موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الصراط هو الطريق الممهَّد المسوَّى الذي يسير فيه الإنسان باختياره، بغية الوصول إلى هدف يسعى إليه. وكلَّما كان الصراط أكثر استقامة، بلَغ السالكُ الغاية بأقصر وقت وأقلِّ جهد. وقد تنبَّه بعض العلماء المسلمين القدماء على أن كلمة الصراط هي كلمة تعني الطريق (بِلُغة الرُّوم)، وهي بالفعل تعود إلى الكلمة اللاتينية strada التي تعني الطريق. ومما يؤكد أنها كلمة غير عربية، ما نجده من اختلاف بين القبائل العربية في طريقة نطقها بين صِراط، وسِراط، وزِراط. خلافًا للواقع البشري، الذي تُعرض فيه العديد من (الصُّرُط المستقيمة) بحسب اعتقاد أَتباعها، نجد أنفسنا أمام سطوة مفاهيم دينية سائدة، قصَرَت تلك الصُّرط على (صراط مستقيم واحد)، لا يقبل القسمة أو التعدد. وهذا القصر قد جعل كثيرًا من أتباع الصُّرُط، لا غاية لهم سوى تأكيد تفرُّدهم بالصراط المستقيم، بالإضافة إلى رغبتهم الجامحة في البحث عن ذرائع تُخرج غيرَهم عن صراطهم. في كل دين أو مذهب، يَحضر أمامنا (صِراطيُّون عقائديُّون) و(صراطيون عِرفانيُّون). فيبحث العقائديون دومًا عن تأكيد قطعِيَّتهم وتأليه تصوراتهم السالفة، في حين يبحث العرفانيون عن الهداية في كل شيء وفي كل حين. فالحقيقة تستحوذ عليهم، ولا يستحوذون عليها. وفي كل دين، وإلى جانب السالكين المهتدين، هناك صِراطيُّون (ضالُّون) وآخرون (مغضوب عليهم). فالاختباء وراء استقامة الصراط، أكثرُ تضليلًا من الضلال الظاهر في طرائق الرغبات. ومن أشكال الضلال الخفيِّ، أن يَحسب الإنسان أن ما بين يديه، هو الصراط القويم الأوحد دون خلق الله. كل صراط يسير بصاحبه نحو طلب الخير والكمال، وابتغاء وجه الله، ونفعِ خلقه، فهو يقود إلى الصراط المستقيم، والصراطُ المستقيم هو الطريق الأمثل، بين طرق عديدة توَافرَت معرفتُها أمام الإنسان. فالصُّرُط المستقيمة تتعدد وتتلوَّن، ولكنها لا تتناقض ولا يقطع بعضها بعضًا. وكما هو الحال مع كل نقطة على محيط الكرة الأرضية تتجه نحو مركز الأرض، فإنها لا بد وأن تسير في خط مستقيم. فإن وحدة الاتجاه نحو المركز، تجمع بين افتراق النقاط ما دامت الغاية واحدة. والحكمة من تعدد الصُّرُط، هي عينها الحكمة من تعدد الشرائع والأنبياء والكتب: “كلُّ طرقِ الإِنسانِ مستقيمةٌ في عينيهِ، والربُّ وازنُ القلوبِ” (أمثال 21: 2). في كل ركعة يتجه بها المؤمن نحو ربه، يسأله فيها الهداية إلى الصراط المستقيم، فإنه يزداد تواضعًا وافتقارًا وطلبًا للهداية. ونظير هذا المعنى القرآني الذي يتجلَّى في قوله تعالى: {اهدنَا الصراطَ المُستقيمَ}، والذي هو أكثرُ دعاءٍ يطلبه المسلم؛ ما نجده في الكتاب المقدس: “علّمنِي يا ربُّ طريقكَ، واهدني في سبيل مُستقيمٍ…” (مزامير 27: 11). لا يقتصر السعي إلى طلب الصراط المستقيم على الشرائع الإبراهيمية؛ وإنما نجده في الأديان الأخرى، كما في الديانة البوذية التي تؤمن بأن بوذا قد وصل الحقيقةَ، التي هي الطريق المستقيمة التي تقود إلى السعادة: “لما وصلتُ إلى أوج هذا الوجود، وجدتُ الحقيقة التي علَّمتُكم إياها، وهي الطريق المستقيمة التي تقود إلى مدينة السلام الزاخرة بالسعادة” (إنجيل بوذا). وأيضًا نجده في الديانة الطاويّة التي تعود الى كلمة (الطاو أو التاو)، والتي تعني (الصراط، الطريق، النهج، السبيل)، وهو “الطريق الذي يسلكه الإنسان ليبلغ السعادة..”! كل من له غاية تُفضي به إلى الخير والفضيلة والسعي نحو الكمال، فهو على صراط مستقيم، وكل من يمشي في حياته {مُكبًّا على وجهِه} دون هدف ولا غاية، فهو في حالة ضلال مَعرفي، يحتاج إلى الهداية والمعونة أكثر من حاجته إلى كراهية المهتدين وبُغضهم. خلافًا لمن جعلوا الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا ما عهدوه منها، يمكن القول بأن الطرق كلها مفتوحة نحو الله، وأعظمُها قدرًا، أكثرُها سَعةً ورحابة لخلق الله. فكلما كان الطريق متَّسِعًا لك ولغيرك، كان أقرب الى الاستقامة؛ وكلما ضاق بنا عن مجاورة السائرين، كان أبعد عن بلوغ الرحمات واستباق الخيرات. فالصراط المستقيم الأعظم، هو الطريق السهل الميسر الواسع الواضح الممتدّ والأرحب، الذي تتعدد فيه مشارب السالكين، ويتسع لكل السائلين والطالبين. (نقلا عن taadudiya.com)