موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
اختلافًا عن التتابع التقليدي للطروحات، ولكن بما يتماشى مع المقترحات المطروحة مؤخراً (مثلاً: إ. شلينك، العقيدة E. Schlink, Dogmatik-)، هذا الكُتيب يضع عقيدة الثالوث بعد الطروحات المتعلقة بالتدبير الخلاصي ويربطها مباشرة، كفصل أخير من التعليم العقائدي، بعلم الأخرويات (الاسكاتولوچيا). فما الذي دعا إلى مثل هذا الترتيب؟ أولاً وقبل كلّ شيء، ترتيب أو نظام المعرفة، الذي بمقتضاه يمكن الحديث عن الله الثالوث فقط بناء على الوعي بالخطاب المتعلق به كتفسير توضيحي لإظهار الله لذاته ولتواصله الذاتي عبر التاريخ، أي كعرض للمقدمات اللاهوتية (المقدمات الإلهية المنطقية) التي تقوم عليها. ولكن أليس من المناسب، باتباع نظام الوجود، أن نتعامل أولاً مع هذه الافتراضات ومن ثَمَّ توضيح كيفية بُنيان تدبير الخلاص، أي عمل الله الخلاصي التاريخي؟
حقيقة أن عقيدة الثالوث، إذا تم وضعها في البداية، ستتطلب معرفة لا يمكن اكتسابها إلا من خلال اتباع الأطروحات التاريخية الخلاصية، تتعارض مع هذه الطريقة التقليدية في تطوير الموضوع. فهكذا الأطروحات التقليدية حول الثالوث لم تُشِر إلا بعبارات عامة جداً وبشكل ضمني إلى تدبير الخلاص وحاولت أن تشرح بشكل حصري تقريباً كيف يمكن للمفاهيم الأساسية لعقيدة الثالوث، التي تطورت على مدار تاريخ العقيدة، أن تكون متفقة ضمنياً مع العقيدة السابق توضيحها عن الإله الواحد. لذا نحاول هنا تجنب خطر إفراغ مماثل لعقيدة الثالوث من مضمونها التاريخي الخلاصي، مع التأكد من أن عقيدة الله الثالوث تُلخص، بشكل ”المُجمَل والخُلاصة“ ما سبق ذكره عن عقائد الإيمان المسيحي. إن حقيقة أن فرضية تدبير الخلاص قد أُخذت بعين الاعتبار بعد الطروحات التي افترضتها يؤكد مرة أخرى أن عقيدة الثالوث ليست مستقلة عن تدبير الخلاص وأنه لا يمكن توضيحها إلا من خلال التأمل في التاريخ الذي يتيح إمكانيتها وبنيانها.
لذلك فإننا لا نتحدّث عن الله الثالوث فقط في هذا الطرح حصريًا. ولا نستطيع حتى الحديث عن الخليقة، عن إله إسرائيل وإله يسوع المسيح، وعن عمل الروح، وعن الكنيسة، دون مرجعية الآب، الذي يدعو البشر من خلال الابن في الروح إلى شركة الحياة مع الله الثالوث. بهذا المعنى، فإن كل من الأطروحات العقائدية السابقة هي ”عقيدة ثالوثية ضمنية“، تحتاج فقط في هذا التفصيل المُجمل إلى مزيد من التطوير والتفصيل من الناحية المفاهيمية. بَيدَ إن عقيدة الثالوث، من حيث إنها تشرح بهذا المعنى بشكل قاطع ما مَيَّزَ الاعتبارات السابقة، ليست إضافة إلى ما سبق ذكره، بل هي ”مُجمل وملخص“ اللاهوت المسيحي.