موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٠ مارس / آذار ٢٠٢٣

خمس محطات إنسانيّة

هنالك إقبال شديد من قبل الناس على اقتناء هذه الحصالات

هنالك إقبال شديد من قبل الناس على اقتناء هذه الحصالات

الأب رفعت بدر :

 

المحطة الأولى الزلزال الذي أتى على الأرض والإنسان، فدمّر العديد من المنشآت وقتل العديد من النفوس البريئة، لكنّه أيضا قد هزّ المشاعر الوجدانيّة بين البشر، فتناسوا الخصومات السياسيّة والإختلافات العرقيّة، وذهبوا لكي ينجدوا ويغيثوا الإنسان المتألم والذي ما زال تحت الأنقاض. فأفراد الدفاع المدنيّ الأردنيّ قد هبّوا لمساعدة الأشقاء وصار هنالك زيارات رسميّة إلى سورية، كما جمعت الكنائس مبلغًا من الأموال وبالأخص في تبرعات يوم الأحد المبارك لكي تغيث الإخوة في سورية الشقيقة. وسيّرت كاريتاس الأردن وغيرها من الجمعيات مساعداتها الإنسانية. ما أجمل الإنسانيّة حين تعبّر عن رفضها للإنتقام وانحيازها الكامل للمحبّة والإغاثة.

 

المحطة الثانيّة هي في غزة. غزة الجريحة هنالك إبداع فيها، ذلك أنّ محطة البي بي سي قد عرضت شابا يجمع المواد الملقاة في المهملات وعلى قارعة الطريق ويصنع منها أمورًا مفيدة في الحياة. قال هذا الشاب إنّنا نحقّق أحلامنا حتى لو كان الحصار القائم منذ 15 عامًا ما زال جاثما، فالمهم أنّ الحلم ما زال حقًا إنسانيّا. وأضاف يقول إنني بإعادة تدوير هذه الأمور، أقول بأنّنا أيضًا نستطيع تدوير أحلامنا من أحلام بائسة، أو فاشلة أحيانًا، إلى أحلام جديدة ومتجدّدة وقابلة للتحقيق. من غزة يصدر هذا الصوت المشجّع للشباب بألا ييأسوا وألا يقفوا عند حدود المستحيل، ولا مستحيل عند خائفي الله تعالى. وانه الإبداع الفلسطيني الذي لا ينتهي، حتى انّ أحد الشباب في مخيم عايدة في بيت لحم، كان يحوّل القنابل المسيلة للدموع التي تتساقط على مخيّمه وبيته، ويصنع منها اكسسوارات للزينة.

 

أمّا المحطة الثالثة، فهي إحدى الأمهات الشابات، العائدة من المهجر الى عمّان، تنشد العلاج في بلدها بعدما أصيبت بمرض الكانسر. وإنّ حالتها تستدعي علاجًا طويل الأمد، وكذلك عالي التكاليف. لذلك، جاء شقيقها وأقاربها وأقاموا عند بوابة كنيسة القلب الأقدس في تلاع العلي طبقًا خيريًا. وما أن أعلن الكاهن بأنّ هنالك حاجة لهذه الشابة، دون أن يذكر اسمها، حتّى هبّ الناس للمشاركة في الطبق الخيري وتقديم كل ما تجود به نفوسهم من أجل هذه الإنسانة. إنّ الإنسانيّة لا تستطيع إلا أن تبقى حيّة في نفوس وضمائر الناس الذين ما زالوا يحبوا أخاهم الإنسان وينجدونه بغض النظر عن أنهم في أحيان كثيرة لا يعرفونه شخصيًا.

 

أمّا المحطة الرابعة، ففي هذا الأسبوع الزمن الأربعيني، أو زمن الصوم لدى المسيحيين، هنالك في كلّ كنيسة مبادرات بأن يُجمع ما يصوم عنه الإنسان من أجل خير أخيه الإنسان. فيُقال إنّ ما تصوم عنه ليس ملكًا لك، إنما ملك لأخيك وقريبك. لذلك، تُوضع حصالات يأخذها الناس الى بيوتهم، منها كبيرة للبالغين وحصالات صغيرة للأطفال. وهنالك إقبال شديد من قبل الناس على اقتناء هذه الحصالات، ولا يعلم الإنسان أين سيذهب القرش أو الدينار الذي يتبرع بهما، ولكنه يعلم بأنّه يضعها بمحبّة وسيجد المتلقي لها، المحتاج والفقير وكل من يعاني من سائر آلآلام الحاضرة، عونًا وكتفًا يستند إليه.

 

ونأتي إلى المحطة الخامسة وهي محطة الأطفال الذين يطيلون شعر رؤوسهم، ليتبرّعوا به في سبيل عمل «باروكات» خاصة للأطفال المصابين بمرض السرطان، والذين يتساقط شعر رؤوسهم بسبب العلاج الكيماوي. لذلك، هذا أيضًا شأن إنساني نتوقف عنده كمحطة من المحبّة وبذل الذات التي يتربى عليها الصغار وأنقياء القلوب. ليكثر الرب مثل هذه المبادرات لكي نطمئن دائمًا إلى عافية الإنسان والإنسانيّة. وكما يقال: لسّا الدنيا بخير.