موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٤ مايو / أيار ٢٠٢٣

استقبال الجديد.. جسورٌ لا أسوار

أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

د. رضوان السيد :

 

العنوان ليس لي بل هو لدومينيك وولتون الذي أجرى مقابلةً مطوَّلةً مع البابا فرانسيس أعطاها هذا العنوان. هناك ثلاثة عناوين أو أولويات عمل عليها وفي نطاقها البابا الحالي منذ توليه عام 2013، على أثر استقالة البابا السابق بنديكتوس السادس عشر (2005-2013)، وهي المرة الثانية في تاريخ البابوية الطويل لأكثر من ألف عام. أولويات البابا الحالي هي: الحوار الشامل داخل الكنيسة الكاثوليكية ومع الديانات والثقافات الأخرى، والرحمة والمحبة بدون حدودٍ ولا أسوار، واستهدافات العناية بمصائر العالَم وبني الإنسان وسط اشتداد الأزمات انطلاقاً من القيم الأخلاقية الإنسانية المشتركة. وكنت قد كتبت قبل أسبوعين عن البابا بعد أن مكث طويلاً في المستشفى.

 

وقرأتُ عدة مقالات في المجلات الإنجليزية والفرنسية حول شائعات استقالته، فالبابا فرانسيس هو صاحب دعوةٍ قويةٍ للإصلاح الداخلي والاتجاه للشباب. ومن ذلك مسائل الإجهاض وتكهين النساء والحملة على إساءات الكهنة للأطفال، والمراجعة الجذرية للأوضاع المالية في الكنيسة، والنظر في إمكانيات الإصغاء لمتغيرات الجندر والنوع. وما استطاع البابا المضيَّ قدماً فيما حاولَه، لمعارضة المحافظين واحتجاجاتهم، وربما أظهر الشباب شعوراً بالخيبة لذلك السبب. 

 

ولدى البابا ملفٌ كبيرٌ يتعلق بتحسين العلاقات مع المسلمين. وقد أبرم وثيقة الأخوّة الإنسانية في أبوظبي مع شيخ الأزهر عام 2019، وزار مصر مرتين، كما زار المغرب ووقّع وثيقةً أُخرى مع الملك محمد السادس. وفي المغرب دعا الكهنةَ لعدم التبشير في ديار المسلمين في كل من أفريقيا وآسيا. وقد لقي ذلك معارضةً فوريةً داخل الأوساط الكاثوليكية. ومنذ العام 2013، تاريخ تولّيه الكرسي البابوي، لا يمر خطابٌ أو بيانٌ أو إعلانٌ للبابا أو رسالة سنوية، إلاّ ويذكر فيها الإسلام وضرورات الأخوّة مع المسلمين، أصحاب الديانة الكبرى التي تجري محاولاتُ عزلها بدون داعٍ ولا مبررٍ سائغ. وقد سمعتُ في لبنان وروما والولايات المتحدة انزعاجات من كلام البابا في عامي 2016 و2017 عن الضيافة والجوار في أوروبا للاجئين المسلمين (السوريين وغيرهم). وهي كلها دعوات ما عرفناها بهذا الوضوح عند البابوات السابقين، وبخاصةٍ بعد كلام البابا السابق بنديكتوس عام 2006 عن «لا عقلانية الإسلام وعنفه»!

 

وفي عامي 2020 و2021 ذكر البابا في رسالتيه السنويتين وثيقة الأخوّة (2019) واقتبس منها عدة صفحات بمناسبة اليوم العالمي للأخوّة الإنسانية الذي أقرته الأمم المتحدة في 4 فبراير من كل عامٍ، احتفاءً بوثيقة الأخوّة الإنسانية الموقعة في أبوظبي يوم 4 فبراير عام 2019. وتكاد الديانة الكاثوليكية تكون أكبر ديانات العالم قاطبةً. وهي الوحيدة التي لم تحدث فيها انشقاقاتٌ عنيفة. ولذا فإنّ الشراكة معها تهمنا، ويهمنا أيضاً أن تجد هذه الديانة الكبيرة الإصلاح الذي صار ضرورياً بحسب البابا فرانسيس. إنها جسورٌ أقامها البابا المحب والشجاع، معنا ومع غيرنا. وفي رسالته الأخيرة قبل أيام هنأ المسلمين بعيد الفطر، وأسِف لأحداث السودان الدامية. وتبقى الجسورُ ما بقيت الإرادات الطيبة، لكنّ البابا فرانسيس يبقى شخصية نادرة.

 

(الاتحاد الإماراتية)