موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

البانوراما الدينية في عام 2020

مع نهاية هذا العام، ننظر بتفاؤل ورجاء، وندعو أن يكون عام 2021 عام الشفاء

مع نهاية هذا العام، ننظر بتفاؤل ورجاء، وندعو أن يكون عام 2021 عام الشفاء

الأب رفعت بدر :

 

بدأ العام 2020 بشكله المعتاد، وجرت هنالك العديد من المؤتمرات واللقاءات في أول شهرين من العام الماضي. وقد ابتدأ في موقع معمودية السيد المسيح (المغطس) بلقاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم مع الأسرة الأردنيّة الواحدة بحضور عدد كبير من الشخصيات المسيحيّة في الأردن.

 

وكانت هنالك العديد من الأنشطة المتوقعّة والمؤتمرات التي جرى التحضير لها ، لكنها لم تبصر النور، فما ان أطل شهر آذار، حتى جرى هنالك ما لم يكن في الحسبان! فقد أغلقت مدن العالم الرئيسية، وكذلك أغلقت أبواب بيوت العبادة من مساجد وكنائس وغيرها، في مختلف أنحاء العالم. ولعلّ الصورة الأكثر تأثيرًا في العالم هي الصلاة التي أجراها البابا فرنسيس في 27 آذار 2020، حين صلّى في ساحة القديس بطرس وحيدًا من أجل شفاء البشريّة، وفيها قال "بأنّنا جميعًا على قارب واحد، وجميعنا مدعوون لكي نجذِّف معًا ومعوزون بعضنا لتعزية بعض".

 

حرم الناس من أداء الشعائر الدينية، وبخاصة في عيد الفصح المجيد الذي كان بدون جمهور. هذه من الصور غير المعهودة التي سيذكرها التاريخ بأنّ بيوت العبادة كانت مغلقة أمام أداء صلوات العيد، سواء كان عيد الفصح المجيد وبعده مراسيم شهر رمضان المبارك وعيد الأضحى، وكذلك عيد الميلاد المجيد الذي حلّ في يوم إعادة الاغلاق في مدن العالم. إنها صور ستبقى في ذاكرة الناس بأنّ الوباء قد أثّر على بيوت العبادة وجعلها مغلقة في وجوه المصلين في سبيل الحفاظ على التباعد الاجتماعي الذي أصبح سمة رئيسية للحفاظ على صحة الناس.

 

تميّز هذا العام ببث الطقوس الدينية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر قنوات التلفزة المحليّة أحيانًا، وهذا له وجهان. الوجه الأول هو التعبير عن إيجابيّة وسائل الإعلام التي تستطيع أن تنقل الأمور الإيجابيّة، ذلك أن هنالك، في بعض الأحيان، نظرة سلبيّة قاتمة على مواقع التواصل الاجتماعي، مع انّ التعليقات أحيانا لا ترتقي الى سموّ الحدث الديني المبثوث. أما الوجه الآخر، فكان في منح العائلات الفرصة لكي تصلّي معًا، ونذكر الشعار الذي أطلقه البطريرك اللاتيني يعقوب بلترتي الراحل (1970-1987) في سبعينات القرن الماضي: "إنّ الأسرة التي تصلي متحدة تعيش متحدة"، وكان هذا سببًا لتنمية أواصر العلاقات الأسريّة في داخل البيت الواحد، بين الأزواج أنفسهم، وبين الآباء والأمهات وأبنائهم وبناتهم. وقد كان للمركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام وموقع أبونا الصادر عنه حضور بارز بنقل الطقوس الدينية أثناء الاغلاق وبعده الى البيوت، ممّا زرع الأمل والرجاء في نفوس الكثيرين، في داخل الأردن وخارجه.

 

إنّ الخطاب الديني في هذه السنة كان موجهًا نحو تشجيع الناس وسط المخاوف والارتبكات التي تحصل. هنالك طبعًا خوف وقلق وشكّ وتردّد، وأحيانًا كثيرة شك وتساؤل حول المغزى من الألم والوباء، ولكنّ الخطاب الديني كان تشجيعيًا يقتبس من الكتب المقدسة لكي يفيد الناس في محنتهم الحاليّة. ثانيًا كان هنالك حزن كبير في العديد من البيوت لدى فقدان أحد الأشخاص الأعزاء، وأن مراسيم الوداع للراقدين قد اختلفت وأصبحت محصورة العدد، وكذلك لم يسمح للعائلات أحيانًا بأن تلقي نظرة الوداع على أحبائهم الراقدين، وهذا طبعًا سبّب حزنًا كبيرًا في نفوس العديد العديد من العائلات، لذلك كان على الخطاب الديني أن يقدّم العزاء المبني على الإيمان والصبر والتحمّل (باللغة المسيحية "حمل الصليب") والنظر برجاء إلى الحياة الأبديّة.

 

عالميًا كذلك، عقدت الكثير من الأحداث والندوات الافتراضيّة، ومنها منتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين في العاصمة السعوديّة الرياض، ولقاء جلالة الملك مع رؤساء الكنائس في الأردن وفلسطين، وكذلك نتحدّث عن قمة إطلاق "الميثاق التربوي العالمي" التي ترأسها البابا فرنسيس في الفاتيكان، في تشرين الأول 2020، وحثّت دول العالم على أهميّة الاستثمار في التنشئة والتعليم الجيّد، القائم على شبكة من العلاقات المنفتحة والمبنيّة على أساس كرامة الإنسان ودعوته إلى الأخوّة الإنسانيّة.

 

وفي هذه السنة تم تعيين عدد من الأساقفة في الأرض المقدسة والمنطقة العربية، وعلى رأسهم تعيين البطريرك العاشر للكنيسة اللاتينية في القدس وهو البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بعد أن كان الكرسي البطريركي شاغرًا لمدة أربع سنوات. ومن الأخبار الجيدة إعلان البابا فرنسيس عن زيارته الوشيكة إلى العراق الشقيق في آذار المقبل، ومن المأمول أن تكون زيارة تبث الأمل في نفوس جميع العراقيين.

 

مع نهاية هذا العام، ننظر بتفاؤل ورجاء، وندعو مع كل القائمين على مصلحة الناس الصحيّة والروحية والسياسية والاجتماعيّة، على أن يكون عام 2021 عام الشفاء، وعام التوزيع العادل للقاح على دول العالم بدون استثناء، وهذا أيضًا صورة عن التضامن البشري في هذه السنة الجديدة. ليحفظ الله الأسرة البشرية الواحدة، ليحفظ الله الإنسانيّة جمعاء، وليقُد البشر دائمًا على دروب البحث عن أفضل السبل للدفاع عن صحة الإنسان وكرامته المقدسة. وكل عام وأنتم بألف خير.