موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تميل المخلوقات ميلا فطريا ومكتسبا إلى تفادي المخاطر، إلى حد السخرية منها أو المماطلة في إدراكها، لحد إنكار وجودها من أصله. لا تفعل ذلك المخلوقات العاقلة فقط -وهم بنو آدم وحواء- بل سائر خلق الله سبحانه. يعرف العلماء أكثر من غيرهم أن الفضل في ذلك الميل أو تلك النزعة أو الغريزة إنما هي من لدن الخالق العظيم.
الجو العام في العالم كله وليس فقط في الشرق الأوسط، مشحون بالتوتر والقلق والكآبة. مر الإثنين ثقيلا على الأغنياء والفقراء. سمته الصحافة العالمية «الإثنين الأسود» وهو الأكثر سوادا منذ 1987 بعد تهاوي الأسواق والبورصات، وخسارة بمئات مليارات الدولارات، بين عشية وضحاها. فيما ما زال البعض يصحو ويفيق انتظارا للضربة الإيرانية الانتقامية حتى تحول الحديث بقدرة قادر إلى المخاوف الأكبر وهي ضربة إسرائيلية استباقية سيما وأن التصفيات ما زالت تلاحق حماس وحزب الله وعقر إيران -من طهران إلى أصفهان- رغم كل ما سمعناه من دعوات إلى ضبط النفس.
في الرصد والتحليل، انشغل البعض في النبش بالتاريخ والجغرافيا للتعرف على جذور الصراع بالغة التعقيد. لا تنطلي على أحد فرية أن ما نشهده منذ قرابة العام قد بدأ بكارثة السابع من أكتوبر التي سيعلم الجميع بعد أن تضع الحرب أوزارها بأنها لم تكن حربا بقدر ما هي امتداد حروب سبقت، لم يخف رمادها جمرها، وتأسيس لحروب أكبر وأخطر ما لم يتم التعامل مع «الجذور الحرة» (فري راديكلز) للصراع، تلك التي نسيها معظم المعنيين أو تناساها كآلية الدفاع الذاتي للمخلوقات في مواجهة ما لا يريدون أو لا يقدرون على مواجهته، من مخاطر ذاتية أو خارجية.
لا حاجة للتخصص في الطب أو التغذية لمعرفة أنه فيما يخص الصحة الشخصية أو العامة، فإن تلك الجذور الحرة ما لم يتم الوقاية منها بالاختيارات الغذائية والصحية المناسبة أو التصدي لها بما تعرف بمضادات الأكسدة (آنتي أوكسيدانتس) فإن الأوجاع ستفتك بالجسم، مما يظنها الناس قدرا كآلام المفاصل أو تصلّب الشرايين أو الجلطات القلبية والدماغية.
نعرف ما هي الجذور الحرة فيما تغرق فيه منطقتنا من أخبار القمع والظلم والجهل والفقر والعنف والإرهاب والحروب، فهل أعددنا العدة لمضادات الأكسدة الكفيلة بالتعامل معها حتى لا تتحول الأعراض إلى مرض عضال ومنها السرطانات التي كثير منها بالإمكان الوقاية منها والتعافي منها بجملة اختيارات صحية ومعيشية صحيحة؟ هل تنبّهنا لذلك الإلكترون المنفلت ولا أقول الحر؟ وأي مصادفة هذه التي تشير الكمياء الحيوية إلى أن «السلبية» خطر قاتل وأن «الانفلات» سمّ زعاف، وأن الجمع بينهما أدهى وأمرّ.
ليس سرا أن أكثر ما يتطيّر منه الناس وليس فقط خبراء الأمن والسياسة، هي المخاطر الناج مة عن الخلايا النائمة والذئاب المنفردة. سندخل في نقاش بيزنطي نهايته كما نهاية إسبارطة، إن اعتبرنا أيا منها خطرا بعيدا أو من الممكن التراخي في الحذر منه، مهما كان مستبعدا.
أتبنى المدرسة الواقعية سياسيا، والوقائية الاستباقية أمنيا. هذه القناعة الراسخة أراها فطرية، كأب يحب من يعول، وكأخ ومن قبل كابن، يحب إلى حد الفداء.. فأقول راجيا كل محب للأردن المفدى، من أبنائه المواطنين انتماء جينيا، أو انتسابا بالانتماء والولاء، ومن لاجئيه العارفين بفضله، والوافدين إليه المقيمين تحت جناحيه، أرجوهم جميعا الإكثار من مضادات الأكسدة، -وأهمها كما في التغذية- ذرة ملح وفحل بصل. ذلك الملح الذي لا فساد فيه ويصلح به كل شيء ويطهر، وذلك الفحل الحارق الخارق.. حارق لدهون الترهل، وخارق لكل الطفيليات الواجب كشفها أمام الناس بكل الوسائل المتاحة، من المرافعة السياسية والقضائية إلى المحاضرة والمقالة إلى الفكرة والأنشودة وحتى النكتة. تقصفهم قصفا، فتعرّي سلبيتهم وانفلاتهم وتذكّرهم بأن ربك وجند الوطن لبالمرصاد..
(الدستور الأردنية)