موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٣

أحد الشعانين: تباركَ الأتي باسم الرّب

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
"هوشعنا، تبارك الآتي باسمِ الرّبّ! هوشعنا في العُلى"

"هوشعنا، تبارك الآتي باسمِ الرّبّ! هوشعنا في العُلى"

 

اليوم أحد الشعانين، أحد المجد مع يسوع المسيح، المجد الذي سيُدخلنا في أسبوع الآلام لنرافق يسوع حتى القيامة.

 

لماذا نسمي يوم أحد الشعانين بيوم المجد؟

 

بعد أن أقام يسوع صديقه لعازر من بين الأموات (يوحنا ١١: ١–٤٣)، قرّر أن يدخل للمرة الأخيرة إلى أورشليم ليحتفل بعيد الفصح مع تلاميذِهِ، فاستقبله الشعب بفرح كبير وبعلامات النصر واعتبره هو الملك. استقبله الشعب بأغصان النخل التي تُعبّر عن استقبال الملك المنتصر، وبأغصان الزيتون التي تُعبّر عن السلام الذي يحمله الشعب في قلبه. استقبله الكبار والصغار، وبخاصة الأطفال والرضّع وهم يهتفون: هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي، الْمَلِكُ، باسمِ الرَّبّ! تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتية! السٌلامُ في السٌماء! والمَجدُ في العُلى! (لوقا ١٩: ٣٨).

 

دخل يسوع أورشليم ملكاً. والشعب اعتبره كذلك، لكنهم لم يفهموا أن يسوع ليس ملكاً زمنياً ولم يدخل أورشليم ليحرّرها من حكم الرومان ولا ليعيد المُلك إلى إسرائيل. لذلك حاول يسوع أن يشرح لهم مرات عديدة عن ملكوته قائلاً: "ليست مَملَكَتي من هذا العالم" (يوحنا ١٨: ٣٦). لم يفهموا ذلك، بل استقبلوه كملك ووضعوا آمالهم فيه طالبين منه تحريرهم من الحكم الزمني وسرعان ما خابت آمالهم المادّية، فنادوا به مصلوباً.

 

دخل يسوع بتواضع كبير، ومشى بين الناس وزرع حبّه وسلامه في قلوبهم. لكن الأحبار والرؤساء والفريسيين والكتبة استشاطوا غيظاً وغضباً من هذا الاستقبال الشعبي الكبير وخافوا أن يخسروا مصالحهم وامتيازاتهم ومناصبهم وكراسيهم، فأخذوا يقولون لبعضهم البعض: "أنظروا؛ إنكم لا تنفعون شيئاً! ها هو العالم قد ذهب وراءه!". نحن خسرنا كل شيء أمام يسوع النبي والملك الآتي. لذا وجب علينا أن نقتله ونستعيد سلطاننا.

 

كان يسوع يوضّح للجموع أنه يدخل إلى اورشليم بصفته: "ابن الله"، و"المخلّص المنتظر"، ليمنحهم جميعاً الخلاص. فيربحون كل شيء. قال لهم: إني داخل إلى أورشليم لأُصلَب فيها وأموت وفي اليوم الثالث سأقوم وأعطي الحياة لجميع الناس. حتى رسله وتلاميذه لم يفهموا هذا الكلام ، لقد فهموا ذلك بعد قيامته وحلول الروح القدس عليهم.

 

نحن اليوم، كمسيحيين في العالم وفي الشرق الاوسط، نُعيّد دخول المسيح إلى أورشليم، دخول المسيح إلى قلوبِنا. دخول المسيح إلى أوطاننا. دخول المسيح إلى أرض الكنانه مصر، هذه الأرض التي باركها وقدّسها بقدومهِ إليها ومكث وعاش فيها.

 

كيف نستقبله؟

 

وبأي منطق نستقبله؟

 

هل نستقبله كملك زمني ونضع فيه كل آمالنا ورجاءنا ونقول له:

 

"هوشعنا"، هذه العبارة التي تعني "هَلُمّ خلّصنا"؟

 

نعم، يا رب خلّصنا من الأزمات التي نتخبّط فيها اليوم وفِي كلِّ يوم . خلّصنا من الحروب التي ندفع ثمنها غالياً منذ سنوات وسنوات. خلّصنا من الإرهاب والحقد والبغض. خلّصنا من الفقر والجهل والتعصب. فإذا كنا نطلب الأمور المادّية، سنصاب بالخيبة. أما إذا كنا نستقبله كأطفالنا الأطهار الأنقياء وبقلوب ملؤها الإيمان والفرح والسلام، فنحن مدعوون إلى أن نتوب إليه ونطهّر نفوسنا ونصفّي قلوبنا، ونزيل منها كل حسدٍ وضغينة. عندئذ نستحق أن نستقبل يسوع إبن الله الذي سيموت على الصليب حبّاً بنا جميعاً. ابن الله الملك الذي يقبل أن يضحّي بذاته في سبيل خلاص شعبه، وأن يرفعه من مجد العالم الباطل إلى مجد السماوات الأبدي.

 

في أحد الشعانين نريد أن نستقبل المسيح ملك السلام لنعيش بسلام وحرية وكرامة. ونتحاور ونتقارب ونتصافح باسم محبة الله اللامتناهية لنا، ونتوحّد ونتضامن من أجل بناء عالم جديد ومجتمع جديد تسوده المحبّة والإخلاص والوفاء. دعونا نجّدد القلوب في هذا اليوم الأغر لنستحقّ الدخول مع يسوع إلى مجد أورشليم السَّماوية بعد أن نكون قد حملنا معه الصليب وقبِلنا أن نموت عن خطايانا لنستحق أن نقوم معه إلى حياة جديدة أبديّة. صلاتنا وإحتفالنا اليوم من أجل مسيرتنا المقدسة مع المسيح لتصل بنا إلى القيامة.

 

"آمـيـن! تعالَ، أيُّها الرَّبُ يسوع" (رؤيا يوحنا ٢٢: ٢٠).