موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٦ يوليو / تموز ٢٠٢٤

النَّاصرة ترفض يسوع ابن بَلَدِها

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
الأحَد الرَّابع عشر للسَّنة: النَّاصرة ترفض يسوع ابن بَلَدِها (مرقس 6: 1-6)

الأحَد الرَّابع عشر للسَّنة: النَّاصرة ترفض يسوع ابن بَلَدِها (مرقس 6: 1-6)

 

النَّص الإنجيلي (مرقس 6: 1-6)

 

1 وانصَرَفَ مِن هُناكَ وجاءَ إِلى وَطَنِه يَتبَعُه تَلاميذُه. 2 ولمَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: ((مِن أَينَ له هذا؟ وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟ 3 أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟)) وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة. 4 فقالَ لهم يسوع: ((لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه)). 5 ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات، سِوى أَنَّه وَضَعَ يَديَهِ على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم. 6 وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم. ثُمَّ سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم.

 

 

مقدمة

 

يصف لنا مرقس الإنجيلي رفضَ أهل النَّاصرة ليسوع المسيح، ابن النَّاصرة، كمُتمم النبوءات (مرقس 6: 1-6) فتَعَجَّبُ يسوع مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم. وكان رفضهم إعلانًا مسبقًا عما سيفعله الشَّعب اليهودي به، لهذا اعتزل يسوع الجمع، وانفرد بتلاميذه يُعلمهم قبل أن يرسلهم إلى العَالَم؛ ومن هنا تكمن أهميَّة البحث في وقائع النَّص الإنجيلي وتطبيقاته.

 

 

أولًا: تحليل وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 6: 1-6)

 

1 وانصَرَفَ مِن هُناكَ وجاءَ إِلى وَطَنِه يَتبَعُه تَلاميذُه

 

تشير عبارة "انصَرَفَ مِن هُناكَ" إلى مغادرة كفرناحوم (مرقس 5: 21).  أمَّا عبارة "جاءَ إِلى وَطَنِه" فتشير إلى الزِّيارة الثَّانيَّة إلى النَّاصرة التي تتميز عن زيارة يسوع الأولى التي حدثت قبل ذلك بسنة "أَتى النَّاصِرَةَ حَيثُ نَشَأَ، ودخَلَ المَجمَع يَومَ السَّبتِ على عادَتِه، وقامَ لِيَقرأ"(لوقا 4: 16). أمَّا عبارة "وَطَنِ" في الأصل اليوناني πατρίδα فتشير إمّا إلى أرض الآباء في مُجْملها (يوحنا 4: 44)، وإمّا إلى مسقط الرَّأس، أي المدينة أو القرية التي تقيم فيها العائلة. وهذا هو المعنى المشار إليه هنا. وطن يسوع هو النَّاصرة (مرقس 4: 23) حيث نشأ يسوع وترعرع صبيًا وشابًا (لوقا 4: 16) كما يروي الإنجيل "وكانَ يسوعُ يَتسامى في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس" (لوقا 2: 52).  وفي الواقع هذا، أمضي يسوع القسم الأكبر من الثَّلاثين سنة الأولى من حياته في النَّاصرة (مرقس 1: 9). لذا تُعتبر النَّاصرة وطن يسوع منذ رجوعه من مصر إلى مناداته بالإنجيل. وهذه الزِّيارة الثَّانية إليها بعد تلك المُدَّة؛ وأمَّا زيارته الأولى إلى النَّاصرة فذكرها لوقا الإنجيلي حيث طردوه بالقُسَّوة، إذ أرادوا" وقتئذٍ أن ِيُلقوُه من على حَرْفِ الـجَبَلِ الَّذي كانَت مَدينتُهم مَبنِيَّةً علَيه" (لوقا 4: 14-30). أمَّا عبارة "يَتبَعُه تَلاميذُه" فتشير إلى يسوع الذي ترك النَّاصرة كفرد عادي، لكنَّه الآن يعود كأحد الرَّابيين المُعلمين، يحيط به تلاميذه، أي رسله، وهم أسرته الجديدة، لأنَّهم هم الذين يسمعون كلمة الله ويؤمنون بها كمل علم يسوع: "أنَّ أُمِّي وإخوَتي هُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ كَلِمَةَ اللهِ ويَعملونَ بِها" (لوقا 8: 21).  وقد عاد إلى بلدته بعد النَّجاح والصِّيت اللذين حقّقهما في المنطقة.  يبدو أن القصد من عودته هو إعطاء أهل بلدته فرصة أخرى للإيمان به. فكانت النَّتيجة أن ثارت ثائرة الحَسد فيهم، ولم يستطيعوا تقبل ابن قريتهم الذي أصبح صاحب رسالة سماويَّة.

 

2 ولمَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: "مِن أَينَ له هذا؟ وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟

عبارة " السَّبت "في الأصل اليوناني σάββατον مشتقة من كلمة عبرانيَّة הַשַּׁבָּת (معناها راحة) تشير إلى اليوم الذي يترك فيه الإنسان أشغاله الماديَّة، وذلك تذكارًا لليوم السَّابع من الخليقة "بارَكَ اللهُ اليَومَ السَّابِعَ وقَدَّسَه، لأَنَّه فيه اَستَراحَ مِن كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه خالِقًا" (تكوين 2: 3). الله لم يسترحْ في يوم السَّبت فحسب، إنما باركه وقدّسه أيضًا. واحترم يسوع قيمة يوم السَّبت كيوم للعبادة، وكان يذهب دومًا إلى المجامع للصَّلاة في يوم السَّبت (لوقا 4: 16). وكان يريد ليوم السَّبت أيضًا أن يكون يوم للخدمة وعمل الرَّحمة (مرقس 2: 28). وقد قدَّس المسيحيُّون الأوَّلون يوم السَّبت، ولكن الأحد، اليوم الأول من الأسبوع، حلّ تدريجيًا محل اليوم السَّابع، حيث كان المَسيحيُّون الأوِّلون يجتمعون فيه للصَّلاة، فقد جعلت قيامة ربِّنا قيمةً خاصة لهذا اليوم الأول من الأسبوع. وفي قرار المَجمَع المسيحي الأول لم يفرض قادة الكنيسة الأولى حفظ يوم السَّبت اليهودي على أحد (أعمال الرُّسل 15: 28). وقال الشَّهيد يوستينس الفيلسوف النَّابلسي: " نجتمع سويّة يوم الأحد، لأنَّه هو اليوم الأول الذي فيه غيّر الله الظُّلمة إلى نور، والعَدْم إلى وجود. وفي هذا اليوم قام مُخلصُنا يسوع المسيح من الأموات". أمَّا عبارة " يُعَلِّمُ " فتشير إلى دور يسوع في التَّعليم وتأثيره الشَّديد في سامعيه حيث كان تعليمه يختلف عن تعليم الكتبة، مفسري الكتب المقدسة، الذين يعتصمون بسلطة النُّصوص أو السُنّة. انه "كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن له سُلْطان، لا مِثلَ الكَتَبَة" (مرقس 1: 22). على الرَّغم من معرفة الرَّبّ من ردّة فعل اليهود السَّامعين سوف يكون التَّمرّد إلاّ أنّ الله أرسل لهم ابنه يسوع كما جاء في نبوءة حزقيال "سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، -فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد -سيَعلَمونَ أَنَّ بَينَهم نَبِيًّا"(حزقيال 2: 5). وسيتمّ التَّبشير بغضّ النَّظر عن الاستجابة له. أمَّا عبارة "المَجمَع" فتشير إلى مكان اجتماع اليهود الدِّيني في مدن فلسطين وفي الجاليات اليهوديَّة في ذلك الزَّمان. ويُقام المَجمَع في أي مدينة بها عشرُ عائلات يهوديَّة على الأقل. وفي المَجمَع كانوا يحتفلون بالسَّبت بقراءة كتب الشَّريعة والأنبياء وتتبعها عظة. في المَجمَع علم يسوع حيث يجوز لكل يهودي أن يلقي الكلام، وكان رؤساء المَجمَع الدينية يعهدون في ذلك إلى المتضلِّعين في الكتب المقدسة، كما حدث مع بولس الرَّسول وبرنابا " وبَعدَ التِّلاوةِ لِلشَريعَةِ والأَنبِياء، أَرسَلَ إِلَيهما رُؤَساءُ المَجمَع يَقولون: أَيُّها الإخوان، إِذا كانَ عِندَكما كَلامُ وَعظٍ لِلشَّعب، فقولاه" (أعمال الرُّسل 13: 15). وفي هذا النَّص عهد رئيس المَجمَع إلى يسوع قراءة الكتاب المقدَّس والتَّعليق عليه.  وأمَّا عبارة "فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه" فتشير إلى أهل النَّاصرة الذين لم يستطيعوا أن ينكروا حكمة يسوع وقوته، لكنَّهم كانوا في شكّ في أنَّ مصدرهما من الله، فكانوا ينسبونهما إلى الشَّيطان. إنَّ رفض قبول البيّنات والاعتراف بوجود الله وقوِّته يمنع إظهار قوَّة الله. والرَّفض هو أساس عَدَم الإيمان. وقد رفض أهل النَّاصرة رسالة يسوع مرَّتين: المرَّة الأولى عندما اتَّهمه معلمو الشَّريعة أنه بعلزبول :"بَلَغَ الخَبَرُ ذَويه فَخَرَجوا لِيُمسِكوه، لِأَنَّهم كانوا يَقولون أنَّه ضائِعُ الرُّشْد" (مرقس3: 20-35). وهنا رفض أهل النَّاصرة يسوع المرة الثَّانية. أمَّا عبارة "مِن أَينَ له هذا؟" فتشير إلى سؤال أهل النَّاصرة عن حكمة يسوع وتعليمه كابن الله وهو الذي خرج من محيط النَّاصرة.  سؤال يُثير الدَّهشة. توقف أهل النَّاصرة عند الوجه البشري ليسوع، وما استطاعوا أن يتجاوزوه ليروا فيه حامل كلمة الله بالرَّغم من أن كلماته وأفعاله التي تكشف فيه شيء يتجاوز إنسانيتنا. لأنَّ الحسد ملأ قلوبهم، ولم يتمكَّنوا أن يفهموا أن أحدًا من أهل بلدتهم قد تكون له رسالة من السَّماء. هؤلاء كانوا واقفين لا للتَّعلم منه بل للحُكم عليه، فأُعجبوا بكلامه وقدرته على المُعْجِزات، ولكنَّهم لم يستفيدوا بسبب كبريائهم وحسدهم الذي أغلق قلوبهم، فلم يروا في المسيح سوى نجَّارٍ ويعرفون عائلته، وهذا هو السَّبب في عَدَم إيمانهم كما يعلنه يسوع (مرقس 6: 6). أمَّا عبارة " وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها " فتشير السؤال أهل الناصرة الثاني. لقد تنبأ أشعيا عن المسيح بحلّول عليه" روحُ الرَّبّ روحُ الحِكمَةِ والفَهْم " (أشعيا 11: 2). إنّ فطرح هذا السؤال يعني عدم الاعتراف بإنّ يسوع يأتي من الله، وعدم الاعتراف بهويته كمسيح ابن الله الحي (مرقس 8: 29). أمَّا عبارة " إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟ فتشير إلى السؤال الثالث الذي لا يتعلق بتعليم يسوع، بل بأعماله. حتى الأعمال العظيمة الّتي يقوم بها يسوع، مِن أين أتت، ما هو التفويض الّذي لديه للقيام بتلك المعجزات؟ إنّه تساؤل الّذين لا يتركون لله إظهار نفسه في التاريخ.  أمَّا عبارة " المُعجِزاتِ " فتشير إلى المُعجِزات التي أخبرهم بها الآخرون، لأنَّهم لم يشاهدوا مُعْجِزة منه (مرقس 6: 5). ليس الأمر صدفة إن كان المرضى وحدهم هم المنفتحون على مُعْجِزات يسوع. إن الذي لم يعدْ لديه ما يخسره ويتمسك بيسوع هو من يستطيع أن يفتح ذاته على هبته التي تُجدّد الحياة. وسمّى الإنجيليُّون ما أتاه المسيح من الخوارق بأربعة أسماء: "عجائب" إشارة إلى تأثيرها في المشاهدين؛ و"آيات" إشارة إلى غايتها، إنَّها أدلَّة على فاعلها مُرسل من الله؛ و"قوات" إشارة إلى عظمتها بالنِّسبة إلى أعمال البشر، و"أعمال" إشارة إلى أعمال الله كما ورد في إنجيل يوحنا (6: 28؛ 7: 21، 10؛ 25: 32: 38).

 

3 أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟ وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة

 

 تشير عبارة "أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم" إلى شكوك هؤلاء الذين رأوا المسيح بعيونهم وكأنَّهم لم يروه ولم يسمعوه بأذانهم، وكأنهم لم يسمعوه، فانطبق عليهم قول ارميا النَّبي "الشَّعبُ الفاقِدُ اللَّبّ الَّذي لَه عُيونٌ ولا يُبصِر ولَه آذانٌ ولا يَسمعَ"(ارميا 5: 21). لم يُدركوا سرَّ يسوع ومكانته ورسالته وراء حياته البشريَّة، ولم يعرفوا أنَّه مسيح الرَّب، إله القوَّات والمُعْجِزات، فزاغوا عن تعاليمه وتكلَّموا بالباطل ضِدُّه، ومع أنَّهم قدَّروا كلمات الحكمة التي نطق بها إلاَّ أنَّهم سعوا إلية بروح الشَّك والغموض والحسد والحقد، ذلك أنّ يسوع منهم، فلا يحقّ له أن يكون مختلفًا عنهم.  وهذا السَّؤال ينفي تساؤلات البعض: بان يسوع بين عمر 12-30 سنا كان مُختفيا لدى "جماعة قمران" أو لدى "إخوة بيض" في مصر أو في الهند تاركًا أمّه العذراء. أمَّا عبارة "النَّجَّارَ" في الأصل اليوناني τέκτων(معناها عامل في الخشب أو الحجارة أو المعدن، وبالعبريَّة חָרָשׁ، إذ كان يصنع نِّيْر الثور والمحاريث) فتشير إلى يسوع الذي كان عاملا في النَّجارة مثل سائر العمّال، وهو ليس برئيس كهنة ولا فريسي أو كاتب كما يؤكّده الشُّهود "أَلَيسَ هذا ابنَ النَّجَّار؟ أَلَيسَت أُمُّه تُدعى مَريم، وإِخوَتُه يَعقُوبَ ويُوسُفَ وسِمعانَ ويَهوذا؟ "(متى 13: 55) ولكن لم يوصف الإنجيل يسوع أنَّه كان يعمل في النِّجارة في فترة التَّبشير بعد أنَّ وصل الثَّلاثين من عمره.  وفي الواقع، لمّا بدأ خدمته لم يعمل بالنِّجارة بل كان يُبشِّر فقط. ونلاحظ إنَّ مرقس الإنجيلي يقول أنَّ يسوع كان نجارًا وليس ابن نجار مُبيِّنا أن الله هو أبوه كما جاء في تصريح يسوع نفسه "لأَنَّ مَن يَسْتَحْيِي بي وبِكَلامي في هذا الجيلِ الفاسِقِ الخاطِئ يَسْتَحْيِي بِه ابنُ الإِنسان، متى جاءَ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه المَلائِكَةُ الأَطهار" (مرقس 8: 38). ويُعلق العلامة القدّيس بونافَنتورا: "لم يبحث يسوع إلاَّ عن جعل نفسه وضيعًا وألاَّ يُحسب له حساب وأن يعيش في الازدراء التَّام. وهذا انتصارٌ أعظم من السَّيطرة على مدينة ما". لم يأتِ يسوع إلينا خلال الغمام، وإنما خلال التَّواضع، حّل بيننا ومارس عملنا ليُشاركنا حياتنا، فنشاركه أمجاده الأبديَّة. أمَّا عبارة "ابنَ مَريَم" فتشير إلى عَدَم ذكر الأب (يوسف) الذي يعتبر أمرًا غريبًا في بيئة يهوديَّة. ويحتمل أن يكون مرقس الإنجيلي أهمله هنا مُلمحًّا أنَّ الله هو أبو يسوع (مرقس 8: 38) وأبو التَّلاميذ (مرقس 11: 25)، أو أنَّ يوسف كان قد مات في ذاك الوقت. أمَّا عبارة "أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان" فتشير إلى هؤلاء الأخوة وهم أبناء مَريَمُ امرأة قَلُوبا التي كانت بجانب مريم أم يسوع عند الصَّليب (يوحنا 19: 25). ويعلق القديس ايرونيموس: " إنّ إخوة يسوع هم أولاد القديسة مريم زوجة قلوبا، أخت القديسة مريم العذراء". وقد اعتاد اليهود أن يلقبوا أبناء العم أو العمَّة أو الخال أو الخالة إخوة، إذ غالبًا ما يعيشون معًا تحت سقف واحد. وتدل كلمة "أخوة" في الكتاب المقدس كما العادة في بلادنا الشرقية إمّا على أبناء الأم الواحدة، وإمّا على الأقربين كما نجد في قول إبراهيم إلى لوط ابن أخيه "نحن أخوة" (تكوين 13: 8)، استخدم لابان أيضًا ذات الكلمة عن زوج ابنته (تكوين 29: 15). وفي اللَّغة الآراميَّة تستخدم نفس الكلمة "أخ" لتعبر عن كل هذه القرابات. أصبح يعقوب رئيسًا للكنيسة في اورشليم كما يؤكد بولس الرَّسول "ولَمَّا عَرَفَ يَعْقوبُ وصَخْرٌ ويُوحنَّا، وهُم يُحسَبونَ أَعمِدَةَ الكَنيسة" (غلاطية 2: 9)، وهو أيضا كاتب رسالة يعقوب. وأمَّا يهوذا فهو كاتب رسالة يهوذا. أمَّا الباقون والأخوات فلا يعلم عنهم إلاَّ القليل.  فتسمية "إخوة يسوع" في الأناجيل إنما هي تسمية عامة لأقارب يسوع، وانه ليس ليسوع إخوة لا من مريم ولا من يوسف. إن الكنيسة تعترف ببتوليَّة مريم الدَّائمة قبل ولادة يسوع وحين ولادته وبعد ولادته. (التَّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة، 500). حتّى في أثناء الإصلاح اللَّوثري، كان كلّ من كالفين وزوينغلي يؤمنان أنّ مريم كانت عذراء دائمًا. وهناك أراء كثيرة في هذا الموضوع وهي إخوة يسوع قد يمكن أن يكونوا أبناء زوجة أخرى ليوسف النَّجار أو أولاد خالة للمسيح. وإخوته لم يقبلوه أولًا ثم عادوا وآمنوا (يوحنا 7: 5). أمَّا عبارة " أَخَواتُهُ" فتشير إلى بنات أم واحدة كما تشير إلى الأقارب (التَّكوين 13: 8الاحبار 10: 4 1 أخبار 3: 22)، وهنا ندل على بنات عمِّ يسوع. وهنا الذكرالوحيد لأخوات يسوع. أمَّا عبارة "حَجَرَ عَثرَة" في الأصل اليوناني ἐσκανδαλίζοντο (معناها شك) فتشير إلى يسوع الذي كان مصدر شك بالنسبة لأهل الناصرة لمجرد أنه لم يتأقلم مع تصوراتهم المسبقة، وأنماطهم المألوفة.  وبالتالي "حَجَرَ عَثرَة" لا تشير في الكتاب المقدس إلى قدوة سيئة أو إلى أمر يثير الاشمئزاز، بل إلى عائق وفخ كما جاء في إنجيل متى "فإِذا كانت عينُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثْرَةٍ لَكَ، فاقلَعْها وأَلْقِها عنك، فَلأَنْ يَهلِكَ عُضْوٌ مِن أَعضائِكَ خَيْرٌ لَكَ مِن أَن يُلقى جَسَدُكَ كُلُّه في جَهنَّم"(متى 5: 29). وحجر العثرة يسبب السُّقوط (1 بطرس 2: 8). وقد تنبّأ عنه سمعان الشَّيخ "ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض"(لوقا 2: 34) وسبق وتنبأ أشعيا أيضًا عنه "فيَكونَ لَكم قُدسًا وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخًّا وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ فيَعثُرُ به كَثيرونَ ويَسقُطون ويَتَحَطًّمونَ ويُصْطادونَ ويُؤخَذون" (أشعيا 14:8-15). أمَّا أسباب هذه العثرة فهي كثيرة ومنها: يسوع أولا ًمن حيث الصَّليب قد يكون حجرة عثرة (متى 11: 6). ثم النَّاس الذين يرفضون السِّير وراء يسوع (متى 5: 29) والعَالَم (متى 13: 41 والاضطهاد (متى 13: 12). أمَّا هنا فقد كان يسوع حجر عثرة إلى أهل وطنه النَّاصرة، لسببين هما: أصله العائلي وعمله كنجار. فهم يعتقدون أنَّهم يعرفونه دون أن يؤمنوا به وبالتَّالي يرفضون السَّير وراءه كما يؤكد يسوع "كانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم" (مرقس 6: 6) لأنه لم يكن في نظرهم المسيح المنتظر الذي لا يُعرف أصله وفصله.  ويُعلق يوحنا الذَّهبي الفم: " لم يأتِ السَّيد ليجذب عقول أقربائه في طفولته وصبوته بأعمال خارقة، لكنَّه جاء ليخدم ويجذب النُّفوس لحبِّه خلال أعماله الإلهيَّة الفائقة الحب!". وكان يسوع منبوذًا من قبل ذويه، لانَّهم اعتبروه " ضائع الرُّشد" (مرقس 3: 21) كما كان منبوذًا من قبل السُّلطات اورشليم الدِّينيَّة، لانَّهم اعتبروا بعلزبول "إِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين" (مرقس 3: 22). ولم يستطيعوا أن يوفِّقوا وضع يسوع البشري (النَّجار، ابن مريم)، مع أصله الإلهي. وهذا الأمر يتطلب الإيمان. ونستنتج مما تقدم أن عَدَم التَّرحيب بيسوع في النَّاصرة أدَّى إلى نبذه من قبل شعبه، إذ "كانَ لَهم حَجَرَ عَثْرَة يصطدمون به (متى 5: 29). وقد وجدت الكنيسة في هذا الرَّفض إحدى علامات المسيح الحقيقي، إذ فيه تتحقق أيضًا النُّبوات، إذ يقول أشعيا النَّبي: "فيَكونَ لَكم قُدسًا وحَجَرَ صَدْم وصَخرَ عِثارٍ لِبَيتَي إِسْرائيل وفَخّاً وشَبَكَةً لِساكِني أُورَشَليمَ فيَعثُرُ به كَثيرونَ ويَسقُطون ويَتَحَطًّمونَ ويُصْطادونَ ويُؤخَذون" (أشعيا 8: 14-15). ويقول وبولس الرَّسول: " قَد وَرَدَ في الكِتاب: ((هاءَنَذا واضِعٌ في صِهيُونَ حَجَرًا لِلصَّدمِ وصَخْرَةً لِلعِثار، فمَن آمَنَ بِه لا يُخْزى" (رومة 9: 33). وهكذا ينغلق أهل النَّاصرة على ذواتهم من خلال أسئلتهم الذَّاتيَّة الأربع والتّي تحمل استياء تكشف هذه التساؤلات عن مصدر قساوة قلوب، ويعتبرون يسوع حجر عثرة وخطرًا على بيئتهم ومعتقداتهم، لذلك نبذوه. فقد لا نعرف يسوع شخصيًا ولكننا نعرف كل شيء عنه، وعائلته!

 

4 فقالَ لهم يسوع: ((لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه))

 

تشير عبارة "لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه" إلى قول مأثور حاول يسو ع أن يفسِّر به لظاهرة رفضه من قبل أهل النَّاصرة. قال أحد الفلاسفة "في مسقط رأسك لا يُؤمن بك أحدٌ". وفي المثل العربي نقول: الأقارب عقارب.  وقد كان القدّيس فرنسيس، مؤسس الرَّهبنة الفرنسيسكانيَّة، مكروهًا من قِبل أبيه وكان يُعتبر مجنونًا من قِبل أهل بلده.  لقد درج النَّاس على إكرام الغريب الذي لا يعرفونه، والتَّقليل من شأن القريب الذي يعرفون نشأته وأهله، وغالبًا ما يكون هذا بسبب الحَسد والغيرة. لأنّ أهل النَّاصرة يظنّون أنّهم يعرفونه: أليس هو النَّجَّارَ ابنَ مَريَم؟ ألا نعرف إخوته وأخواته؟ ألم نشهد طفولته ونموّه؟ من هذا حتّى يكون آتيًا من الرَّبّ؟ نحن نعرف من أين أتى، نحن نعرف من هو! ويظنّون أنّ ما يأتي من الله هو دائمًا الغريب، البعيد، الخارق، المختلف، فهم يبحثون عن الله حيث لا يوجد. لذلك استقبله أهل النَّاصرة بالتَّهكّم، لا بالتَّعجّب، لأنّهم كانوا يعرفون أهله، وتعثّروا فيه. لقد ولّدت معرفتهم له احتقارًا لتعاليمه، وفكرتهم المسبقة عنُّه جعلت من المستحيل عليهم أن يقبلوا رسالته.  فإنّ حظّ يسوع لم يكُنْ أحْسن من حظِّ مرسَليه من قبلِه، مثل إيليا النَّبي (1 ملوك 31:16) وارميا (ارميا 16: 14-15)، وحزقيال (حزقيال 2: 2-5) بهذا قد تمّ فيهِم ما قاله يوحنّا الإنجيلي: "قد جاء إلى خاصّتِه وخاصَّتُه لم تقْبلْه" (يوحنا 11:1). أمَّا عبارة "أَقارِبِهِ وبَيتِه" فتشير إلى التَّشديد على ذوي قرابته كما ورد سابقًا "مَن أُمِّي وإِخَوتي "(مرقس 3: 33)، لان يسوع أسَّس له عائلة جديدة من الذين يسمعون كلمة الله ويؤمنون "لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي " (مرقس 3: 35). هذه هي مأساة الله. إذا كان لا كرامة ليسوع في وطنه، فهذا لا يُقلّل من أهميَّة عملِه ورسالتِه، بل يؤكِّد صدق النَّص الإنجيلي الذي لم يحذف من التَّاريخ أمورًا غير مرغوبة عن أقارب يسوع. جاء الله لا يطلب مِن الذي يرسله أن يهتم بنجاحه أو فشله، بل أن يشهد له وهو يهتم بالباقي. جاء يسوع يفتح قلبه بالحُبِّ حتى لرافضيه، وإن كان لا يُلزم رافضيه بقبوله قسرًا‍! هل نختلف نحن عن أهل النَّاصرة؟ هل نسمع كلام الله؟ هل نفتح قلوبنا إلى النِّعمة؟ أم نرفض يسوع وهو يحمل رسالته النبوية بيننا؟

 

5 ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات، سِوى أَنَّه وَضَعَ يَديَهِ على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم

 

تشير عبارة "لَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات" إلى عَدَم إمكانيَّة يسوع صنع المُعْجِزات بسبب عَدَم إيمان أهل النَّاصرة، واحترام حريَّة أهله وضميرهم، فكان الظرف غير صالح لعمل المُعْجِزات.  وهذه العبارة هي من أكثر عبارات الإنجيل جرأة وتُظهر بوضوح أن معجزات يسوع لم تكن أعمالًا سحريَّة، ولا أمور سيكولوجيَّة نفسيَّة، وكأن ثقة المريض شرط لشفائه، بل هي أعمالٌ مرتبطة ارتباطًا حيويًا بإيمان الشَّعب. فهناك علاقة بين المُعْجِزة والإيمان.  لم يصنع يسوع مُعْجِزة إلا حيث الإيمان، وهذا هو السَّبب الأعظم. ويعلق القديس غريغوريوس النَّيزينزي: "لكي يتمَّ الشِّفاء كانت الحاجة إلى أمرين: إيمان المريض وقوَّة واهب الشِّفاء، فإن لم يوجد أحد الأمرين يصير أمر المعجزة مستحيلًا". فهناك علاقة بين الإيمان والمُعْجِزة (مرقس 2: 5)، وهناك مرات يطلب يسوع فيها الإيمان قبل أن يتدخل (مرقس 5: 36)، ومرات يربط يسوع المُعْجِزة بالإيمان (مرقس 3: 34). فان لم يكن هناك إيمان، خلت المُعْجِزة من كل معنى، ولا يجوز أن يُقال أنَّ هناك مُعْجِزة، لانَّ المُعْجِزة تفقُد كل مدلولها خارج إطار الإيمان، ولا يجوز أن نتحدَّث عن مُعْجِزة.  إن عَدَم الإيمان منع يسوع من إجراء أية مُعْجِزة. ومع أنَّ الله قادر على كل شيء إلاَّ انه في سلطانه لا يُجري مُعْجِزة إذا ما كان الإنسان رافضا وثائرًا. إن عَدَم الإيمان يُبطل إلى حد ما قدرة يسوع على صنع المُعْجِزات (متى 13: 58). المُعْجِزة ترتبط بالإيمان الذي هو جواب الإنسان على مبادرة الله المجانيَّة. ولذلك أصبح إجراء المُعْجِزات مستحيلا بسبب قِلّة إيمان أهل النَّاصرة، وليس عن قِلَّة مقدرة يسوع، لان المُعْجِزة تستلزم الإيمان. وهذا لا يعني أنَّ الإيمان سبب المُعْجِزة كما أنَّ ثقة المريض بالطَّبيب ليست سبب شفائه. فالمُعْجِزة تظهر قدرة الله ومحبته لاتباعه. ولذلك علينا أن نؤمن قبل كل شيء لنفهم المُعْجِزة. أمَّا عبارة "وَضَعَ يَديَهِ " فتشير إلى علامة على نقل القوَّة من يسوع إلى المريض حيث تمرُّ من صاحب السُّلطة إلى طالب النِّعمة.  وهنا تدل على سلطان يسوع في الشِّفاء (متى 9: 18). ونجد لها صدى في تعليم بولس الرَّسول إلى تلميذه طيموتاوس"لا تُهْمِلِ المَوهِبَةَ الرُّوحِيَّةَ الَّتي فيكَ، تِلكَ الَّتي نِلتَها بِنُبُوَّةٍ مع وَضَعِ جَماعةِ الشُّيوخِ أَيدِيَهُم علَيكَ" (1طيموتاوس 4: 14). أمَّا عبارة "على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم" فتشير إلى يسوع الذي لم يصنعْ هناك عجائب كثيرة كما يؤكد ذلك متى البشير "لَم يُكثِرْ مِنَ المُعْجِزات هُناكَ لِعَدَمِ إِيمانِهِم" (متى 13: 58).

 

6 وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم. ثُمَّ سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم

 

تشير عبارة " وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم" إلى دهشة يسوع لعَدَم وجود إيمان عند أهل النَّاصرة بالرَّغم من براعة يسوع في التَّعليم، في الوقت الذي أثنى به يسوع على إيمان قائد المائة " الحَقَّ أَقولُ لَكم: لَم أَجِدْ مِثلَ هذا الإِيمانِ في أَحَدٍ مِنَ إِسرائيل"(متى 8: 10).  وتعجُّب المسيح لا ينافي لاهوته، لأنَّه كان إنسانًا حقيقيًا كما أنَّه ألهٌ حق أيضا. أمَّا عبارة "عَدَمِ إِيمانِهم" فتشير إلى استغراب يسوع من قلة إيمان أهل النَّاصرة ومن قَسَاوة قلوبهم. فان "عَدَمِ إِيمانِهم " هو السَّبب المُعلن في موقف رفض أهل النَّاصرة من يسوع. الإيمان ليس علاقة نفسيَّة، كما لو كانت ثقة المريض شرطًا لنجاح علاجه، بل الموضوع هو الإيمان. بدون إيمان لا معنى للمُعْجِزة، ولا يجوز أن يقال إنَّ هناك مُعْجِزة. فان عَدَم الإيمان تحدِّد تأثير قوَّة الله وفاعليتها.  لذلك يطلب يسوع الإيمان قبل أن يتدخل في صنع المُعْجِزات كما اكّد إلى يائيرس، رئيس المَجمَع "لا تَخَفْ، آمِنْ فقط" (مرقس 5: 36) أو يربط يسوع بعد المُعْجِزة بين شفاء المريض وإيمانه كما صرّح إلى المرأة المنزوفة "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ" (مرقس 5: 34). والإيمان المقصود هنا هو الإيمان بيسوع وبقدرته الإلهيَّة التي تعمل عن يده (مرقس 4: 40). يقودنا الإيمان إلى الانفتاح لقبول ما يفوق إدراكنا، ويثبت حضور الله في وسطنا. أمَّا عبارة " سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم" فتشير إلى متابعة يسوع نشاطه التَّعليمي دون يأس في القرى المجاورة في الجليل رغم الفشل الصَّارخ الذي واجهه في بلده. ويُعلق الأب ثيؤفلاكتيوس: "لم يكرز الرَّب في المدن فقط وإنَّما في القرى أيضًا مُعلمًا إيانا، ألا نحتقر الأمور الصَّغيرة، ولا نطلب الخدمة في المدن الكبرى على الدَّوام، وإنما نلقي بذور كلمة الرَّب في القرى الفقيرة والمحتقرة".

 

 

ثانيًا: تطبيقات النَّص الإنجيلي (مرقس 6: 1-6)

 

بعد دراسة وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 6: 1-6) يمكننا الاستنتاج أنَّه يتمحور حول رفض يسوع بسبب عَدَم الإيمان وقَسَاوة القلب.

 

1) الرَّفض بسبب عَدَم إيمان

 

يصف إنجيل مرقس أنَّ يسوع "كانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم" (مرقس 6: 6)، عَدَم الإيمان لا يقوم فقط في إنكار وجود الله، أو في نبذ ألوهيَّة المسيح، بل في عَدَم الاعتراف بآيات "كلمة الله" وفي عَدَم طاعته تبعًا لأصل اللَّفظ العبري אמין "آمن" فعَدَم الإيمان" معناه ألاَّ نقول لله "آمين "، وأن نرفض العلاقة التي يريد الله أن يُقيمها مع الإنسان.

 

يُعبِّر الكتاب المقدس عن عَدَم الإيمان بصور مختلفة، وأهُّمها: "التَّمرد" كما حدت مع موسى الذي جمعَ الجَماعةَ أَمامَ الصَّخرَةِ وقالَ لَهم: ((اِسمَعوا أيُّها المُتَمَرِّدون، أَنُخرِجُ لَكم مِن هذه الصَخرَةِ ماءً؟" (عدد 20: 10). وهناك صورة ثانية لعَدَم الإيمان وهي التَّذمر حيث يصف يوحنا الإنجيلي اليهود والتَّلاميذ الذين يرفضون أن يؤمنوا بيسوع بهذه الصِّفة بقوله: "فتَذَمَّرَ اليَهودُ علَى يسوع لأَنَّه قال: أَنا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء" (يوحنا 6: 41) وهناك وجه آخر من التَّذمَر ضد الله، يقوم بممارسة العرافة والسِّحر والشَّعوذة كما حدث مع شاول والسَّاحرة في عين دور (1 صموئيل 28: 3-25)، وكذلك يتعلق الأمر اللُّجوء إلى الأنبياء الكَذَبة (إرميا 4: 10)؛ أو الشَّك في صلاح الله وقدرته (تثنية 8: 2). وأمَّا إرميا النَّبي فيصف عَدَم الإيمان بصورة "الاتكال" على المخلوقات "ووضع ثقتنا" فيها (إرميا 5: 17). كذلك صورة من عدم الإيمان هو "أحد وجوه الخوف" الذي يقوم على مطالبة الله بتحقيق ما وعد به على الفور، إنه "استخفاف بالله " كقول بنو إسرائيل للرب " فإِنَّه خَيرٌ لَنا أَن نَخدُمَ المِصرِيِّينَ مِن أَن نَموتَ في البَرِّيَّة؟" (خروج 14: 11)، "وعَدَم السِّماع لقوله" (خروج 14: 22)، و"تجربته" كقول بنو إسرائيل لِلرَّبِّ: هَلِ الرَّبُّ في وَسْطِنا أَم لا؟ (خروج17: 7).

 

رفض أهل النَّاصرة يسوع، لأنَّهم توقفوا عند الوجه البشري له، وما استطاعوا أن يتجاوزوه ليروا فيه حامل كلمة الملكوت، وتناسوا من هو يسوع الذي يُجري المُعْجِزات. وكان يسوع يُعلّم بكل حكمة وقوَّة وسلطان، ولكن أهل مدينته لم يروا فيه سوى نجّار، فقالوا: "مِن أَينَ له هذا؟ وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟" (مرقس 6: 2). إنَّهم رفضوه، لأنَّه كان واحدًا منهم. ظنُّوا أنَّهم يعرفونه، وهم لا يعرفون حقة المعرفة كما جاء في تصريح يسوع " أَجَل، إِنَّكُم تَعرِفونَني وتعرفونَ مِن أَينَ أَنا. على أَنِّي ما جئتُ مِن نَفْسي فالَّذي أَرسَلني هو صادِق. ذاكَ الَّذي لا تَعرِفونَه أَنتُم وأَمَّا أَنا فَأَعرِفُه لأَنِّي مِن عِندِه وهوَ الَّذي أَرسَلَني" (يوحنا 7: 28). مّا يعني: إنّكم تعرفونني ولا تعرفونني؟ فأهل النَّاصرة كانوا يعرفون عن يسوع كل ما يتعلّق بطبيعته البشريّة: مظهره، موطنه وعائلته ومكان ولادته. إذ كان يُعلّم فيعجب الشَّعب بتعليمه، ويشفي المرضى فيتعزّى الشَّعب بمعجزاته، ويطرد الشَّياطين. أمَّا فيما يتعلّق بالطَّبيعة الإلهيّة، فأهل النَّاصرة لا يعرفونه. فقد قال لهم يسوع: "على أَنِّي ما جئتُ مِن نَفْسي فالَّذي أَرسَلني هو صادِق. ذاكَ الَّذي لا تَعرِفونَه أَنتُم". فحتّى يعرفوا الآب، يجب أن يؤمنوا بمَن أرسله، حينئذٍ تتعرّفون إليه، لأنّ "اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه " (يوحنا 1: 18)؛ كذلك" فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ مَنِ الِابْنُ إِلاَّ الآب، ولا مَنِ الآبُ إِلاَّ الِابنُ ومَن شاءَ الِابنُ أَن يَكشِفَهُ لَه" (لوقا 10: 22). وبعبارة أخرى، فان رفض يسوع يقوم بعَدَم الإيمان بما علّمه "فتَمَّتِ الكَلِمَةُ الَّتي قالَها النَّبِيُّ أَشَعْيا: "يا ربّ، مَنِ الَّذي آمَنَ بِما سَمِعَ مِنَّا؟" (يوحنا 12: 38).

 

ربَّما لو تذكر أهل النَّاصرة كلمة الله إلى موسى: " يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِثْلي مِن وَسْطِكَ، مِن إِخوَتكَ، فلَه تَسْمَعون" (تثنية الاشتراع 18: 15)، يمكن أن يقبلوا يسوع لا كنبي فقط، بل كمُرسل من الآب، لكنَّهم توقفوا على كونه إنسانًا عاديًا من بينهم وأخذوا يتسألون فيما بينهم:" أمَّا هو النَّجَّارُ ابنُ مَريَم، أَخو يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟". هذا ما اختبره يسوع في وطنه فقال لهم:" لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه"(مرقس 6: 4)، وهذا ما عاشه سابقا الأنبياء أيضا فصرخ النَّبي أرميا أيضًا قائلا: " وَيلٌ لي يا أُمِّي لِأَنَّكِ وَلَدتِني رَجُلَ خِصامٍ ورَجُلَ نِزاعٍ لِلأَرضِ كُلِّها"(إرميا 15، 10). ولقد أرسل الآبُ ابنه يسوع ليظهره للعَالَم. فاحتقره أنسباؤه. ويبدو عَدَم الإيمان يسود في القلوب التي ترفض تجسُّد ابن الله وعمله الفدائي.

 

نستنتج مما سبق أن خطيئة عَدَم الإيمان تقوم على عَدَم الاعتراف " بأن يسوع هو المسيح (1 يوحنا 2: 22-23)، وبالتالي جعل الله كاذبًا، (1 يوحنا 5: 10). فيركز يوحنا الإنجيلي على عَدَم الإيمان في رفض التَّرحيب في شخص يسوع النَّاصري، "بالكلمة" المُتجسد (يوحنا 1: 11)، وبفادي بني البشر (يوحنا 6: 53). فمن لم يؤمن به يكون بمثابة من يحكم عليه: "مَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لِأَنَّه لم يُؤمِنْ بِاسمِ ابنِ اللهِ الوَحيد" (يوحنا 3: 18)، وينطق بالكذب ويُهلك النَّاس (يوحنا 8: 44)، ويموت في خطاياه (يوحنا 8: 24). وينغمس في الظُّلمات، لأن أعماله شريرة (يوحنا 3: 20)، ويسلم نفسه لإبليس " ولا يطيقَ الاستِماعَ إِلى كَلام يسوع" (يوحنا 8: 43-44).

 

يبلغ عَدَم الإيمان ذروته عندما ينبغي للعقل أن يستسلم للحكمة الإلهيَّة التي تختار الصَّليب طريقًا للمَجد (1 قورنتس 1: 21-24). فلمّا أعلن يسوع عن مصيره، أخذ بطرس في التَّوقف عن إتباع معلّمه، مما جعل "عثرة" أمام يسوع (متى 16: 23). ولما أتت السَّاعة، أنكره متشكَكًا كما سبق وأنبأ يسوع عن ذلك (متى 26: 31-35). ومع ذلك ينبغي للتلميذ أن يحمل هذا الصَّليب عينه (متى16: 24)، إذا ما أراد أن يشهد ليسوع "مَن شَهِدَ لي أَمامَ النَّاس، أَشهَدُ لَه أَمامَ أبي الَّذي في السَّموات" (متى 10: 32-33). وشهادته تنصبّ في الواقع على القيامة، وهي أمر يكاد لا يصدّق (أعمال 26: 8)، وقد أبطَأ التَّلاميذ أنفسهم طويلًا قبل أن يؤمنوا بها، من شِدَّة عَدَم الإيمان في قلب الإنسان (مرقس 16: 1).

 

إلا أن عَدَم الإيمان هذا، قد يغلبه الله الآب الذي هو منبع الإيمان، فيَخفي سر يسوع عن أعين الحكماء (متى 11: 25-26)، ويكشفه للأطفال الذين يعملون بمشيئته (متى 12: 46-50). ويكشف يسوع عن سر جاذبيَّة الآب (يوحنا 6: 44)" وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين" (يوحنا 12: 32). إن عَدَم الإيمان، بحسب ما يُعلّم به بولس الرَّسول، لا بُدَّ وأن تتم السَّيطرة عليه يومًا. "وإذا كنا خائنين، يظل الله وفيًا" (2 طيموتاوس 2: 13). فالوجود المسيحي هو اكتشاف مُتجدِّد على الدَّوام لسر يسوع القائم من بين الأموات كما قال يسوع لتوما الرَّسول "لا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل كُنْ مُؤمِنًا" (يوحنا 20: 27).

 

2) الرَّفض بسبب قَسَاوة قلب

 

يسمّي الكتاب المقدّس السَّبب الآخر لرفض أهل النَّاصرة ليسوع " قَسَاوة القلب". يعبّر عَدَم الإيمان عن تلك القَسَاوة التي كان يتنبأ عنها أشعيا "غَلِّظْ قَلبَ هذا الشَّعْب وثَقِّلْ أُذُنَيه وأَغمِضْ عَينَيه لِئَلاَّ يُبصِرَ بِعَينَيه ويَسمَعَ بِأُذُنَيه ويَفهَمَ بقَلبه وَيرجعَ فيُشْفى" (أشعيا 6: 9-10). فالقَسَاوة هي تصلّب الإنسان في انفصاله عن الله ويُسميها أيضًا "عمى". وعبارة "قسى قلبه" معناه غلَظه، وصم الآذان، وأبقى الغشاوة على العين، بحيث يصبح الإنسان غليظ الرَّقبة، حجر القلب، كما قال الله إلى حزقيال النبي: "يا ابنَ الإِنْسان، إِّني مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُناسٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمرَدوا عَلَّي فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هذا اليَومِ نَفْسِه،  فأُرسِلُكَ إِلى البَنينَ الصِّلابِ الوُجوهِ القُساةِ القلوب، فتَقولُ لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: 5 سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، - فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - سيَعلَمونَ أَنَّ بَينَهم نَبِيًّا"( حزقيال 2: 3-5) فالقَسَاوة صفة مميزة لحالة الإنسان الذي يرفض أن يتوب، ويبقى منفصلًا عن الله.

 

أمَّا مصادر القَسَاوة فهي إمّا أنَّ الله يُقسِّي القلب أي يسمح بتقسيته؛ فلا يكون الله هو مصدر الخطيئة، بل القاضي الذي يدينه. وإمّا الإنسان يُقسِّي نفسه بنفسه فعندها يرتكب خطيئة. فعلى سبيل المثال، فإن كان فرعون لم يأذن لإسرائيل بالانطلاق، فذلك إمّا لأن الله قد قسَّى قلبه (خروج 4: 21)، وإمّا لأن فرعون قسّى نفسه بنفسه (خروج 7: 13-14) وبولس يؤكد بوضوح: " إن الله يَرحَمُ مَن يَشاء وُيقَسِّي قَلْبَ مَن يَشاء" (رومة 9: 18).

 

أمَّا سبب قَسَاوة القلب فهو عَدَم الاستعداد لقبول يسوع. يقول يوحنا الإنجيلي إن النُّور يُعمي القوم الذين ليسوا على استعداد لقبوله: "وإِنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العَالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة. فكُلُّ مَن يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّور فلا يُقبِلُ إِلى النُّور لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه. وأمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ فيُقبِلُ إِلى النُّور لِتُظهَرَ أَعمالُه وقَد صُنِعَت في الله" (يوحنا 3: 19-21).

 

تزول قَسَاوة القلب بالتَّوبة. "إِذا سَمِعتُم صَوتَه فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كما في مَريبة وكما في يَوم مَسَّة في البَرِّيَّة" (مزمور 8: 95). ولكن كيف يستطيع قاسي القلب أن يتوب؟ إن المؤمن يعرف أن الله يَقدر أن يُحطّم حتميَّة الشَّر، وأن يكشف طريق القلب كما يقول أشعيا النَّبي "لِمَ ضَلَّلتَنا يا رَبُّ عن طُرُقِكَ وقَسَّيتَ قُلوبَنا عن خَشيَتِكَ؟ إِرجِعْ إِلَينا مِن أَجْلِ عَبيدِكَ أَسْباطِ ميراثِكَ"(أشعيا 63: 17). فالكلمة الأخيرة مرجعها إلى الله وحده. لذلك قد تنبأ النَّبي حزقيال بأن قلب الإنسان القاسي سيستبدل يومًا ما بقلب من لحم، وأن روح الله سيجعل مستطاعًا ما هو مستحيل عند النَّاس "أُعْطيكم قَلبًا جَديدًا وأَجعَلُ في أَحْشائِكم روحًا جَديدًا وأَنزِعُ مِن لَحمِكم قَلبَ الحَجَر، وأُعْطيكم قَلبًا مِن لَحْم، وأَجعَلُ روحي في أَحْشائِكم وأَجعَلُكمِ تَسيرونَ على فَرائِضي وتَحفَظونَ أَحْكامي وتَعمَلون بِها (حزقيال 36: 26-27).

 

أخيرا يحثنا يوحنا الإنجيلي أن نشاركه إيمانه بأن "يسوع هو المسيح، ابن الله" إذ اختتم إنجيله الطَّاهر "إِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه" (يوحنا 20: 31)، إذ بفضل الإيمان "بالكلمة" المُتجسِّد نصير أبناء الله (يوحنا 1: 9-14).

 

 

الخلاصة

 

بعد أن عاد يسوع من كفرناحوم إلى النَّاصرة، أخذ يعظ في المَجمَع يوم السبت بكل حكمة وثقة، وكان الكثيرون من أهل الناصرة يسمعون ويتعجَّبون من حكمته وقوته في المعجزات، لكنَّهم لم يروا فيه نييَّا بل نَجَّارًا، عاملا عاديًا ليس أفضل منهم، بل هو كان واحدًا نظيرهم، ولم يقبلوه كمرسل من الله بسبب معرفتهم السابقة به وبعائلته. فأثار دهشتهم أولًا (مرقس 6: 2)، ثم أصبح لهم حجر عثرة (مرقس 6: 3). ولم يستطع يسوع أن يصنع هناك أية معجزة عظيمة، سوى أنه شفى بعض المرضى بوضع يديه عليهم، وكان متعجِّبًا من عدم إيمانهم.

 

بالرَّغم من أنَّ يسوع طّبَّق على نفسه المثل المأثور آنذاك "لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه" (مرقس 6: 4)، لكن لم يكن يسوع أول نبي يُرفض في وطنه، فقد سبق أن اختبر إرميا النَّبي رفض مواطنوه ورفض عائلته له (ارميا 12: 5-6). ولكن هذا الرَّفض لا يُقلِّل من أهميَّة عمل رسالة النَّبي. فلا يلزم أن يكون الشَّخص محترما أو مكرَّما من الآخرين ليكون مرسلا من الله.

 

كما اختبر الرَّبّ يسوع الرَّفض، وأعدّ الرُّسل لأنّ يتوقّعوا الرَّفض، كذلك تختبر الكنيسة اليوم سوء الفهم، لكّنها تواصل التَّبشير والتَّعليم والخدمة باسم الرَّبّ يسوع، لأنّ الكنيسة مدعوّة لتواصل خدمة الرَّبّ يسوع، سواء كانت مقبولة أو مرفوضة.  وأن رفض أهل النَّاصرة ليسوع إعلانًا مسبقًا لما سيفعله الشَّعب اليهودي بيسوع. وخلاصة القول، لم يشأ يسوع أن يصنع المُعْجِزات لعَدَم إيمان أهل النَّاصرة برسالته. لذلك توجّه يسوع إلى قرى أخرى ساعيًا وراء الذين يتجاوبون مع رسالته ومعجزاته. 

 

 

دعاء

 

أيها الآب السَّماوي، أنت يا من أرسلتَ ابنك الحبيب إلى أرضنا ليُعلمنا طرقَ الخلاص، أعطنا نعمة الإيمان لكي تحل فينا قدرته الإلهيَّة فلا ننغلق على ذواتنا فنرفض المسيح، بل ننفتح على هبة المسيح فنرى فيه ليس إنسانا فحسب، إنما نبيا مقتدرًا ومسيحًا مخلصًا وإلهًا عظيمًا الذي يقودنا إلى الطَّريق والحق والحياة. آمين