدل اليأس.

 

5. ثمار الأزَمة: سينكشِف للإنسان توجُّهاَ جديداً نحو خيرٍ أكمَل وأشمَل. إنّها ثمار الأزَمة ولا بُدّ من اتخاذ قرارت منطقيّة إيمانيّة تدعَم هذا التوجُّه الجديد. يقول يسوع المسيح: "تعالوا إليّ جميعًا أيّها المُرهَقون والثقيلو الأحمال وأنا أُريحُكُم" (متى ١١: ٢٨).

 

"إنّ الذين ينقادون لروح الله يكونون أبناء الله حقًّا" (روما ٨: ١٤) آمين.