موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ما الفرقُ بينَ النَّهرِ الجاري والنَّهرِ الرَّاكِد؟
إنَّ النَّهرَ الجاري نَهرٌ ذو مياهٍ عَذبةٍ يَنجذِبُ إلَيها الإنسانُ، وأمَّا النَّهرُ الراكِدُ فهوَ نَهرٌ ذو مياهٍ نَتِنةٍ يَنفِرُ مِنها المَرءُ.
ويُشبِهُ الحُبُّ نَهرًا يَتدفَّقُ، يَجري ولا يَقِفُ أبدًا.
يُعبِّرُ النَّاسُ عَن استِقبالِهِم للحُبِّ بِحُضورِهِم أمامَ مياهِهِ الجاريةِ. يَتأمَّلونَها مَسحورينَ بِالجمالِ الذي يَغمرُهُم، ويَشعُرونَ معَ تَدفُّقِ هذهِ المياهِ بِتَدفُّقِ الفرحِ في أعماقِهِم.
هذا النَّهرُ المُتدفِّقُ لا يَغمرُ ما حَولَهُ، بَل يَعبُرهُ في حُدودِهِ المُتواضِعةِ مُقدِّمًا الحياةَ لِكُلِّ مَن في طَريقِهِ. وفي كُلِّ إنسانٍ نَهرٌ مُتدفِّقٌ!
في كُلِّ الدِّياناتِ وخارِجَها هُناكَ مَن آثَروا الحُضورَ أمامَ نَهرِ الحُبِّ المُتدفِّقِ في أعماقِهِم وكرَّسوا حياتَهُم مِن أجلِهِ.
إنَّ الحُبَّ شَخصٌ وليسَ دينًا، هوَ غايَةُ كُلِّ إنسانٍ مَهما اختلفَ عِرقُهُ ولَونُهُ وانتِماؤُهُ. فأن نَنتميَ إلى دينٍ ما أو لا، فنَحنُ نَكتشِفُ مِن خِلالِ ذلكَ كيفَ يصِلُ الحُبُّ إلينا. فالبَشرُ بأَجمَعِهم مَوضوعُ الحُبِّ الذي فيهم والذي يتجاوَزُهُم في آنٍ معًا.
فَفي الحُبِّ يَبقى الشَّخصُ شَخصًا تَتجلَّى قوَّةُ عظَمتِهِ في احتِرامِ حُرِّيَّةِ الآخرِ، إذ لا يَرغَبُ فيهِ لِذاتِهِ بل يَرغَبُ أن يُقدِّمَ إليهِ ذاتَهُ ويُشارِكَهُ فيها، كما يَرغبُ أن يَستقبِلَ مِنَ الآخرِ ذاتَهُ ويُشارِكَهُ فَرَحَ اللِّقاءِ.
في الحُبِّ، لا ذوبانَ ولا تلاشٍ، بَل وجودٌ لا يُفهَمُ إلَّا بِحُضورِ آخَرَ. ولا حُدودَ للحُبِّ لأنَّهُ مُشارَكةٌ في كُلِّ شَيءٍ. تَسقُطُ الحُدودُ في تبادُلُ الحُبِّ، لأنَّ الحُبَّ لا يَعرِفُ الحُدودَ، لكنَّهُ لا يَطمِسُ حُدودَ الآخَرِ، فحُدودُهُ أنَّهُ يَبقى في الآخرِ وأمامَ الآخرِ ويَبقى هوَ الآخرُ.
والحُبُّ لِقاءٌ، وهذا اللِّقاءُ استِقبالٌ وعَطاءٌ في حَركةٍ لا نِهايةَ لَها.
من كتاب "نعم للحياة" لميشيل فرنسيس