موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٥ يوليو / تموز ٢٠٢١

دير الرؤية لمار بولس الرسول

بقلم :
ماجد ابراهيم بطرس ككي - أميركا
دير الرؤية لمار بولس الرسول

دير الرؤية لمار بولس الرسول

 

لمناسبة الاحتفال بعيد مار بطرس وبولس الذي يصادف هذه الايام.

 

على تلّة تدعى بتلّة كوكب وفي منطقة داريّا على مشارف مدينة دمشق الى الجنوب الغربي منها، في هذه المنطقة تغيّر كل شيء بالنسبة لشخص كان يدعى شاول. هذا الذي ولد حوالي في السنة الثامنة بعد الميلاد في طرسوس بتركيا اليوم، منحدرًا من عائلة يهوديّة من سبط بنيامين، فريّسيّة محافظة غيورة على شريعة الربّ، ودعي باسم عبري (شاول) الذي معناه (مكّرس لله) انتمى مثل والده ومعلمه جملائيل إلى حزب الفريّسيّين، وراح يتثقّف تثقيفًا دقيقًا، متعصبًا للّه ولشريعته، سائرًا بكلّ وصايا الربّ وفرائضه سيرة مثاليّة، ومن غيرته الفريّسيّة المفرطة على شريعة موسى. اضطهد المسيحيّين وبعنف، بحيث ذاع صيته في أورشليم واليهوديّة كلها. وبدل أن تكون الشريعة دليل له يقوده الى المسيح، راح يضطهد المسيحيّين باسم الشريعة وتحت لوائها.

 

ورد أول ذكر لإسمه في العهد الجديد لدى رجم القديس اسطفانوس بكر شهداء المسيحيّية (خلع الشهود ثيابهم لدى شاب اسمه شاول) حبس بولس بيده في السجون الكثير من المسيحيّين، وكان موافقًا لمّا أقترع على قتلهم، وكثيرًا ما عذّبهم منتقلاً من مجمع الى آخر ليحملهم على التجديف، وبلغ منه سخطه وكرهه لهم كثيرًا حتى أخذ يطاردهم أينما ذكروا فيه.

 

وهكذا ترأس فرقة واتجه من أورشليم وبتفويض وتوكيل من عظماء الكهنة، واتجه بها الى دمشق حيث كان يزداد عدد المؤمنين بالمسيح الربّ فيها لكي يقوم هناك بمطاردتهم وثنيّهم عن هذا الدين وسوقهم موثقين ومقيديّين بالاصفاد والسلاسل الى أورشليم. كان ذلك في سنة 36 حيث ظهر له المسيح له المجد وغمره بنعمة قلبت حياته رأسًا على عقب وأصبح على اثرها الى أعظم مبشر بالمسيح لا في اليهودية فقط ولكن في كل ارجاء الارض، ولذلك كانت رحلاته المشهورة والعديدة مبشرًا فيها بالمسيح وهو صاحب القول المشهور: "الويل لي ان لم أبشِّر" (فرأى على الطريق الى دمشق، عند الظهر نورًا من السماء يفوق الشمس بأشعاعه قد سطع حوله. فسقط على الارض، وسمع صوتاً يقول له: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا رب؟ قال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، يصعب عليك أن ترفس المهماز. فانهض وقم على قدميك. وادخل المدينة، فيقال لك ما يجب عليك أن تفعل. وأمّا رفقاؤه فوقفوا مبهوتين يسمعون الصوت ولا يرون أحدًا. فنهض بولس عن الارض وهو لا يبصر شيئًا، مع أنّ عينيه كانتا منفتحتين، فاقتادوه بيده و دخلوا به دمشق. فلبث ثلاثة أيّام مكفوف البصر لا يأكل ولا يشرب).

 

نعود للمكان الذي حدثت فيه هذه الحادثة حسب ما عرفنا وما قاله لنا اناس من المنطقة التقينا بهم هناك بأنه قد تكون سمّيت بـ(تلّة كوكب) إشارة إلى النور الساطع الذي ظهر للقديس بولس، وكذلك سميّت المنطقة بـ(داريّا) أي دار الرؤية، إشارة إلى رؤيّة القديس بولس للمسيح له المجد هنا. لقد حفظ المكان في ذاكرة الموروث الشعبي فشادوا هنا ديرًا على اسم القديس بولس، لم يبقى منه سوى رسوم دارسة ومندثرة وبعض الحجارة المنحوتة وتيجان أعمدة كورنثية وخرزة بئر لجمع المياه مع قساطل فخارية.

 

وجود الدير في هذا المكان، كوكب، أثبتته شهادات من القرون الوسطى، من زمن الصليبيّين، مثل جاك فيتري في كتاب (تاريخ القدس)، وتيفينو في كتاب (رحلة الى بلاد الشرق) الجزء الثاني،وبوكوك في (وصف الشرق)، وبورتر في كتابه المشهور (خمس سنوات بدمشق)، وكيدان في (وصف فلسطين والجليل) الجزء الثاني، وجالابر الذي يذكر أن أكثر الأدلاء يؤكدون أن كوكب هي مكان رؤية القديس بولس. وكذلك جاء ذكره في الجزء السادس للكتاي (خطط الشام) للعلاّمة محمد كرد علي، وجاء ذكره كذلك في الجزء الثاني من كتاب (الريف السوري) للمدقق السوري وصفي زكريا في حديثه عن (خربة كوكب).

 

أمّا اليوم فقد تم بناء كنيسة الدير وفق طراز معماري مميّز، حلزوني الشكل، مهيبة جميلة تحاكي عملية الرؤيا، صغيرة مزينة بالداخل بمجموعة رائعة من الايقونات الرائعة التي تمثل أحداثاً وشخصيات من الرسل والقديسيّين. وهي ما تزال شاهدة على قدسيّة المكان وهيبته.

 

بالاضافة الى الكنيسة هناك مجموعة من الابنية لادارة وخدمة الموقع وساحات ممهدة وحدائق جميلة بالاضافة الى مسرح جميل ورائع مفتوح. وتمثال رائع من البرونز يمثل القديس بولس ينتصب في مكان بارز قام بتصميمه وتنفيذه نحات روسي.

 

كلّ هذا مسيج بسياج، وتدخل الى الموقع من خلال بوابّة جميلة وأنيقة.

 

بلفتة كريمة من المثلث الرحمات البطريرك أغناطيوس هزيم بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثودكس، واهتمامًا منه بهذا المكان المقدّس وبأهمية أحياء هذا الدير من جديد شكّل وكلف لجنة لتدبير أعمال الدير وتطويره. وبمشيئة اللّه ومساعدة المؤمنين الروحية والمعنوية والمادية، وتستمر هذه اللجنة بأعمالها من أجل بث الروح في هذا المكان المقدّس، واحياء هذا الدير الذي يحتضن العديد من النشاطات الروحية والدينية والترفيهية.