موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٧ أغسطس / آب ٢٠٢٤

الكتاب الخامس: كتاب تثنية الاشتراع

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
هذا الكتابُ يُلقَّبُ بتثنيةٍ أيْ بإعادَةِ الشّريعةِ قالوا في الإعادَةِ إفادة

هذا الكتابُ يُلقَّبُ بتثنيةٍ أيْ بإعادَةِ الشّريعةِ قالوا في الإعادَةِ إفادة

 

يبدأ الأب منويل بدر بالكتاب الخامس من التوراة، وهو كتاب تثنية الاشتراع. وهذه أهم أفكاره:

 

الكتاب الخامس: كتاب تثنية الاشتراع

 

هذا كتابُ التّوراةِ الخامسُ يقومُ على وَحْدَةٍ أدبيَّةٍ أخلاقِيَّةٍ رائعة

لا أخبارٌ تاريخيّةٌ والشّعْبُ سائِرٌ وُجْهتُهُ أرضَ الميعادِ الواسعة

 

الكِتابُ بِأكْمَلِهِ هُوَ خِطاباتٌ لموسى وتوجيهاتٌ لشَعْبِهِ في طريقه

يَنتهي بِنَشيدِه الوافي الطّويلِ قَبْلَ أنْ تُوافيهِ المَنِيَّةُ بخلافَةِ صديقه

 

هذا الكتابُ يُلقَّبُ بتثنيةٍ أيْ بإعادَةِ الشّريعةِ قالوا في الإعادَةِ إفادة

يُلْقيها موسى على مسامِعِ الشّعْب بِخِطاباتٍ لَكِنْ ليس كلُّها مُعادة

 

القِسْمُ الرئيسيُّ ليسَ فقطْ إعادةَ الشّرائِعِ والقوانينِ بَلْ وعظٌ وتعليم

كما وتذكيرٌ وتحذيرٌ كانَ مـوسى يُلْقيها على الشّعْب كَقاضٍ حكيم

 

تعليمُ موسى كانَ مُوَجَّهاً إلى إسرائيلَ كلِّه مباشرةً وغيرِ مباشرة

البُرْهانُ تَأَرْجُحُهُ بين أنتَ وهُوَ وأنتُمُ الشّعْبُ أيْ مُسْتَمِعِيِ الحارة

 

اسْمَعْ يا إسرائيلُ كَلِماتٌ تتكرَّرُ في بِدايةِ خِطاباتِ موسى اليوميّة

إنّ الرّبّ إلهَنا ربٌّ واحدٌ فما هذا جديدٌ على مسامِعِ القَوْمِ العاديّة

 

هذا المَرْجِعُ كانَ نُقْطةَ اللِّقاءِ والانطلاقِ والتّلاقي لِكُلِّ فِكْرٍ وعمل

فإسرائيلُ هو الشّعْب الوحيدُ الّذي كان إلههُ أوحدُ كُلَّ حياتِه شمل

 

هُوَ يهوى الّذي تَجَلّى له في عُلّيقَةٍ مُحْتَرِقَةٍ وأَمَرَهُ وحْدَهُ أنْ يَعْبُد

إذْ هوَ وحدُهُ الخالِقُ وَهْوَ وحدُهُ الّذي خَلَّصهُ مِنْ عُبودِيَّةٍ لا تُحْمَد

 

كتابُ الاشتراع لا يَكْتُبُ تاريخاً جديداً بَلْ يروي ويُذَكِّرُ بالتجلي

أمّا مواعِظُهُ فتقومُ دائِماً على الرُّجوعِ إلى مراحِلِ التّاريخِ الأَوَّلي

 

مِنْها الوَعْدُ بالخلاصِ والخُروجُ مِنْ مِصرَ وإِعْطاءُ شريعَةِ سيناء

فاجْتِيازُ البَرِّيَّةِ ثُمَّ الدُّخولُ في أرضِ الميعادِ حَيْثُ السَّعادَةُ والهناء

 

المَرْحلةُ الآخيرةُ الكُبْرى هذي تُشيرُ إلى المُسْتقبَلِ مِنْ أعمالِ الله

لذا يجبُ التَّذْكيرُ بِها دَوماً ففيها قدرَةُ الله الّتي رآها الشّعْب بعيناه

 

مُعْتَقَدُ إسرائيلَ مِنْ أقدمِ الأيّامِ هُوَ اكْتِشافُ مآثرِ الرّبّ مَعَ شعبِه

وهذا هو قلبُ كتابِ تثنية الاشتراع يَذْكُرُهُ مُؤكِّداً له عظيمَ حُبِّه

 

أمّا أحداثُ الماضي هذي فما هِيَ إلّا الدّليلُ الأعظمُ لأمَانةِ يهوى

أمّا الدّليلُ الثّاني فَهُمْ ناقِلو كلامِ يهوى وعلى رأْسِهِمِ النَّبيُّ موسى

 

أمّا أهمُّ ما أصدَرَهُ موسى لشعبِهِ فكانتِ الشّريعةُ الدّائمةُ وللأبد

كما ولا ننسى دورَ اللّاويّينَ في تفسيرِ ما استعصى منها وتعقّد

 

هذيِ الأدِلَّةُ الّتي كانتْ بِيَدِ إسرائيلَ كانتْ قُوَّةَ شعبِ الله في العالم

إذْ هُوَ وحدُهُ كانَ يَعْتَرِفُ أنَّ إلهَهُ ليسَ فقط قريباً بَلْ حتّى لهُ يتكلّم

 

فهذا الرّبُّ وحيدٌ في نَظَرِ إسرائيلَ أمّا الآلهةُ الأُخرى فَهْيَ جامدة

لا تتحاكى ولا تُحاكي بلْ تَخافُ مِنْ أَتْباعِها وتُخِيفُهُمْ وَهْيَ خامدة

 

هذي ميِّزةٌ فريدةٌ في كتاب تثنية الاشتراع ما لها مثيلٌ في التوراة

إلهُهُ أوّلُ مَنْ أمَرَ ببناءَ قدسِ الأقداس لِلِقاءِ شعبِهِ حتّى ولو لم يراه

 

لذا نَفُوا مِنْ بينِهِمْ كلَّ عِبادةٍ فرديّةٍ تَقْسِمُ عبادةَ الرّبّ كفي حوريب

قوّتُها وَحْدةُ وفرديّةُ الشّريعةِ الّتي حدّدتِ الطّريق للشّعبِ الحبيب

 

فوَحْدويَّةُ تعليمِ تثنية الاشتراع تؤدّي لوحدويّةِ السُّلوكِ في الحياة

إلهٌ واحدٌ ومَقْدِسٌ واحِدٌ وشريعةٌ واحِدةٌ وشعبٌ واحدٌ تحت سماه

 

فلهذي الوحْدويّاتِ النّادرةِ اختارَه الله ليكونَ مثالاً للشُّعوبِ حوله

وعامَلَهُ كمُعامَلَةِ الأبِ لابْنِهِ وعلى صِغَرِهِ بجميعِ الصّفاتِ جمّله

 

اخْتيارُ الله المُتَأصِّلُ في أحداثِ الماضي يَتَجَدَّدُ مِنْ جِيلٍ إلى جيل

فلا بُدَّ لِكُلِّ جيلٍ أنْ يَعْتَرِفَ أنَّ إلهَهُ يُناديهِ اليومَ وما عَنْهُ أيُّ بديل

 

وأَنْ يَسْمعَ نِداءَهُ ويُجيبَ عليهِ ويَلْتَزِمَ بعِبادَتِهِ بِكُلِّ عَقْلِهِ وكُلِّ قلبه

ثُمَّ يَحْفظَ العَهْدَ بَلْ ويَنْبُذَ التَّواطُؤَ مَعِ الشُّعوبِ ويَضَعَ يدَهُ بِيَدِ ربه

 

هكذا يكونُ الإنسانُ بارّاً ويَجْعَلُ مِنْ حياتِهِ كُلِّها شهادةً للإيمان

حتّى في وقتِ الضّيقِ والحُروبِ فَمَنْ يبَقى مُؤمِناً يعيش بأمان

 

بَلْ وحِفْظُ الأمانَةِ للشّريعَةِ يُدخِلُ إسرائيلَ في أَحْداثِ الخلاص

ويَجْعلُهُمْ يتَّخِذونَ القراراتِ والمواقِفَ للحياة الّتي هي الأساس

 

هـو يهوى الّذي قادَهُمْ إلى أرضِ كنعانَ فعَلَيْهِمْ تقادِمُ مِنْ بواكيرها

أما الاحتفال بالأعيادِ والسّبْتِ وإحياءُ ذِكْرِ الخروجِ فمِنْ مشاهيرها

 

ويُطعِموا الفقيرَ ويُعْرِضُوا عَنْ ظُلْمِ مَنْ كان حتّى مِنَ المصريين

فذاكَ دليلٌ على انتصارِ العَقْلِ السّليمِ فِيْهِمْ وتَضامُنٌ مَعَ الغريبين

 

وهناكَ فرائِضُ عَمَلِيَّةٌ كثيرةٌ يجبُ مُمارسَتُها مِنْ ضِمْنِ الشريعة

مِنْها التَّحسُّنُ بالأعشارِ كُلَّ ثلاثِ سنواتٍ وإِبْراءُ الدُّيونِ المريعة

 

لإِعْتاقِ العبيدِ قيمةٌ كبيرةٌ في الشّريعَةَ والْتِقاطِ فَضَلاتِ المُزارع

يُشدِّدُ عليها كتابُ تثنية الاشتراع ويُذَكِّرُ بها بِلُغَةٍ وأُسْلوبٍ بارع

 

وذلكَ في قِسْمِه الأوَّلِ إذْ كانَتْ وَحْدَةُ الشّعْب مُهدّدةً وكانَ ضعيفا

بينَ أُمَمٍ فيها قديرونَ فأغنياءُ لا تحتمِلُ الصّغيرَ ومَنْ يَمْتَلِكُ طفيفا

 

فكانَ مِنَ الضّروري أنْ يُذكِّرَ الكتابُ إسرائيلَ أَنَّهُمْ إخْوةٌ وشعب

بالمَواعِظِ كما بالخِطاباتِ ويَحثّونَهُ كَيْ يُلبِّي نِداءَ الله على الدرب

 

والكتابُ يشرحُ أنْ لا قيمةَ للحياةِ إنْ لَمْ يكُنْ مِحورُها اللقاءَ بالله

وهذا يفترِضُ أنْ يكونَ الإنسانُ أميناً فِي كُلِّ لحظةٍ طالباً رضاه

 

مِنَ الكِتابِ نَفْهَمُ أَنَّ أمامَ المُؤْمِنِ طريقانِ طريقُ الأمانَةِ والسعادة

أو طريقُ التمرُّد والشّقاءِ فبِاْختِيارِهِ يَرْبِطُ مصيرَهُ بهذي الشهادة

 

لا هذا فقطْ بَلْ نَكْتشِفُ أنَّ الشّعْب مِنْ زمنِ الخروج بقى متمرد

فكانتْ شفاعةُ موسى لدى أمانَةِ يهوى الثّابِتَةِ هيَ محطَّةُ التودد

 

فكانتْ حَبْلَ النّجاةِ والخلاصِ لإسرائيلَ أمامَ غضبِ الله العالي

ولو أنَّهُمْ مِراراً وتَكراراً قَدِ اسْتوجبوا الموتَ في شتّى الأحوالِ

 

فاسْتَدْرَكَ الوُعّاظُ الأمرَ إذْ عرَفوا أنَّ الشّعْب لَنْ يبَقَى لربِّه أمينا

وهكذا حَصَلَتِ الكارِثةُ ونفاهُمْ ربُّهُم كما ذكَرَهُ الكتابُ بينَ أيدينا

 

أفكارُ هذا الكتابِ لا تُؤدّي إلى اليأسِ إذِ الخطيئةُ ليستِ الفَصِل

ولا بدَّ أَنْ يأتي يومٌ فيهِ يتوبُ الإنسانُ لربِّهِ فيَرْجَعَ إلى الأصل