موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١ يوليو / تموز ٢٠٢١

التنمّر الإلكتروني في عصر الكورونا

عزيزي المغرّد، قبل أن تغرّد، فكر قليلاً

عزيزي المغرّد، قبل أن تغرّد، فكر قليلاً

الاب رفعت بدر :

 

صادف قبل أيام (الجمعة الثالثة من حزيران) اليوم العالمي للتصدي لظاهرة التنمر الإلكتروني وهو اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة لهذا الهدف النبيل Stop Cyberbullying Day منذ عام 2012. وبحسب الصفحة الرسمية لهذا اليوم العالمي فإن 60% من مستخدمي الإنترنت قد تعرّضوا بطريقة أو بأخرى الى أعمال وإشارات تنمّر أو استغلال أو تحرّش. لذلك علينا أن نتحرّك، كما تقول الصفحة، لكي نضمن أنّ كلّ إنسان لديه فرصة متساوية للتعامل مع التقنيات الحديثة، وأن يكون بمقدوره التعلّم، والتواصل والتعبير عن نفسه بثقة وبدون خوف. وتعطي الصفحة نسبًا مئوية مهمة: مثلاً انّ 59% من سكان الأرض يتسخدمون الإنترنت. و 60% من مستخدمي الشبكة قد سقطوا بشباكها فتعرّضوا بصورة أو بأخرى لأعمال تنمّر وتحرّش وإساءة. وأنّ 51% من سكان الأرض هم مستخدمون فاعلون للسوشال ميديا (أو وسائل التواصل الإجتماعي).

 

ونتساءل اليوم، وبعد عامين من وباء عمَّ أرجاء الكرة الأرضية، هل انحسرت نسبة التنمر الإلكتروني، أم تضاعفت؟ وهنالك إجابة مباشرة لمنظمة اليونيسف تقول إن التنمر الإلكتروني تضاعف ضد الأطفال تحديداً بنسبة 64% خلال جائحة كورونا. وهذا بالطبع مفهوم - وليس مقبولاً – ذلك أن فترات الحظر قد جعلت الإنسان يتكئ على التكنولوجيا والتواصل الإجتماعي عن بعد كمادة للتندّر والتنمر في آن واحد. وكم من labels أو الأحكام المسبقة تم الصاقها بأشخاص مصابين في بداية الكورونا، أو حتى تجاه المسؤولين الذين كانوا في واجهة الإعلام وبالأخص في الأشهر الأولى.

 

قبل أيام تشرفت بالمشاركة مع مركز "آراء بلا حدود للتنمية المستدامة" في جرش، في إطلاق دراسة المركز حول التنمر الإلكتروني تجاه مصابي فيروس كورونا في الأردن: وقد حملت الدراسة – مع كل أسف- العديد من مظاهر التنمر في أوساط عدة في مجتمعنا تجاه المصابين في الأشهر الأولى لانتشار الجائحة.

 

وهكذا، فقد ولدت الجائحة الكورونية جائحة كونية أخرى، وهي تضاعف التنمر الإلكتروني الذي يتمثل باستخدام خاطئ لوسائل التواصل الإجتماعي لاغتيال الشخصيات، واستغلال الأطفال، والعبث بعواطف الناس، وإثارة الهلع والتدمير الذاتي لهم، ومن نتائجها طبعاً الخوف والقلق والأرق، في قلب الإنسان المتنمّر عليه. وباتت الحاجة إلى وضع تشريعات جديدة لحماية كرامة الإنسان والحفاظ على شخصيته وعدم تزعزع ثقته بنفسه في علاقته مع نفسه ومع الآخرين، وبالأخص مع أهله وأبناء بيته وزملاء عمله.

 

أذكر أن أحد المسؤولين الذين تعرضوا للتنمر الإلكتروني اثر تصريح إعلامي له العام الماضي وقد أفقده منصبه، قال: "انني أخجل من النظر في عيون أطفالي"، فلماذا نوصل الإنسان –أي انسان- إلى هذه المرحلة من الخجل أمام أبنائه، ألسنا جميعاً في قارب واحد، وتتحدانا أمواج وعواصف معاً؟ فلماذا التنمر ولماذا اللجوء إلى وسائل الإعلام لكي تصبح هادمة –عوضًا عن أن تكون خادمة– لكرامة الانسان.

 

وأخيرًا، نكرّر النداء لأي إنسان سيكبس الزر على تغريدة جديدة: عزيزي المغرّد، قبل أن تغرّد، فكر قليلاً: هل ما تريد نشره صحيح؟ هل هو ضروري؟ هل هو مفيد؟ هل هو ملهِم؟ لطيف؟ يعني باختصار هل فيه حقيقة ومحبة؟ وهل هو خالٍ من سموم التنمّر بشقيه البغيضَين الوجاهي والإلكتروني؟