موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
دخل وباء كورونا مرحلة جديدة من حيث طريقة التعامل معه، فقد رفعت العديد من الدول معظم القيود التي فُرضت بسبب الجائحة، تلك القيود التي تحكمت بحياتنا على مدى عامين كاملين
وهناك دول مثل المملكة المتحدة، رفعت معظم القيود وانتقلت إلى مرحلة "التعايش" مع الفيروس.
لكن على الرغم من ذلك فإن الوباء لم ينته بعد، إذ يبدو أن فيروس كورونا موجود وباق معنا على المدى الطويل، ولذلك يعتقد بعض العلماء أن التهاون في التعامل معه وفي أخذ وسائل الحذر والحيطة، قرار مبكر جدًا.
إذًا ما الذي نحتاج إلى مراقبته وأخذه في الحسبان في الأشهر والسنوات المقبلة؟
كانت البداية مع الفيروس الأصلي، ثم بعد ذلك بدأت تظهر المتحورات ألفا ودلتا وأوميكرون، التي تسببت في حدوث موجات كبيرة من الإصابات. وفي الواقع، استمرار الفيروس في التحور وإنتاج متغيرات جديدة في المستقبل، أمر لا مفر منه
المتغيرات الجديدة ليست بالضرورة مشكلة، ولا ينبغي أن نشعر بالذعر حيال كل طفرة جديدة. ومن المهم أن نتذكر أن لدينا حاجزا مناعيا مهما، من المفترض أن يستمر في توفير الحماية حتى ضد المتغيرات الجديدة.
خاصة أن اللقاحات التي طُورت ضد النسخة الأولى للفيروس، لا تزال تنقذ الأرواح وتحمي من أحدث المتحورات، أي متحور أوميكرون.
غير أنه وعلى الرغم مما سلف، من المحتمل أن تغير المتحورات الجديدة سلوك الفيروس بشكل كبير وتجعله أكثر فتكا أو قدرة على الانتشار بسرعة أكبر، أو تحايلا واستجابة للحماية التي يوفرها اللقاح أو الإصابة السابقة بالفيروس. كل هذه الاحتمالات من شأنها أن تجعل كوفيد تهديدا أكبر مما هو عليه اليوم.
ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟
هناك طريقتان: تقليل الطفرات، أو التعامل السريع مع الوضع عند ظهور متحور جديد. هناك خطر حدوث طفرات في كل مرة يستنسخ فيها الفيروس نفسه من جديد، لذا فإن الطريقة الوحيدة لتقليل مخاطر المتحورات هي تقليل العدوى على المستوى العالمي.
أما البديل فقد يتمثل في التركيز على مراقبة المتحورات الجديدة والتعامل وفقا لمقتضيات الوضع، وقد يكون هذا التعامل على سبيل المثال هو تطوير اللقاحات.
لقد أصبح من الواضح تماما أن المناعة تتضاءل وتتناقص بمرور الوقت. فقد ثبت أن الناس يصابون بكوفيد رغم تلقيهم لثلاث جرعات من اللقاح أو إصابتهم السابقة.
إذن فالحماية من الإصابة بالفيروس تتراجع بسرعة كبيرة، لكن الحماية من الأعراض الشديدة أو الموت تدوم لفترة أطول.
المناعة والحصانة ضد الفيروس هي السبب الوحيد الذي جعلنا قادرين على تخفيف القيود. قبل عامين، كانت أجسادنا تقاوم الفيروس بشكل مبهم وعن غير دراية، ولكن الآن باتت أجهزتنا المناعية مُدرّبة.
هذا المستوى من المناعة هو السبب الرئيسي في أن العدوى أصبحت الآن أقل فتكا. لكن على الرغم من ذلك، يمكن أن يؤدي التراجع الكبير في المناعة إلى حدوث موجات جديدة من كوفيد، ما يعني الضغط مجددا على المستشفيات.
وبذلك يمكننا توصيف الفترة الحالية على أنها "فترة شهر عسل" حيث يبدو أن كوفيد في حالة تراجع تام، غير أنه قد لا يلبث أن يستعيد عافيته بمجرد أن تتضاءل المناعة لحد كاف.
ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟
يجب مراقبة مقدار الحماية التي نوفرها ضد الفيروس باستمرار. هذا سيمكننا من تحديد من ينبغي أن يحصل على جرعات إضافية من اللقاح ولكم مرة.
هناك بالفعل خطط لإعطاء جرعة معززة أخرى هذا الربيع لمن تزيد أعمارهم عن 75 عاما، وكذلك الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس.
كما ستكون هناك حملة أوسع من اللقاحات المعززة تحسبا للشتاء المقبل أيضا. أما على المدى الطويل، يجري العمل بالفعل على تطوير الجيل التالي من لقاح كوفيد، لمعرفة ما إذا كان بإمكانه أن يوفر حماية أكثر ديمومة.
مقاومة الأدوية المضادة للفيروسات
تُستخدم حاليا الأدوية التي تقتل الفيروس بهدف ألا يصل الأشخاص لمرحلة من المرض تحتم عليهم دخول المشفى، ولكن هناك خطر من أنه إذا استخدمناها بشكل سيئ، فإن الفيروس سيتطور لجعل الأدوية غير فعالة.
ما الذي يجعل هذا الأمر مهما؟
يعتقد بعض العلماء أن هذه هي القضية الأكثر أهمية والتي ينبغي مواجهتها في الأشهر المقبلة. نحن على دراية بالجراثيم الخارقة التي يصعب علاجها، من البكتيريا العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين MRSA إلى بكتيريا السيلان الشديد، والتي تفاقمت وتطورت عبر إساءة استخدام المضادات الحيوية.
يمكن أن يحدث نفس الأمر مع الأدوية المضادة للفيروسات. إذ تلعب هذه الأدوية، مثل باكسلوفيد Paxlovid ومولنوبيرافير molnupiravir، حاليا دورا حيويا في إنقاذ الأرواح، وهي أحد أسباب تخفيف القيود، والأهم من ذلك أنها تشكل شبكة الأمان في المستقبل.
وإذا ظهر متحور جديد يتجاوز قدرة مناعتنا بشكل كبير، فسنعتمد على الأدوية المضادة للفيروسات لكسب الوقت إلى أن نتمكن من تطوير لقاح محدث وتوزيعه
ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟
كلما زاد استخدامنا للأدوية المضادة للفيروسات، زاد خطر مقاومة الفيروس، مما يعني أنه سيتعين استخدامها بحذر لدى الأشخاص الأكثر استفادة منها.
وقد يؤدي هذا إلى قرارات صعبة حول علاج المرضى الحاليين، والحفاظ عليه لمرضى المستقبل. أحد الحلول هو استخدام العديد من مضادات الفيروسات مجتمعة، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من خطر مقاومة الفيروس إلى حد كبير.
ما مدى قرب عودة حياتنا إلى وضعها الطبيعي؟
لا تزال الحياة بعيدة عن الوضع الطبيعي، ولا أحد يعرف على وجه اليقين كيف سنتفاعل جميعا مع التغييرات الجديدة في القيود والإجراءات المتعلقة بكورونا. هذا كله يخلق حالة من عدم اليقين في الأسابيع والأشهر القادمة.
إنه أمر واضح، إذ إن فيروس كورونا ينتشر بالانتقال من شخص إلى آخر – فكلما اجتمعنا معا، زادت فرص انتشار الفيروس. ؟إذن ماذا سيحدث الآن؟ هل سنعود جميعا إلى أماكن عملنا أم أن العمل في المنزل سيغدو القاعدة؟
هل سنشتري الاختبارات بعد أن كانت مجانية؟ إذا مرضنا، هل سنعزل أنفسنا أم سنختلط بمجرد أن نشعر بأننا بخير حتى لو كنا لا نزال قابلين لنقل العدوى؟
ماذا سيفعل الأشخاص الأكثر عرضة ذوو المناعة الضعيفة، الذين اعتادوا الحماية القصوى؟ إلى متى سيستمر الناس في ارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة؟
من المحتمل أن يكون تأثير سلوكنا المتغير أكبر من أي تأثير موسمي على الفيروس. حالة عدم اليقين هذه تعني أن احتمال أن يستمر انخفاض الإصابات والحاجة للدخول إلى المشفى قائم، لكن احتمال تدهور الوضع مجددا قائم أيضا
ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟
خياراتنا ضئيلة جدا، خاصة وأن القرارات اتُخذت بالفعل. وبدلا من القيود بات هنالك نصائح حول ما يجب القيام به في المستقبل.
يقول كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، البروفيسور كريس ويتي، إنه يجب على الأشخاص الاستمرار في عزل أنفسهم إذا ثبتت إصابتهم، على الرغم من عدم وجود شرط يلزمهم بذلك
لا يتعافى الجميع بسرعة من العدوى، فضلا عن أن البعض يصاب بـ"كوفيد طويل الأمد". والمزيد من الإصابات بكوفيد يمكن أن تعني بطبيعة الحال زيادة في أعداد المصابين بكوفيد طويل الأمد
يمكن لكوفيد طويل الأمد أن يكون منهكا تماما، فالتعب والوهن المستمر شائع فيه، إلى جانب ضبابية الدماغ وضيق التنفس وآلام العضلات.
يقول أكثر من شخص واحد من بين كل 50 شخصا في المملكة المتحدة إن لديهم كوفيد طويل الأمد، كما أن أكثر من نصف مليون لديهم أعراض استمرت بالفعل لأكثر من عام.
وليس من الواضح ما الذي سيحدث في المستقبل – هل كوفيد طويل الأمد مجرد سمة من سمات هذا الفيروس وسيتكرر حدوثه دائما، أم أنه سيتلاشى مع تحسن مناعتنا؟ وجدت الدراسات أن اللقاح يقلل من خطر الإصابة بكوفيد طويل الأمد، لكنه لا يقضي عليه تماما
ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟
سنحتاج إلى مراقبة عدد حالات الإصابة بكوفيد طويل الأمد، إذ أن فهم السبب وراء الإصابة به ومعرفة أفضل طرق معالجته يمكن أن تسرع من عملية التعافي لدى المصابين.