موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٥

ابنة إبراهيم المربوطة

بقلم :
الأخت رانيا خوري - الأردن

أحذية... أقدام متسخة... وحجارة طريق، هذا كل ما أراه! ثماني عشرة سنة...! لا أعرف كيف وصلت إلى هذا الحد من الانحناء حتى بت لا أستطيع أن أنتصب على الإطلاق. أذكر فقط أن كل شيء بدأ منذ ثماني عشرة سنة. شعرت أن الحياة تُثقل كاهلي بحملها، فطأطأت رأسي حزناً، وابتدأت هكذا سلسلة انحناءاتي الطويلة... أبحث في ذاتي عن ذاتي عساني أُعزيها ولا أجدها. كنت كلما أمعنت في الانحناء بحثاً عن فرحي الضائع لا أرى سوى أطراف ثوبي وأقدام الناس المتسخة وعثرات الطريق. عزلتني أحزاني طويلاً عن أفراح الحياة حتى نسيت... نسيت ألوان الغروب الدافئة، نسيت رقصة الطيور الحرة في السماء، نسيت ألوان عيون أحبتي وخطوط انفعالاتهم المتجلية على جباههم والابتسامات المرتسمة على الشفاه. عندما وعيت على علتي، حاولت العودة إلى زماني الجميل، غير أني لم أستطع، فقد أصبحت انحناءاتي مزمنة وانطوائي على ذاتي ضربة لا شفاء منها! التمست الله عوناً لنفسي، فتردّدت على بيته علّي أجد بكلمته العزاء. رافقتني طويلاً كلمة عزاء من المزامير، كان يحلو لي تردادها لتذكير الرب بوعوده.... صليت كثيراً، أحياناً هامسة وأحياناً صارخة بمرارة وأحياناً أخرى بإنشاد مليء بالرجاء قائلة: "سمعت لساناً لم أكن أعرفه، "حططت الحِمل عن كاهله، وانصرفت يداه عن القفة. في الضيق دعوتني فأنقذتك، من حجاب الرعد استجبت لك، عند مياه مريبة امتحنتك" (مز 81: 6ب - 8) توجهت كعاتي يوم السبت إلى المجمع لأصلي ولأصغي لكلمة الرب، لم أكن أعرف أن مستجيب الدعوات، الشافي من كل مرض وعلة حاضر هناك. كنت أصلي بسري، سمعت صوته، أهو يا ترى ذاك اللسان الذي لم أكن أعرفه؟ أتراه ذاك الذي كنت أدعوه بصلاتي كل يوم؟ أتراه جاء لينقذني؟ لم تمنعني انحناءاتي الطويلة من الإصغاء. صحيح أنا لم أره، غير أنه هو رآني، أجل رآني فدعاني، شعرت بلمسته، وضع يده على المنحني فيّ. أجل حطّ عن كاهلي الحِمل فانتصب جسدي وروحي، وأخذت أُمجد الله. على فكرة لم يخلُ المكان من المرائيين، تخيلوا أن رئيس المجمع وغير كثيرون استاءوا من شفائه لي، لأنه باسم المحبة خرق شريعة السبت. غير أن المعلم حلّني من عُقدة الذنب، أخزى الخصوم، وأبهج الجمع قائلاً: "هذه ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان منذ ثماني عشر سنة، أفما كان يجب أن تُحل من هذا الرباط يوم السبت؟". لقد حررني، لم يُحررني وحسب بل قادني إلى نبع حبه. اليوم وقد اكتشفت مجدداً كرامة حرية الأبناء، التي زينني بها الابن، لن أسمح للأعباء ولا للأحزان بأن تحني قلبي تحت وطأة الحسرات، بل سأُحدّق بشمس حبه، وأُسبّح إلهي الحي، الهي المحرر الذي حط عن كاهلي كل ثقل.