موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢

سيأتي زمان لن يبقى حجرُ على حجر ممّا ترون

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
سيأتي زمان لن يبقى حجرُ على حجر ممّا ترون

سيأتي زمان لن يبقى حجرُ على حجر ممّا ترون

 

الأحد الثالث والثلاثون (الإنجيل لو 21: 5-19)

 

قال المثل العامّي: ما دائِم إلا الله. أنَّ هذا العالم مكتوب عليه الزّوال، فهذا أمرٌ لا شكَّ فيه ولا جدال. إذ كلُّ شيءٍ له بداية، له أيضاً نهاية. لكن الشيء الأكيد أيضا، هو أنَّ هذه النهاية لا تاريخ لها، حتّى الملائكة لا تعرف متى سيكون هذا، فكم نحن البشر الّذين عِلْمُنا في المستقبل محدود. الله وحده يعرف ذلك. إنجيل اليوم، ولو أنّه يبدو، أنّه ينشر الخوف، فهو ليس كذلك، بل هو يريد فقط أن يجعلنا نُفكِّر في إنجاح مستقبلنا، الّذي فشلنا في إنجاحه في القرن العشرين الماضي. ذاك القرن الّذي صمّمه وعاشه اجدادنا. وبنظرة إلى الخلف، نجده من أسوأ القرون، بحروبه الكثيرة وضحاياه ومناوشاته وتعدّيه على حقوق البشر وتجويعهم، واستغلال خيرات الدّول البسيطة، وانتاج أسلحة فتاكة، بالحجة الكاذبة، هي كلّها للدفاع عن الحقوق البشرية والوصول إلى السلام. لكن إحلال السلام هو ليس نتيجة السلاح والحروب. هذا ولنا أحسن برهان وإثبات، الحرب الدائرة حاليا بين روسيا وأكرانيا، فكم من السلاح صار مُستهلكاً فيها، فلأين هو هذا السلام المزعوم؟ هذا كذب بكذب. السلام هو حصيلة وسائل سلمية: مثل التسامح، العدالة، مدّ اليد إلى العدو والصلاة من أجله. ولأننا لا نرى واحدة من هذه الوسائل مستعملة اليوم، فلا نرى أيّ سلام في أيّة بقعة من الأرض.

 

الشيوعية بإنكارها لوجود الله وأهمّية الدين للحياة، أدت إلى العلمنة ونتائجها السلبية في عالمنا. فها أعضاء البرلمان مثلا، ما عادوا عند تسلٍّم مهامّهم السياسية وتسلّمهم الوظيفة، يستعملون العبارة في نهاية حلف اليمين: فليساعدني الله. بل وكثير من الوزراء الذين يديرون شؤون الكنيسة أيضا لا ينتمون إلى أيِّ دين كفي عصر الأوثان، إذ نادرا ما تولّى فيه الحكمَ رجلٌ يدافع عن الدين. حكومة بلا دين، تُنتج أرتب وأنظم فرق الرشوات. رجل مسلم واحد في ألمانيا حصل على حق إبعاد الصليب من الصف الذي يدرس فيه ابنه... وماذا خلّفت الحربان العالميتان والثورة الشيوعية في ذلك القرن؟ استعباد الدّول الصغيرة واستغلال مواردها الطبيعية دون مقابل....الخ. عالمنا مهدَّد بالفناء حاله بحاله، وذلك بسبب تصرّف حكامه الاستبداديين، فما كان فيهم واحد يعتبر نفسه خادما بل قائداً يُخدَم ولا يَخدُم. بسوع أرسل تلاميذه إلى العالم، كي يبثّوا فيه ثقافة جديدة وحضارة جديدة، بل نظاماً جديداً. وأمّا اليوم فيظهر سياسيّون يَحُطُّون من سلطة الأهل في تربية أبنائهم وهم أنفسهم لا أولاد لهم، بالدّفاع الزائد عن حقوق الأولاد. فإلى أين ذاهبٌ عالمنا اليوم؟ أقول وبالرغم من ذلك فتبقى نهايته غير معروفة.

 

 لو تنبّأ أحدهم اليوم: إن كنيسة مار بطرس، أكبر كنيسة في العالم، أو كنيسة مار اسطفانوس في فيينّا أو البيت الأبيض في أمريكا ستتهدّم ولن يبقى فيها حجرٌ على حجر، لكنّا نستهزئ به. لكن كل خرابٍ أصبح مُمكٍناً بعد ضربة البرجين التوأمين في نيويورك يوم 2001.09.11، هذا وما عاد شيْ في أمان. فقد أرتنا هجمات داعش العشوائية في السنين الآخيرة، التي لا تُميِّز بين جامع أو كنيسة، أثريّة أم حديثة، أنّ كلّ موقعٍ، مهما كان، وأينما كان، ممكنٌ تدميرُه: من كلِّ ما تشاهدون لن يبقى حجر على حجر. لمّا قال يسوع هذا الكلام عن هيكل أورشليم وكان أجمل هيكل في زمانه، فقد عرّض نفسه للاستهزاء، إذ خراب الهيكل لكل يهودي كان يعني انتهاء العهد، الّذي عقده ربّهم يهوى مع الشعب.

 

لمّا كتب لوقا هذا النّص، كان ذلك حوالى السنة 80 بعد المسيح، والهيكل كان قد دُمِّر عن بَكرة أبيه سنة 70 بعد المسيح، وكان قد أصبح خرابة، حتّى إنَّ أحد الأَئِمّة اليهود، قد تسلّل ودخل ساحة الهيكل، فشاهد الثّعالب تحفر بأناملها بين الخرابات وتفتّش عن عظام الخرفان التي كانت تُذبح هناك في عيد الخروج لتقتات.

 

المؤمنون، كاليهود أيضا، فهموا أنَّه بخراب الهيكل، قد تحقّقت نبوءة يسوع، فراحوا يفتكرون بأن نهاية العالم قريبة، فراحوا يُذيعون بأنَّ يسوع سيعود عاجلا. والسّؤال هو فقط متى؟ هذا وقد كثُرت العلامات السابقة لنهاية العالم، مثل الاضطرابات واضطهادات المؤمنين، هذا وكثيرا ما رأى النّاس في الكوارث الطبيعية كالطوفانات والبراكين والحروب، شعب سيقوم على شعب، وأُمّةٌ على أُمّة من العلامات التي تُنبئ بنهاية العالم. فسؤال التلاميذ هو واقعي: يا سيّد! متى سيحدث ذلك؟ قالوا: لكلِّ سؤالٍ جواب، وأمّا يسوع فلا يُعطي جوابا هذه المرّة، كما ولا التّوراة تذكر أن يسوع أعطاهم جواباّ. والجواب الّذي يذكره لوقا هو ليس جوابا حسابيّاً لليوم الآخير، كما يفعل أنبياء شهود يهوى الكذبة (سيأتي بعدي أنبياء كذبة، قال يسوع، فلا تتبعوهم)، وبهذا يزرعون الرّعب والخوف في قلوب البشر السذّج. أما قال يسوع في موضع آخر: إنّكم لا تعلمون لا اليوم ولا الساعة. المهم إنذارُه وتحذيرُه: اصحوا واسهروا، أي كونوا مستعدّين لملاقاة الرب في تلك الساعة. هذه الإنذارات والتحذيرات هي لكل جيل وزمان ومكان، وأعني به لنا نحن أيضاً، كي لا نحتاج تخويف شهود يهوى الكاذب والغير مؤَسّس بل والمُغرِض، وهو الاستيلاء بالدرجة الأولى على أملاك مَنْ يُصدِّقهم! أما ما نفهمه من كلام يسوع، فيمكن فهمه كالتّالي: حتى الحروب والمناوشات الشديدة والزّلازل وانفجار البراكين المنصوصُ عليها، والدّمارات، كما في سبتمبر 2001 والنّكبات المتتالية، والأمراض على أنواعها وعلى أشكالها، كالطاعون والإيدز والكورونا والمجاعات التي يشهدها وقتنا، ومنها القريبة منّا وتُخيفُنا، وقد تكاد تكون من علامات نهاية العالم، لا يجب أن تُحْبِط عزائمَكم، إذ النهاية لا تزال بعيدة وأوّلا مجهولة، وأهمُّ من كلِّ شيء، هو ما ينصحنا به يسوع، أعني كيف نتصرّف في تلك المواقف العصيبة، الّتي تمرُّ علينا. ثلاث كلمات: أوّلاً لا تتضلّلوا. ثانياً لا تنخدعوا. وثالثاً أُصمُدوا وثقوا بكلام يسوع: السّماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول. فمن يتمسّك بتحذيرات يسوع هذه ويضع ثقته فيه، لا يحتاج أن يخاف ممّا يحدث حواليه، حتى ولو نزلت طوفانات مخيفة، واهتزّت الحبال وتشقّقت، ولو انشقَّ حجاب الهيكل إلى إثنين، فهذا لا يعني أن نهاية العالم قريبة، إذ العالم هو في يد الله وحمايته. الله وحده يعرف الأوقات والأزمنة، وما هو مطلوب هو فقط أنْ نستعمل وقتنا للأفضل، فنحصل على الخلاص. ثقوا فإنّي قد غلبت العالم.