موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

أحد لوقا الخامس 2023

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
أحد لوقا الخامس

أحد لوقا الخامس

 

الرِّسَالة

 

خلِّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثك 

إليك يا ربُّ أصرُخُ: إلهي

 

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس (2: 4-10)

 

يا إخوةُ، إنَّ الله، لكونِهِ غنيًّا بالرحَمةِ، ومن أجل كثرَةِ محبّتِه التي أحبَّنا بها حينَ كُنّا أمواتًا بالزّلّات، أحيانا مع المسيح (فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصون)، وأقامَنا معهُ وأجلَسنا معهُ في السماويّاتِ في المسيحِ يسوع، ليُظهِرَ في الدهور المستقبَلَةِ فَرْطَ غِنى نِعمَتِه باللطفِ بنا في المسيح يسوع، فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصونَ بواسِطةِ الإيمان. وذلك ليسَ منكم إنَّما هُوَ عَطيَّةُ الله، وليسَ من الأعمال لئلاَّ يفتخِرَ أحدٌ. لأنَّا نحنُ صُنعُهُ مخلوقينَ في المسيحِ يسوع للأعمال الصالِحةِ التي سبقَ الله فأعَدَّها لنسلُكَ فيها.

 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس لوقا (16: 19-31)

 

 قال الربّ: كان إنسانٌ غنيٌّ يلبس الأرجوان والبزَّ ويتنعَّم كلَّ يوم تنعُّماً فاخراً. وكان مسكينٌ اسمه لعازر مطروحاً عند بابه مصاباً بالقروح، وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغنيّ، فكانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. ثمّ مات المسكين فنقلته الملائكة إلى حضن ابراهيم. ومات الغنيّ أيضاً فدُفِن. فرفع عينيه في الجحيم، وهو في العذاب، فرأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى قائلاً: يا أبت إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليغمِّس طرف إصبعه في الماء ويبرِّد لساني، لأنّي معذَّب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم: تذكَّر يا ابني أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه. والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذَّب. وعلاوة على هذا كلِّه، فبيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتى أنَّ الذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الذين هناك أن يعبروا إلينا. فقال: أسألك إذن يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسة إخوة حتّى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا. فقال له إبراهيم: إنَّ عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم. قال : لا يا أبتِ إبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنَّهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقونه.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

في كل مرة نحن مدعوون للاقتراب من الإنجيل، أيها الإخوة الأعزاء، نقوم بإجراء بحث تفصيلي. نحن مدعوون للنظر إلى ما وراء الصورة، لكي لا نكشف عن كنوز حقبة أخرى عفا عليها الزمن، بل لنكشف عن حقيقة يسوع المسيح، التي لا زمان لها، والتي أمامنا وفي كثير من الأحيان لا نراها، بينما نراها أحيانًا ولكننا لا نعطيه أهمية.

 

وهذا ما يحدث مع رواية إنجيل اليوم. يحتاج المرء إلى الدخول إلى العمق، إلى أحشائها لاكتشاف كنوزها. يقول المسيح أنه كان يعيش ذات يوم رجل غني ولعازر. كان الرجل الغني يملك كل شيء، ويعيش في ترف مطلق.

 

وكان لعازر أيضًا يعيش هناك، ولم يكن لديه شيء، لا مال، ولا مأوى، ولا طعام، كان مملوءًا بالجراح، وراحته الوحيدة هي الكلاب التي لحست جراحه وأراحته، أما طعامه فكان الفتات الذي يسقط من الأغنياء.

 

في هذا المثل، لا يريد يسوع أن يقول لنا إنّ الفقير، لأنّه فقير، هو أفضل من الغنيّ. ليس الفقر فضيلة، وليس الغنى خطيئة، ولم يذهب لعازر إلى حضن إبراهيم لأنّه مسكين، ولم يقاسِ الغنيّ العذاب في الجحيم بسبب غناه. قد كان بين أصدقاء يسوع الكثير من الفقراء، إنّما كان بينهم أيضًا أغنياء أمثال نيقوديموس ويوسف الرامي ولعازر. لذا لا نتصرّف كما فعل بعض المسيحيّين في القرون الماضية عندما إستندوا على بعض نصوص الإناجيل، كنصّ مثل لعازر والغنيّ، كي يقنعوا المقهورين والمساكين والمعذّبين بأن يرضخوا لواقعهم المرير ويسكتوا بحجّة أنّهم سينالون مكافأتهم في السّماء، لا على هذه الأرض الفانية.

 

ولما مات لعازر فأخذت الملائكة روحه وقادتها إلى حضن إبراهيم. كما مات الغني ودفن.

 

يقول المفسرون أن الرب يستخدم الأمثال ليذكر سامعيه بقصة مألوفة، أي أن الأشخاص كانوا حقيقيين واستخدم المسيح اسم لعازر ليذكر سامعيه بما كان يتحدث عنه.

 

الفرق هو أن سامعيه كانوا يعرفون الرجل الغني ولعازر حتى لحظة وفاتهما. المسيح وحده هو الذي عرف الآخرة. وهكذا وصل كلاهما إلى الأبدية، وعاش الغني الحياة والخبرة المتناسبة عكسيًا مع من عاشه على الأرض.

 

هكذا كان الحريق، هكذا كان اليأس، لدرجة أنه طلب من إبراهيم أن يرسل له لعازر ليبل شفتيه. لعازر في نفس الوقت، كان يختبر عكس ما اختبره أثناء وجوده في هذا العالم. وكان في النعيم المطلق لملكوت الله.

 

أخبره إبراهيم أنه مهما كان هناك ما يستمتع به في الحياة، فإنه يستمتع به أكثر. والآن حان الوقت ليرد الله العدالة. وكذلك فعل لعازر. لقد اختبر البؤس والآن سيختبر السعادة في الأبدية.

 

هناك فجوة كبيرة بين الوضع والآخر. الفجوة ليست مكانية، بل نوعية، إنها فجوة غياب الحب. لم يُظهِر الرجل الغني محبة وهو على قيد الحياة وخلق فجوة لا تصدق بينه وبين لعازر.

 

هذه الفجوة ترافقه في الحياة القادمة أيضًا. ثم يطلب الرجل الغني من إبراهيم أن يرسل إلى الأرض ليحذر إخوته الخمسة الذين عاشوا منغمسين في الخطيئة والترف واللامبالاة.

 

فأجاب إبراهيم أن عندهم الأنبياء، إذا لم يستمعوا إليهم، فلن يستمعوا لأحد. عند رؤية لعازر، يتبادر إلى الذهن الانطباع بأن هذا الرجل قد نسيه الجميع، وقد نسيه الله أيضًا. وهذا يتبادر إلى ذهننا أيضًا عندما نرى لعازر في عصرنا.

 

الشفقة تخرج منا بشكل طبيعي: "لم يهتم به أحد، حتى الله نسيه". هل ينطبق مثل هذا الشيء؟ هل ينسانا الله يوما؟

 

وقد قال المسيح في إنجيله: "من أراد أن يخلّص نفسه فليخسر نفسه، ومن خسر نفسه من أجلي ومن أجل إنجيلي يخلّص نفسه". ماذا يريد المسيح أن يقول؟ ماذا تقصد بأنني أفقد حياتي؟ ابتعد عن الطريق إلى أقصى حد، نعم أموت في سبيل محبة الله. هذا هو التعذيب.

 

لكن خسارة حياتي من أجل المسيح تعني شيئًا آخر، وهو أنني أتحمل صعوبات الحياة والتجارب وأقبلها كزيارات من الله آملًا فيه.

 

وهذا ما فعله لعازر. لم يكن لديه شيء، لقد عانى كالقليلين، لقد حُرم من كل شيء، لكنه لم يتذمر أبدًا على الله، ولم يحول نظره وغضبه أبدًا إلى الله بسبب مشاكل حياته، بل كان لديه رجاء وثقة في رحمة الله.

 

أضحِ بالقليل واحصل على الكثير، لأن هذه الحياة قليلة، وليست شيئًا أمام الأبدية. لذلك، كان موقف لعازر هو موقف الحكمة، وموقف الرجل الغني هو موقف الحماقة، وغالبًا ما يكون جهالة، لأنه اختار القليل وخسر الكثير.

 

واجبنا، نحن أعضاء الكنيسة، ونرى أن شعبنا يتعثر روحياً، أن يتكلم، أن يشير إلى حقيقة المسيح، حتى لو كانت هذه الحقيقة مؤلمة، حتى لو بدت قاسية، حتى لو كانت تزعجنا وجهاً لوجه مع مسؤولياتنا.

 

إذا كنا نحب شعبنا وأطفالنا وأقاربنا وأحبائنا، فمن واجبنا أن نكشف لهم الحقيقة وحق المسيح ليس ملكًا لنا، الحق ملك لنا جميعًا، علينا واجب أن نتحدث بطريقة تثير الصدمة، ليس بدون انتقاد، وليس بأنانية، بل بتمييز، بمحبة، وإدراكًا لحدودنا، والسياق الذي يمكننا أن نتحرك فيه، بعناية وصلاة.

 

الرجل الغني لم يكن يملك ما يسميه القديسون ذكرى الموت. إنه لأمر عظيم جدًا أن يكون لديك ذكرى الموت. ظن الرجل الغني أنه لن يموت أبدًا، ففعل كل شيء ليتمتع ويربح ويكتسب ويتراكم.

 

لم يكن يظن أنه سيموت يومًا ما، ولكن حتى لو كان يرى الآخرين من حوله، فإنه لم يعتقد أن هناك أي شيء آخر بعد الموت، كان يعتقد أن شاهد القبر هو النهاية، في حين أنه في الحقيقة هو البداية، ولهذا السبب لم يفعل شيئًا من أجل الآخرة، ولم يعيش روحيًا أبدًا.

لقد بنى جدارًا من الأنانية والتمركز حول الذات والاكتفاء الذاتي وترك الجميع خارجًا. لقد عاش لنفسه، وهذا الحرمان من ذكرى الموت جعله قاسيًا وغير إنساني، وغير مبال، وعدوًا لكل إنسان آخر.

 

لكن أولئك الذين لديهم ذاكرة الموت، يرتبون كل شيء بشكل صحيح، ويدركون حدود هذه الحياة وأطرها، فيما يتعلق بالأبدية، ولا يتوقفون عن العيش، بل يعيشون بطريقة تكسبهم أكثر حتى لو ضحوا بالآخرة قليلا.

 

في نهاية المطاف، تبين أن ذكرى الموت هي المفتاح لتفسير هذه الحياة، المفتاح الذي يفتح باب الخلود.

 

الفقر شرّ يجب مكافحته، وتوزيع خيرات الأرض بشكلٍ عادل هو من الغايات النبيلة. لذلك المسألة في هذا الإنجيل لا ترتبط بكميّة ممتلكاتنا، بل بعلاقتي بها وبالتالي بعلاقتي مع الآخرين، وخاصَّة المحتاجين منهم.

 

 

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّادِس

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

 

القنداق باللَّحن الثاني

يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تَعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.