موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٤ يوليو / تموز ٢٠١٨

الكلمة المفقودة في عالمنا اليوم

بقلم :
رائد نيسان حنا - العراق

موضوع في غاية الأهمية ونحن نفتقر لوجوده في عالمنا اليوم. نجد أن كلمة محبة في لغتنا صارت كلمة دارجة مستهلكة فقدت في الواقع كل معنى لها. الكثير من الأمور مفقودة في عالمنا ولكن أهمها والرئيسية هي المحبة وإذ وجدت المحبة وجد السلام والرحمة ووالخ، وحيث يوجد محبة هناك سلام ورحمة، وغياب المحبة غياب السلام والرحمة والخ... لا شك أن أعظم صفة يمكن أن يتصف بها أي إنسان مهما كان مركزه وكانت درجة ثقافته هي المحبة. يحتاج إليها رئيس الدولة والوزراء والخدام والفقراء، يحتاج إليها القساوسة والرعاة والأطباء والمحامون والآباء والأمهات والأزواج والزوجات، والأبناء والبنات. المحبة هي من الكلمات المفقودة في عالمنا اليوم، وهي كذلك من أكثر الكلمات التي يشعر المرء بحاجته إليها، لأن غيابها عن حياتنا يضعنا في لحظات صعبة جداً، وأمام مواجهات تكاد تسحقنا من الآلام وربما نصل إلى الموت أيضاً نتيجة غياب المحبة. فقد العالم معنى المحبة عندما أصبح كل واحد منا يفكر في نفسه وفقط في نفسه، وصلنا إلى لحظات أصبحنا كالوحوش الكاسرة على هذه الأرض، نريد أن نبتلع الجميع، القوي يأكل الضعيف ويسحقه، فقدنا كل معاني المحبة والرحمة تجاه إخوتنا لأننا فقدنا إنسانيتنا نتيجة عدم وجود المحبة. عالمنا اليوم يعاني من نقص المحبة ويعاني من فقدانها. والبشرية اليوم في حاجة ملحة ومدعوة بإلحاح وإشفاق إلى أن تسلك طريق المحبة. ونشير إلى أن عالم اليوم يعاني من فقدان المحبة في معظم تعاملاته ومسالكه وسياساته. وأصبحت ظاهرة واضحة من الحياة المعايشة وتعامل البشرية اليوم مع كل للاحداث، لم يترك الإنسان مسيرة طاهرة، وسيرة حسنة، وقدوة مشرفة. وهذا واضح من خلال التعامل وأداب العلاقات. ونجد الحروب والمعارك، فويلات الحروب لا تخفى، ونتائجه الهلاك. المحبة التي يمنحها الله لنا هي المحبة الحقيقية، إنها المحبة غير المشروطة، المحبة بلا مقابل. وعظمة هذه المحبة تجلّت بالصليب، حيث ضحّى المسيح بحياته من أجل من يحبّ. لا يمكننا أن نشعر بالمحبة الصادقة الحقيقية إلا من خلال محبة الله لنا. ولا يمكننا أن نمارس المحبة الحقيقية إلا عندما نقدّم نحن المحبة غير المشروطة لمن نحبّ. ولتكن كلمات الكتاب المقدس دليلاً ومرشدًا لنا في المحبة: "وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً" (أفسس 5: 2). هل تقدّم المحبة منتظرًا المقابل؟ هل تحبّ ضمن شروط؟ هل تحب بحسب الظروف؟ هل المزاج يتحكّم بكيف تحبّ الآخرين؟ هل تعتبر البعض غير مستحقين لمحبتك؟ هل تحجب المحبة وتقدّم المحبة كما تشاء؟ هل تعاقب غيرك بحجب محبتك لهم؟ المحبة هي كلمة سامية جداً، تضع البشر جميعاً بنفس المستوى، هي من تحقق الإنسانية الجديدة التي يطمح إليها جميع شعوب العالم، المحبة هي تطور الفرد وبالتالي تطور المجتمع الإنساني بأسره، عند وجودها نشعر بقيمة كل إنسان وان كل واحد هو مهم على هذه الأرض، نشعر بالسلام ونشعر أيضاً بالحرية والاطمئنان، وهي من يعطي الفرح والسعادة والسلام للجميع. فغياب المحبة غياب الرحمة والعدالة والسلام والاطمئنان والخ... فعدم تواجد المحبة غياب مشتقاتها، وفقدان المحبة فقدان مشتقاتها، فعندما نفقد المحبة التي هي الصفة الرئيسية نفقد جميع مشتقاتها. ويمكن القول لو كانت المحبة موجودة في عالمنا لكان عالمنا بخير ويعيش بسلام وسبب فقدانها هو الإنسان. عندما نود أن نستعرض الحالات التي تفككت وتهدمت نكتشف الكثير منها. وبهذا الصدد سنتحدث عن الكلمة المفقودة في عالمنا اليوم والتي بدونها تفككت البشرية جمعاء، نأمل ألا تعيش وتستمر البشرية مثل هذه الحالات... هناك عائلات وأصدقاء وجيران تمزقت وتفككت ونمت وامتدت فروعها واستمرت على مانشأت عليها من تفككات في الروابط العائلية ونرى ذلك إلى أكثر من سبب وأهمها غياب المحبة ومشتقاتها تأتي حين تتواجد المحبة فعندما تكون المحبة رقما منسيا في العائلة أو في الروابط الاجتماعية تتفكك، فالبيوت والعلاقات والمجتمع بأكمله تتوقف على هذه الكلمة المفقودة وحين تكون مبنية على المحبة ستكون مغمورة وملؤها السلام وعندما نعصرها سنحصل على منتجاتها... فالمحبة تؤدي دورها بفاعلية ويلزم المحافظة عليها وعلى نموها وإلا قد نصل إلى نقطة انهيار في العلاقات. ويجب أيضا أن ندرك ما الذي قادنا إلى هذه النقطة المأساوية. ولعلنا نجد الكثير من التفسيرات لهذا الموضوع لان الحقيقة هي أن معظم مشاكلنا وتفككاتنا تنبع أساسا من عدم تواجد المحبة في العلاقات التي تصيب وتقودنا إلى مشاكل زوجية وعائلية وفي التواصل والعمل ومشاكل اجتماعية ودينية وعرقية ومشاكل خاصة بالنزاع. وان هذه المشاكل هو تحطيم العلاقات والنتيجة النهائية هي ما يسميه علم النفس بالتنافر والتباعد (الانفصال عن الآخرين وعدم التفاعل من خلال العلاقات. قد يدفع العالم الثمن غاليا إذ استمر بمنهج التفكك... والخ... ونلاحظ توسعت دوائر التفككات على واقعنا في حياة العائلات والجيران والأصدقاء أصبحت مهددة تفتقر لوجود المحبة في حياتهم المتفككة وفي علاقاتهم الاجتماعية والعائلية. كلمة غائبة يفتقر إليها العالم اجمع، الكثير من الانحلال العلاقات وتفككاتها سببها غياب المحبة التي نلاحظها في مجتمعنا المنحل أدبيا أصبحت كلمة المحبة غائبة ومازالت غائبة إلى يومنا هذا. ومن المهم أن ندرك بدون المحبة لا تستمر علاقاتنا مع الآخرين وهذا متوقف على هذا الأمر. فالمحبة مهمة وضرورية والعمل والسعي بها من خلال تعاملاتنا مع الآخرين وبدونها ستتكاثر التفكك العلاقات... وهي التي تجعل أفعالنا وأعمالنا نافعة وينبغي تظهر فينا من خلال العلاقات وتمكينها. لماذا تفوق المحبة كل الصفات الحسنة؟ يعطي بولس الرسول أحسن إجابة على هذا السؤال في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يقول فيها (لو تكلمت بلغات الناس والملائكة، ولا محبة عندي، فما أنا إلا نحاس يطن أو صنج يرن. ولو وهبني الله النبوة وكنت عارف كل سر وكل علم، ولي الإيمان الكامل أنقل به الجبال، ولا عندي محبة، فما أنا بشيء. ولو فرقت جميع أموالي وسلمت جسدي حتى أفتخر، ولا محبة عندي، فما ينفعني شيء). عزيزي القارئ فهل أنت تتميز بصفة المحبة؟ لا شك أن المحبة هي أعظم قوة في الوجود، العالم بدون المحبة لا ينفع شيئا، المحبة هي التي تغير عالمنا. الإنسان مهما كان غنيا أو مشهورا أو مهما كانت منصبه وليس له محبة لا ينفع شيئا ومن اليقين والواضح بدون المحبة لا نفع لشيء. الإنسان في علاقاته وأعماله اليومية إن لم تكن بدافع المحبة فلا نفع له لشيء تكون باطلة بدون المحبة أو بسبب غياب المحبة. ويمكن تلخيص الأعمال والأمور والعلاقات في المحبة وكما يقول في كورنثوس الأولى 16 : 14 اعملوا كل شيء بمحبة. المحبة من المفاهيم الأساسية التي تحتل مكان الصدارة في تعاليم معلمنا المسيح. من هنا نلاحظ أن المحبة ترتبط في تعاليم المسيح أشد الارتباط بالبذل والعطاء والتضحية. وإذا تأملنا مليا في هذا المفهوم وجدناه يمثل طاقة التحول الأولى التي لا يستقيم بغيرها عمل أو موهبة أو صفة من الصفات. فالعلم والمعرفة بلا محبة لا يعنيان شيئا. والعطاء بلا محبة لا يعني شيئا. والتضحية بلا محبة لا تعني شيئا.والطاعة والصدق والوفاء والكمال والشجاعة وكل الصفات الأخرى لا تعني شيئا بلا محبة. لأنها جميعها بلا محبة نتيجتها الزوال وهذه هي الفكرة التي يقوم عليها الفصل 13: 13 من رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، حيث يلخص قوله: أن هذه الثلاثة باقية: الإيمان، والرجاء، والمحبة. لكن أعظم هذه الثلاثة هي المحبة. ادعوك أن تبحث عن مصدر المحبة وتتحلى بها تعيشها وتطبقها عمليا في حياتك ومع الآخرين (لان المحبة هي من الله). اقرأ في كلمة الله ماذا تقول في 1 يوحنا 4: والآيات 7 و8 و16 (فليحب بعضنا بعضا، أيها الأحباء لان المحبة من الله وكل محب مولود من الله ويعرف الله من لا يحب لا يعرف الله، لان الله محبة)، (نحن نعرف محبة الله لنا ونؤمن بها. الله محبة. من ثبت في المحبة ثبت في الله وثبت الله فيه). يدعونا الله أن نتمسك في محبته ونحب بعضنا بعضا ونتعلم من محبته لنا وكيف نحب البشر من حولنا. هل سألت يوما هذا السؤال: لماذا تفشل وتتفكك العلاقات بين الناس وبين الأزواج، وما الذي يسبب في تحطيم تلك العلاقات؟ ادعوك لتفكر بهذا السؤال المطروح لك. أن انهيار العلاقات البشرية تتحطم وتنفصل وتنكسر والتي تؤدي بها إلى انفكاك ونزاعات وتمزق وتحطيم الروابط العائلية والزوجية، وتهدمت بيوت كثيرة بل انحلت عروش ملوك عديدين والكثير من العلاقات تهدمت بين الأصدقاء والأزواج والأقارب والعائلات والجيران. بسبب عدم وجود المحبة مترابطة بينهم، مهما تكن درجة العلاقة إن لم تكن محبة بينهم وتربطهم ستتحطم وتنهار وتؤدي إلى إفشال العلاقة. عندما نفقد المحبة نفقد العلاقات وتؤدي بنا إلى فقدان العلاقات وضياعها والنتيجة واضحة. أن السبب والعائق في تمزيق العلاقات وإفشالها هي عدم تواجد رابطة المحبة تربطهم به. ويبين البشير متى 24 : 12 "وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ". الانحلال الأخلاقي، يأتي كمرض مدمر، هو فقدان المحبة الصادقة لله وللآخرين، فالخطية تجعل محبتك لله وللآخرين تبرد، بتحويل كل اهتمامك إلى ذاتك، فإنك لا تقدر أن تحب حقيقة إذا كنت تفكر في نفسك فقط. وستتناقص العواطف البشريّة تدريجيًّا مع ازدياد الشرّ وهيجانه. وتصبح أعمال الكراهيّة أمرًا مألوفًا. وهنا علينا أن نطرح سؤال ما هي الأسباب التي تؤدي إلى فقدان أو انفكاك العلاقات؟ نرى في حياتنا اليومية ونسمع الكثير من العلاقات تتهدم وتتفكك وتنفصل عن بعضها البعض والسبب هو غياب المحبة. كم يحزننا أن نرى في المسيحية تحزبات وانقسامات وتنافر وعداوة بدلا من المحبة ليكن المحبة هو الذي نعيش فيه ونستنشقه لان هذا هو جو المسيحية الصحيحة. ما أعظم حاجة عالمنا إلى التكافل... ما أحوجنا إلى ترابط تجمعنا فيه رباط المحبة في علاقاتنا. ما أحوج عالمنا لرؤية نموذج للفضائل في حياة الناس من خلال المحبة. لقد تعب العالم من سماع الكلام والدروس النظرية عن الفضائل وهو يحتاج إلى درس عملي يرى فيه هذا الثمر التساعي معاشا عمليا في حياة الناس كل يوم. المحبة سواء استخدمت عن الله أو الإنسان، هي الرغبة الحارة المتلهفة لأجل خير المحبوب، والاهتمام العظيم برفاهته. والمحبة لكلا الله والإنسان أساسية للديانة الحقيقية، سواء كما هي موضحة في العهد القديم أم العهد الجديد. وقد صرح الرب يسوع نفسه أن كل الناموس والأنبياء يتوقف على المحبة (متى22: 37-39)، (مرقس 12: 28-34). والرسول بولس، في أنشودته الفريدة عن المحبة (كورنثوس الأولى 13)، يجعلها أعظم الفضائل أو النعم في الحياة المسيحية، أعظم من التكلم بالألسنة، أو موهبة النبوة، أو اقتناء إيمان فائق السمو، لأنه بدون المحبة، كل هذه المواهب والنعم، مهما تكن مرغوبة ونافعة في حد ذاتها، تكون كلا شيء، وبلا قيمة دائمة في نظر الله. ولا يعني هذا أن الرب يسوع أو الرسول بولس يقلل من قيمة الإيمان الذي منه تنبع كل النعم، فنعمة الإيمان هذه معترف بها كنعمة أساسية في جميع معاملات الله مع الإنسان ومعاملات الإنسان مع الله (يوحنا 6: 28 و29)، (عبرانيين 11: 6) لكن كليهما على السواء يحسبان أن الإيمان ما هو إلا عقيدة عديمة الأثر وباطلة ما لم يظهر نفسه في المحبة لكلا الله والإنسان. وكما أن المحبة هي أسمى تعبير عن الله وعلاقته بالجنس البشري، كذلك يجب أن تكون أسمى تعبير عن علاقة الإنسان بخالقه وبأخيه الإنسان. وأخيرًا: إذا سمح العالم للروح القدس أن يسيطر على حياتهم ستكون علاقتهم بالله مليئة بالمحبة والفرح والسلام وستكون صلتهم بالناس صلة نموذجية تحكمها طول الأناة واللطف والصلاح، أما صلتهم الشخصية بنفوسهم فستكون عامرة بثقة الإيمان، والوداعة، والتعفف. وليس على العكس الذي نراه في عالمنا اليوم من خلافات وخصومات وانشقاقات وفشل وتمزيق والنتيجة ستكون التنافر خطير وكارثة. يجب أن نطلب الامتلاء من الروح القدس، وأن نعطيه السيطرة على حياتنا، لنستطيع أن نحب الله أبانا بكل قلوبنا، فينمو فينا ثمر الروح الذي هو المحبة، فنحب الآخرين، سواء كانوا يحبوننا أو لا يحبوننا. وعندما نبدأ بحب الآخرين، يعرفون المسيح الذي علمنا الحب النقي الصادق، الذي يعطي ولا ينتظر أخذ، ويجدون فينا تطبيقا عمليا للقول الرسولي: وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر، وضمير صالح، وإيمان بلا رياء (تيموثاوس الاولى 1: 5).