موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٦ يوليو / تموز ٢٠٢٠

أيُّ نِعمةٍ هذه أنْ تكونَ كاهِنًا

بقلم :
حنا ميخائيل سلامة نعمان - الأردن
حنا ميخائيل سلامة نُعمان

حنا ميخائيل سلامة نُعمان

 

أيُّ نعمةٍ هذه نلتها أن يكون ينبوع النِّعمة عَيْنهِ، الكاهن الأعظم والفادي يسوع المسيح، هُو مَن دعاك واصطفاك لتكون كاهناً، فتتمثَّل به وتعمل بمشيئته!

 

أيُّ حُظوةٍ نِلتَ عند المُعلِّم الإلهي حين أقبلتَ بإيمانٍ وثباتٍ وعزيمةٍ لتُلبِّيَ النداء فتركت الأقرباء والأخِلاَّء ومُغريات العَالم ومادياته على غِرار مَن "تركوا الشباك دونَ نظرةٍ منهم إلى الوراء وتبعوه.. لأنّ" كلام الحياة الأبدية عِنده" وليظفروا بالكنز المُعَدِّ لَهُم في الملكوت السَّماوي!

 

أيُّ إرادةٍ هذه عندكَ، أن تعكفَ ولسنوات طويلة مِن عُمرك على الدراسة الجَّادة في المعاهد الكنائِسِيَّة المتخصِّصة والكليات العُليا، والنَّهل مِن المخزون الروحي الثَّري لكتاب الحياة الإنجيل المقدس، ومِن سِيَر القدِّيسين، وما يتعلق بالشعائر والأسرار المقدسة والقوانين الرعائية والكنائسية مع ما واكبها من مناهج مقررة في اللاهوت والفلسفة والتاريخ والعقائد واللُغات وغيرها بهدف نُمُوِّك المَعرفي والروحي والحياتي ولتهيئتِك للمهمة السامية! إن هذا المجهود وما حقَّقتَ إبَّان تنشئتكَ الكهنوتية قد عَشِيَت عنهما أبصار مَن يعيشون في العَتَمَات!

 

أيُّ إكرامٍ هذا نلته برسامتِكَ كاهناً تَتَمثّلُ " بالراعي الصالح" في تجسيد المحبة.. فتعمل على رعاية النفوس وتسهر عليها، وتبحث عن فقراء الروح وتعتني بهم وتتدبر شؤونهم وترفع احتياجاتهم إلى المعونة الإلهية. وتسعى في الوقت نفسهِ فَتُفتِّش عن الخراف الضالة لتُعيدها إلى حِضن الكنيسة الإيمانيّ وتَبُث فيها الرَّجاءَ والأمَل. يواكب هذا تخفيف أعباء المتألمين ورفع معنويات أصحاب الهِمَم اليائِسة البائِسَة وبلسمة تأوهات المرضى!

 

أيُّ نِعمةٍ هذه أُسْبِغَت عليكَ وأيُّ تشريفٍ مقرونٍ بمسؤوليةٍ عُظمى، أن تَمْنَحَ نِعَمَ أسرار الكنيسة السَّبعة المُستَمَدَّة من محبة الرَّب ورحمتهِ ومشيئته في خلاص النفوس، فتقيم طقوسها مُستدعياً حلولَ الروح القُدس وَتُوَزِّع مفاعيلها لمن يقبلها باستعداد وخشوعٍ وإيمان. ومن هذه الأسرار سِرّ القربان، حيث تُجدِّد إقامة الذبيحة الإلهية المقدسة دونَ انقطاعٍ على ما أمر به السيد السيح في العشاء الأخير" إصنعوا هذا لِذِكْرِي"، فتُمْسِك بمهابةٍ وورعٍ وخشوعٍ الخبز وكأس عصير الكرمة وبصلواتٍ وتقديسٍ وشكٍر وبقوةٍ إلهيةٍ فائقةٍ وبحلول الروح القُدُس المُحْيي يستحيلان إلى جسد يسوع ودمه. إنه حُضور حقيقي للمسيح في قُربان المصالحة والمغفرة، قُربان المحبة، لتغذيةِ نَفْسِ وَجَسَد المُتَنَاوُلِ المُتأجِّجِ قلبه اشتياقاً إلى الينبوع الحي وواهب الحياة نَفْسِه!

 

أيُّ نِعمةٍ هذه أُسْبِغَت عليكَ أن يَعهد إليك السيد المسيح بغفران الخطايا او إمْسَاكِها، فتأخذ مكانك في رُكن الرحمة الإلهية وتستلهم مِن ضياء النور الأزلي الإلهام لتخليص النفوس المُثقَلَة الحاضِرة الخاشِعَة تطلبُ التوبة والغُفران مِن تعدِّيها على وصايا الله ورُسُومه، ولتُحَرِّرَ الضمائر مِن خلال" المسيح العامل فيك" وسلطانه المُعطى لك!

 

إزاء تلكَ النِّعَم وغيرها وما أكثرها، وذلكَ الإكرام، وفيض محبة الله، ومخططه الخلاصي في أنْ تكونَ كاهِناً ترتسم صورة المسيح على قَسَمات وَجهِكَ، وتُحفَر وصاياه وتعاليمه على صفحة قلبك وذهنك تتعاظمُ الرسالة المطلوبة مِنكَ وتزدحم المُهِمَّات وتَتجلَّى المواقف وتتبدَّى الوَقَفَات؛

 

فأنْ تكونَ كاهناً يعني أنْ تشهدَ للمسيح وتُعلن كلمته بجُرأةٍ حيثما حللت، وألاَّ يفارق ناظِريكَ قول القديس بطرس "ينبغي ان يطاع الله أكثر من الناس" فلا تجعلنَّ أمراً يُثنِيك عن ذلك من باب التساهل أو غيره لكسبِ وُدٍّ أو لتحقيق مَجدٍ بشري! أنْ تكونَ كاهِناً يعني أنك ستتعرض لعواصف وتحدياتٍ مختلفة وأهواءَ زمنية غير أنك ستحطمها وتتجاوزها وتكبح جِماحها وتنتصر عليها بأسلحتك الروحية فتكون بهذا قد قُدتَ نفسكَ بسعادةِ روحٍ وغبطةِ قلبٍ صوبَ ميناء الخلاص والنعيم المنشود.

 

أنْ تكونَ كاهناً يعني -وهذا عهدُنا بكَ- إبقاء العين مُشَرَّعة يَقِظة لتبقى الكنيسة ومؤسساتها وفاعِلياتها المختلفة ومشاريعها قَصِيَّة عن أغراض أصحاب الغايات والمطامع.

 

 أنْ تكونَ كاهناً يعني -وهذا عهدُنا بكَ- ألاَّ تَعزو لِنفْسِكَ مناقبَ أو محاسنَ أو مُنجزات أو تُحدِّث الناس عنها كي تتحولَ الأضواء نحوكَ، فتابِعُ المسيح وخادم كلمته ينبغي أن يَضرب المَثَل باتضاعه ونُكران ذاته.

 

أن تكونَ كاهناً-وهذا عهدُنا بكَ- يعني أن تُظهِر للجميع وبغيرةٍ رسوليةٍ محبتك وعطفك الأبوي وأن تُفعِّلهُما، وأن تكون المُبادر بزيارة بيوت معشر المؤمنين أنى تواجدت فَتُصَليَ فيها وتباركها وساكِنيها، وتتعرفَ عن قُربٍ بأفراد الأُسِر وتتلمس ظروفهم وتشُدّهم إلى الحُضور إلى الكنيسة ثُمَّ تلتقيهم لمزيدٍ من التواصل في قاعاتها التي ينبغي ألاَّ تكونَ حِكراً على أحدٍ. ففي هذا كلِّه مَا يُحطِّم الحواجز، ويُزيل النُفورَ ويُبدِّد الجَّفاءَ فتتعزَّزَ حين ذاك الأواصر وتتحقق الرسالة الرعائية المنشودة منك فتستحق أن تُدعى رسولَ محبةٍ.

 

 أنْ تكونَ كاهِناً يعني –وهذا عهدنا بكَ- أن تكون مِثالاً يُحتذى:" المُحْسِن لِمن أبغضك، والمُصَلِّيَ من أجل من أساءَ إليك.." فتنال وعد السيد المسيح " فتستحِقَّ أن تكون ابناً لأبيك في السماوات".

 

أنْ تكونَ كاهِناً يعني -وهذا عهدُنا بكَ- أنك رَجُل اتزانٍ وتعقُّلٍ وفطنةٍ، لا تَحكُم على أحد لموقف مُعَينٍ واحدٍ، ولا تَدخُل في مُماحكات مع أحدٍ أو مجادلات تؤول لاستفزازِ مَشاعرَ أو جَرحِ خواطرَ.

 

 وأنْ تكونَ كاهِناً يعني أن الأبصار نحوكَ مُتجهة إجلالاً وإكباراً، وقد اختاركَ مَنْ لا يَخـْبو لهُ نورٌ ولا يتغيـَّر الكُلي الصلاح  لترتفع بتلك الأبصار نحو العلاء حيثُ شُعاع الحق، ولتقودَ معشر المؤمنين على هَدْي الإنجيل في درب الحياة صُعُداً صَوبَ أمكنةٍ تسند فيها رؤوسها في ملكوت السماوات!

 

Hanna_salameh@yahoo.com