موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في الوقت الذي تسير فيه المرأة في أجزاء أخرى من العالم، بخطًى ثابتة نحو أعلى المراكز في الدول، لا تزال المرأة العربيّة تُعارك من أجل أبسط حقوقها، وهي المساواة بينها وبين الرجل في المواطنة والحقوق. تستمع المرأة إلى الأخبار المتواردة من البرلمانات الأوروبّيّة، أو تصفّق لفوز امرأة بمقعد رئاسة الوزراء كما في ألمانيا أو بريطانيا، أو تفرح لتشكيل حكومة وزاريّة أغلبها من النساء كما في إسبانيا؛ في حين أكبرُ طموحاتها في كثير من الدول العربيّة، أنْ تستطيع إعطاء أبنائها جنسيّتَها أسوةً بالرجل. تُشارك المرأة الرجل في العالم العربيّ في كلّ الواجبات: تدفع الضرائب، وتخدم الدولة، وتتحمّل أعباء الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة، وتقف في طوابير العيش (الطعام) في بعض البلدان، وفي طوابير الانتخابات -إنْ وُجِدت- تلبيةً لنداء المواطنة، وتلتزم القوانين، وعند مخالفتها تتحمّل العقوبات نفسها؛ ولكنْ عندما يصل الأمر إلى الحقوق، فالمساواة تبدو بعيدة. تُواجه النساء معَ الرجال تحدّيات مشتركة في ما يتعلّق بالسياسة. فحُلم الوصول إلى مركز سياسيّ في الدولة، بعيدٌ أيضًا عن أغلبيّة الرجال؛ لاعتبارات تتعلّق بعدم وجود أحزاب حقيقيّة، تتنافس بطريقة ديمقراطيّة في أغلب الدول العربيّة، إلّا أنّ التحدّيَ الذي تُواجهه المرأة يبدو مضاعفًا. فحتّى وإن استطاعت المرأة تسلّق جبال الموانع السياسيّة، وأثبتَتْ كفاءَتها وجدارتها بالعمل بما لا يدع مجالًا للشكّ في قدراتها، فإنّها ستجد نفسها أمام جبل جديد من رفض المجتمع، الذي ما زال ينظر إلى المرأة بدونيّة، ولا يأخذ شهاداتها وخبراتها على محمل الجدّ، بل ويضعُها دائمًا في دائرة الشكّ؛ ما يزيد من أعبائِها، ويضاعف من مجهودها في إثبات نفسها. لهذا، وجدَت الكثيرُ من الحركات النِّسْوِيّة أنّ هدفها الأوّل هو المجتمع، فركّزَت جُلَّ عملها على المرأة في كلّ مكان هي فيه، في البادية أو القرية أو المدينة. فتشجيع المرأة على العمل، ونظرُها إلى نفسها كمُواطن حُرٍّ، لا يأتِيَان إلّا من خلال تمكينها، ومعرفتها لقيمتها. أغلب هذه الحركات ليست مدعومة، وتعتمد على التطوّع والإيمان المطلق بالفكرة. فاستطاعت في وقت قياسيّ دعم الكثير من النساء وتمكينهنّ، خصوصًا وأنّ بعض الحركات النِّسْوِيّة تتشكّل مِن متطوّعات في شتّى المجالات. فتَجِد الحقوقيّات اللواتي يناصِرْن المرأة المظلومة، حتّى وإنْ لم تملك أتعابَ المحاماة، وتَجِد الخبيرات في مجال مؤسّسات المجتمع المدنيّ، اللواتي يُساعِدْنَ النساء المُعنَّفات أو الهاربات من أوضاع اجتماعيّة صعبة، وهناك الصحفيّات والكاتبات والمؤثّرات في وسائل الاتّصال الاجتماعيّ، اللواتي يُساهِمْنَ بشكل كبير في إلقاء الضوء على بعض القضايا الكبرى، والتأثير في المجتمع لحلّها. كلّ هذا التعاون المنظّم أدّى إلى نجاحات ملموسة، ومنها الدفع بتغيير بعض القوانين المُجحفة بحقّ المرأة، معَ الوعيِ التامِّ بأنّ الطريق ما زال طويلًا وشاقًّا. تطوّرت الحركات النِّسْوِيّة في بعض الدول، ومنها تونس والأردن وغيرهما من الدول العربيّة، وتضامنَت معَ حركات أُخرى شبابيّة ونقابيّة؛ لتسليط الضوء على قضايا سياسيّة أو اقتصاديّة حسّاسة، وبرزتْ أهمّيّتها بشكل كبير في الحراك الأخير في الأردن، حيث خرجت الجماهير رافضةً لقانون الضريبة، الذي يُحمِّل المواطن الأردنيّ أعباءً لم يعُدْ يقوى على حملها. ومع أنّ الحراك شمل المجتمع بكلّ أطيافه نساءً ورجالًا وعوائلَ، إلّا أنّ الدور الكبير الذي قامت به الحركات النِّسْوِيّة لا يخفى على أحد. فخِبرتها بالتنظيم والحشد والتأثير كانت واضحة وضوح الشمس، ووجود النساء في الشوارع بأعداد كبيرة، وأحيانًا في ساعات مُتأخّرة من ليالي رمضان، بشكل حضاريّ وراقٍ، ودون وقوع أيّ مُشكلات تُذكر- أنّما يُعدّ دليلًا إيجابيًّا على أنّ المجتمع يتغيّر، وأنّ اليوم وغدًا ليْسَا كالأمس. بعد نجاح الإضراب، وتغيير الحكومة، وإلغاء قانون الضريبة، نحنُ أمام مرحلة جديدة في الأردن، مرحلة سيكون فيها للشعب صوتٌ مسموعٌ. هذا النجاح ستحصد المرأة ثمارَه أيضًا؛ لأنّها كانت جزءًا فعّالًا ومُهمًّا في حصوله، وسيظهر الأمر جليًّا في الانتخابات النيابيّة القادمة، خصوصًا بعد تذمُّر معظم أطياف الشعب على تقاعُس دَور البرلمان في الحديث باسم الشعب؛ ما زادَ الوعيَ بأهمّيّة انتخاب الشخص المناسب ووضعه في المكان المناسب، بناءً على جدارته، لا على دينه أو قبيلته أو ماله؛ وبأهمية مجلس نيابيّ يتحدّث باسم الشعب، تكون فيه المرأة حاضرةً بقوّة، وبجدارة استحقّتها. (نقلا عن taadudiya.com)