موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في ظل ما نعيشه اليوم من خطر يُهدد العالم برمتّه؛ نشاهد ونسمع عن انتشار فيروس كورونا مسببًا الموت للكثيرين، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات والنشرات الإخبارية ممتلئة بهذا الموضوع، كما أن الناس مختبئة في منازلها خوفًا من هذا الرعب القاتل، نلاحظ بأن سجلات أغلب الناس مليئة بالابتعاد عن الله، حيث لم يعطوا قلوبهم له، وكان انشغالهم أولاً وقبل كل شيء بمصالحهم الشخصية، وليس لطاعة الله، أما في الأوقات الحرجة فيلجئون إليه.
من هذا المنطلق، يظن البعض، ويتساءل الكثيرون، أسئلة تدور في ذهنهم، ويشتكون قائلين: أين الله في أزمة الضيق؟ لماذا اختفى؟ لماذا يحجب الله نفسه في الشدائد؟ وكأنما يقف بعيدًا! ولماذا لا يلتفت إلينا؟ ولماذا ابتعد عنا؟ ولا يسمع صراخنا؟ ويبقوا يتساءلون ولا يتلقون الأمل والإجابات عن تساؤلاتهم، ويظنون إن الله قد نسيهم وابتعد عنهم ولم يعد يلتفت إليهم ويتفقدهم ويسمع تضرعاتهم وصلاتهم وصرخاتهم أو استنجادهم. وهذا ما يصرح به الإنسان اليوم، ونجد في العدد الأول من المزمور العاشر يقول داود: يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟".
فكثيرا ما نسمع هذا الكلام، ولست أزعم أنني احمل الإجابات نيابة عن الله وعنكم، ولكن الواقع يرشدني إلى هذه الأسباب، وهذا رأيي الشخصي، وربما يعترضني ويختلف عني الآخر.
من الضروري أن نفهم طرق الله وتعاملاته معنا وليس من المعقول أن نزعم ونفسر ما يرضينه ونتهمه بأنه تخلى عنا ولا يلتفت لضيقاتنا والإجابة واضحة إذ كنا واقعيين وعلينا الاكتشاف المسببات التي نسببها وعلى الإنسان أن يتحمل نتائج أخطائه والاعتراف بغلطته واليوم قد يراها ويفسرها انه يعاقب بسبب خطيته المسيطرة على حياته والمسؤولية تقع عليه والتي لا يمكن رفضها أو إنكارها.
في الحقيقة، البشر ابتعد عن الله ولم يعد يطلبه، إلا في أوقات الضرورة والعصيبة وأزمات المرض والضيقات، ويدعي أن الله هو الذي ابتعد عنا وأصبح الله في نسيان دائم لا نبحث عنه ولا نحتاجه إلا في حالات الملحة التي ذكرناها للتو. ويوجد من يدعوه بالحق ويخلصون في دعواه الصادقة من كل قلوبهم، ويوجد أناس يدعونه ولكنهم مراؤون يفعلون ذلك وقت الحاجة ثم بعد ذلك ينسون الله ولا يذكرونه أبدًا. ومن الواجب كل حين وليس في الوقت الشدائد والضيقات والمرض فقط فهو قريب دائمًا لمن يطلبونه، وكما يقول داود في مزموره 145: 18 (الرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ).
توجد الكثير من الإجابات لهذه التساؤلات، وهو الخطيئة وبسبب قلب الإنسان الفاسد وكبرياءه وتحجر ضميره وتوغله في شره وعصيانه لله ولطرقه، ويحسب انه لا يحتاج إلى الله. ثم ندعي أن الله ابتعد عنا. كما جاء في (المزامير داود 14: 1) قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: "لَيْسَ إِلهٌ. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا". هذه صورة توضيحية عن تشاؤمهم وهنا ننظر إلى دليل آخر من أفكارهم في (المزامير داود 10: 4) "الشِّرِّيرُ حَسَبَ تَشَامُخِ أَنْفِهِ يَقُولُ: لاَ يُطَالِبُ". كُلُّ أَفْكَارِهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ.أي بمعنى يشمخ بأنفه ولا يسال عن الله، وفي كيده يقول لا اله".
الجهلاء في تصورهم واعتقاداهم المغلوط إن لا اله وهذا بسبب فسادهم القلبي وهذا ما يؤدي إلى إنكار وجود الله. فإذا استمرت البشرية على هذا النحو ستقع في عقبات لا نجاة بعدها ولا منفذ بسبب طرقنا غير المرضية. وأصبح الإنسان لا يذكر الله ولا يبالي وهو في حالة الرفاهية وجيدة وليس في باله وعندما يصطدم ويقع في الشدائد والمرض والضيقات يستغيث ويذكره ويصرخ إليه طالبا العون والنجاة ويقول أين أنت يا الله، لماذا نسيتني، ولماذا تقف بعيدًا، ولماذا تحجب وجهك عني، افعل لي شيئا... ويتذمر ويطلب الإسراع إلى الله لمعونته.
وهذا دليل على أن الإنسان أصبح يحتاج الله فقط في هذه الأوقات أوقات المصالح، ولا يصح أن نبحث عن الله في أوقات نحتاجها ونضعها له نحن أو أوقات التي نريدها أو نقوم بتحديد الأوقات التي نرغب بها وكأننا نحن نتحكم بالله متى نريد أن يسرع إلينا لنجدتنا... وهذه الحالة يتطابق بين الإنسان وإنسان آخر الأصدقاء والجيران... عندما يكونوا في أوقات الرفاهية لا يذكرون أصدقائهم أو جوارينهم ولا يمرون لزيارتهم أو التحدث معهم وعندما يقعون بالمرض أو في وقت الشدة وضيقة يبحثون عنهم لكي يسرعون إليهم لتقديم العون لمساعدتهم ويطلبون منهم العون للوقوف في محنتهم وهذا تشبيه مبسط عن هذه الحالة وفي الحقيقة هذا ما يحدث ويفعلونه مع الله، وهذا هو التعامل الذي يتعاملون مع الله. البشر هو من ابتعد عن الله وأصبح يتعامل معه في وقت المصالح, وليس العكس كما يزعمون. متناسين الله ولا يحتاجونه إلا في أوقات الملحة الاضطرارية كما نقول في لغتنا العراقية الدارجة بهذا التشبيه (ما تجيني إلا بوقت المصالح)، (لا تسأل ولا تسلم) وتأتي الكثير من التحججات والتبريرات (صدقني ما عندي مجال)، (مشغول اني بشغل)، وحجج وتبريرات كثيرة لا تنتهي وكثيرا من الناس ينسون مواقف الله معهم وعندما يجتازونها لا يتذكرونه ولا يشكروه...
ان الهدف من هذا لا يمكننا أن نتعامل معه بهذا الشكل التجاهل والمصالح كما نتعامل مع الآخرين لان بهذا سيلحق بنا الضرر إذا تمادينا وأستمرينا بهذا الاعوجاج, ويجب أن نتوقع حدوث أحداث أسوأ بكثير من التي تأتينا إذ اتبعنا منهجنا المتبع الذي تسبب لنا الأحداث وعدم تكرارها فيجب أن لا نتجاهل هذا الواقع ومع هذا كثيرون سيتجاهلون هذه الوقائع، والله يريد من البشرية الثبات معه في كل الأوقات والأزمنة.
كثيرًا ما يقع إنسان في ظروف صعبة ويصرخ من أقل اللسعات وتمتلئ عيونه بالدموع سريعًا، وأول ما يفكر فيه هو أن يلجأ إلى الله ويقول يا رب أسرع إلى معونتي، ويبدأ بالصلاة والدعاء وينتظر طويلا في بعض الأحيان في استجابة الصلاة، وهنا نجد الخلل في الإنسان وهو البعد عن الله. وقد يسال نفسه يا الله لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟ فإني لا أرى في هذه العبارة إلا ترديدًا لصوت إنسان الشكوك، ولا شكّ أن الله لا يختفي في أزمنة الضيق. إن التفكير السليم لا يقبل بهذا، إما لأنه يقف بعيدًا في بعض الأحيان، فهذا صحيح، والسبب لكي نرجع إليه ونتكل عليه ونقترب منه، لأن كثيرًا من الضيق نسببه لأنفسنا بخطايانا وجهالاتنا، وإذ نتمادى في الخطية يسمح الله لنا بالضيق حتى نحس بالخطأ، وحتى ندرك الابتعاد عن الله ونعود إليه، والسبب الغالب لهذا التساؤل هو ضعف إيماننا واهتمامنا بأنفسنا أكثر مما هو لله. والدليل على ذلك ليس الله يغير موقفة منا لكننا نحن البشر كثيرًا ما نغير موقفنا بالنسبة لله في بعض الأيام، نرى إننا قريبون جدًا من الله نكاد نلمسه ونسمعه بوضوح، وفي بعض الأيام الأخرى نبتعد عن الله. إنّ الله لم يبتعد عنا، وهو لا يريد أن نبتعد عنه، لأن في ابتعادنا خطرًا على حياتنا، كما يحدث عندما ابتعد الابن الضال بعيدًا عن بيت أبيه، والخروف الضال عن راعيه. هكذا هو تشبيه بسيط، فعندما نبتعد عن الله تصيبنا بلا شك المتاعب والضيقات، فيجب أن ننتبه وندرك لهذه الخطورة؛ خطورة الابتعاد عن الله، التي هي مشكلة خطيرة على حياة الإنسان، وبدلاً من أن نلوم أنفسنا، نقول لله (لماذا تقف بعيدًا؟).
لا يمكن أن نستخرج استنتاجات مغلوطة، فبدلاً من نلقي اللوم على الله علينا أن نبحث بالأسباب الحقيقة، وأن نسأل أنفسنا أولاً. من واجب البشرية جمعاء أن تطلب وتعود إلى الله، وأن ترجع إليه، لتجده، كقول إشعيا: "اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ" (55: 6).