موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الثورة التكنولوجية غير المسبوقة والتي يشهدها العالم هي سيف ذو حدين. فقد أصبحنا مجتمعات ذكية بسبب المعلومات الهائلة المتوفرة للجميع وما تقدمه من تسهيلات في المعاملات والأمور الحياتية وسرعة الخدمات. أما طلائع هذا العصر والذين يقودون مسيرة التطور عالمياً هم الأذكياء في إستعمال هذه التكنولوجيا التي هي في تطور سريع. وهم أنفسهم القادرين على إستغلال هذا التطور لصالحهم أو لصالح جهات معينة فالقوانين التي تحكم حركتهم وتردع من يخترق الخصوصية وجميع الجرائم الإلكترونية هي في بداياتها وتتطور كردة فعل للجرائم والإختراقات التي تحدث، لأنها ولغاية الآن لم تستطع أن تواكب سرعة تطور المخترقين (الهاكرز) والبرامج التي تخترق الحسابات وتسرق المعلومات وتسرق حياة بأكملها. وهذا خطر كبير. تأملت في فكرة إبتكار مواقع التواصل الإجتماعي وكيف أنها مقسمة وذات مهمة مختلفة في كل ربع من القارة الأرضيّة. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كان هدفها ولا يزال إحلال إنقسامات دولية ومحلية وخلق فوضى وشرذمة شعوب. فهي منصات ليس "للتنفيس" عن المشاعر، بل "لتنفس" السموم الذي يبثها البعض ويمتصها الغالبية والعمل على زعزعة الإستقرار المحلي وإحداث توتر وإدخال المرارة إلى النفس وإحداث الفوضى. وفي أوروبا نجد أن إستعمال المنصات نفسها قليل جداً بين الكبار، وللتسلية غالباً عند الصغار. وقد ذهبت مؤخراً إلى أحد المقاهي في أوروبا وطلبت من النادلة "الواي فاي". كان هدفي التواصل مع عائلتي بعد نهار طويل. نظرت إلي محدقة وتكلمت بجدية: "أنتم الإثنان معاً ...تحدثوا! لماذا تريدين الإنترنت؟" شكرتها على ملاحظتها "الفذة" ولم أجادلها. من منظورها أنا أضيع وقتي على ما هو إفتراضي بينما علي أن أستغل وقتي مع من هم على أرض الواقع. معي وحولي. معها حق وعندها حكمة تنقص غالبية شبابنا الآنز وفي موقع آخر من الكرة الأرضية الفيسبوك ليس مشهوراً. وتويتر غير مرغوب به والإنستجرام يستعمله أطفال المدارس والعاطلين عن العمل والفنانين. أما الواتس آب فيستعمل للحالات الملحة. المنصات التي تستهلك معظم وقتنا وغالبية طاقتنا وتسرقنا ممن هم حولنا، تبعدنا عن الحياة الواقعية والمشاكل الحقيقية التي ممكن أن تدمر الإنسانية إذا لم نفطن لها. وهذا خطر. وهناك الخطر. ففي عام 1972 إجتمعت حكومات العالم في ستكوهولم لمناقشة الخطر الذي يهدد البشرية وقتها والذي يكبر مع الوقت: التغيير المناخي. واليوم لا زلنا نواجه نفس الخطر لأن حكومات متعاقبة اعتقدت بأن هذه الأمور من المواضيع المهمة لكن في اسفل الأولويات. فالأولوية هي السيطرة العسكرية والإقتصادية. والنتيجة هي المزيد من الحروب، وتهجير شعوب،وفقدان السيطرة على المخدرات ومروجيها، والإتجار بالبشر وغيرها مما نشهده الآن. ولأنه الخطر الأكبر على الوجود البشري لا أرانا نتكلم عنه أونصرف الوقت والجهد وننفق على الأبحاث والدراسات للحد منه.. بل تفشي الجهل في مفهوم حماية البيئة وبات موضوعاً فلسفياً "مش وقته" لأن نهش الذات وإغتيال الشخصيات والتركيز على الأخطاء وتعظيمها هو "الترند" الدارجة في المجتمع. ارى بأن الفساد له قانون بحاجة إلى تطبيق صارم للتخلص منه. وقوانين مساوية بالقوة للوقاية من الوقوع به. أما المساواة والعدل فهي أمور نسبية يجب على المجتمعات أن لا تكف عن السعي لتحقيقها. ونحن، الطاقة البشرية، علينا أن نسخر ما وهبنا الله وميزنا به العقل، واستخدامه لتطوير ذواتنا وحماية أنفسنا من خطر إن تفشى...فينا، واقصد التغير المناخي! نحن اليوم بحاجة إلى إستراتيجية سياسية بيئية. بحاجة إلى تشجيع العقول الواعية العملية وتوظيفها في مشاريع وأبحاث فيها نحمي ذواتنا من الخطر الكامن القابع خلف الأبواب. فلنصحو ونتعقل ونتوكل.