موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٨ مارس / آذار ٢٠٢٣

سأفشي سرّا

د. حسان ابوعرقوب

د. حسان ابوعرقوب

د. حسان ابوعرقوب :

 

دخلت في تحديات كثيرة مع زوجتي وبعض أصدقائي أنّ مقالي القادم الذي كتبته لصحيفة الدستور الموقرة سيمنع من النشر، لكن تأبى الصحيفة إلا أن تجعلني أخسر التحدي في كلّ مرة وتقوم بالنشر، وليس هذا فقط، بل يتم اختيار المقال لتركيز الضوء عليه في الإذاعة تارة والتلفزيون تارة أخرى، وهو ما جعلني أسأل نفسي مرارا: ألسنا نحن من يضع السقف المنخفض لأنفسنا ونمضي أعمارنا تحته، متوهمين أنه السقف الذي ينبغي ألا نتجاوزه بحال؟

 

يمضي البعض عمره يتذمّر من انخفاض سقف الحرية، وأنه يعيش في ظل «الدولة البوليسية» أو في زمان «قمع الإعلام» مع أنّ المشكلة الحقيقية أنه لم يحاول قط أن يرفع رأسه ليكتشف أنّ سقف الحرية مرتفع أكثر مما كان يتوهمه، وهذا لا يعني أن سقف الحرية بلا حدود، فهذا عبث لا يقبله أحد، بل هناك حدود لكل شيء، ويجب احترام هذه الحدود، حيث يمنع تجاوزها.

 

الإعلام الحرّ الذي يتّخذ من الحقيقة أساسا له، يشكل مصداقية عند الشعب والحكومة في نفس الوقت، وربما كان مزعجا للحكومة في بعض الأحيان، إلا أنّ هذا الإزعاج أشبه ما يكون بمرارة الدواء التي يتضايق منها المريض، ولكن في النهاية سيكتب له الشفاء بعد أخذه بمشيئة الله.

 

الإعلام الحرّ هو رافعة الإصلاح، ولا يمكن أن نتحدّث عن إصلاح بإعلام مكبل أو مقيّد، ولكن المشكلة قد تكون في أقلام مرتجفة تخاف من ظلها، أو أقلام طامحة أو طامعة لذلك تتخذ من المجاملة السمجة شعارا ودثارا، وما بين هذين الصنفين نجد القلم الحرّ الذي لا يريد إلا مصلحة الوطن والمواطن، يعيش همّ البلد والأمة.

 

ينبغي أن نفرّق بين القلم الحرّ والجريء وبين القلم الذي يتخطى حدود الصراحة إلى الوقاحة، بل قد يسبح في بحر القذارة وقلة الأدب، الانتقادُ مسموح، وقلة الأدب مرفوضة، البحثُ عن الحقيقة مطلوب، واغتيال الشخصيات أو ابتزازها ممنوع، مصلحةُ الوطن مهمة ولها الوزن الأكبر في عملية الكشف عن الحقائق، والتهورُ في التعامل مع بعض القضايا قد يكون ضرره أكبر من نفعه، ويعودُ سلبا على الجميع، فالحكمة مطلوبة، وهي ضالة المؤمن.

 

وأخيرا، الحريةُ المسؤولة ليست منّة من أحد على أحد، فالإنسان خلق حرا، وينبغي أن يعيش حرا، ولا يرضى لنفسه إلا أن يموت حرا، لذلك هو صاحب القرار بأن يكونَ من الأحرار، أو يكونَ من الذين يمكن شراؤهم بثمن بخس دراهم معدودة، يبيع بها قلمه وحريته، ليظلّ في صفّ العبيد، وتعِس عبدُ الدرهم، تعِس عبدُ الدينار.

 

(الدستور الأردنية)