موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تحمل كاتدرائية القيامة للروم الملكيين الكاثوليك، بحي الظاهر في العاصمة المصرية القاهرة، وجوه عدة من الإشراقات الحضارية، إذ يعكس مبنى الكاتدرائية الفخيم عبق التاريخ الذي يربو عن المائة عام، فضلاً عن بهاء التكوين الذي تتجلي مفرداته في كافة المعالم. كما أضاف إليها موقعها الفريد في التاريخ المعاصر دورًا رائدًا في العمل الإداري والراعوي داخل بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك بمصر والسودان.
التصميم المعماري للمبنى
يعود تأسيس كاتدرائية القيامة للروم الملكيين الكاثوليك بحي الظاهر إلى مطلع القرن العشرين، حيث تم الانتهاء من المبنى المعماري للكاتدرائية في آذار/مارس عام 1904، وقد أظهر المهندس مانسكلكو بك، مصمم المبنى، براعة هندسية في التصميم الذي جمع فيه بين الطراز البازيلكي والطراز المصلب، فالأول يظهر بجلاء من الداخل، فيما يظهر الثاني بوضوح من الخارج.
يشغل بناء الكاتدرائية مساحة طولية 21 متر وعرضية 43.5 متر، وهي متجهة من الغرب إلى الشرق. ويميّز المبنى واجهته العريضة المكونة من برجين متسعين كل منهما مكلل بقبة قاعدتها هرمية يعلوها صليب حجري. كما يتخلل البرجان النوافذ النصف بيضاوية التي تبعث الإنارة إلى داخل البرج. وللكنيسة ثلاثة قباب، فالقبة الكبرى يصل ارتفاعها إلى 23 متر وهي متوجه بصليب حجري ومرتكزة على أربع زوايا مدرجة تتشابك مع أربع قبوات متصالبة الشكل. وتشكّل القبة الكبرى مع قبتي البرجين منظمة ثلاثية بديعة في إشارة إلى الثالوث الأقدس.
اللافتة الرخامية
اللافتة الرخامية هي حجر من الرخام الأبيض مثبت على جسم مبنى الكاتدرائية من الجهة اليسرى. والحجر الرخامي مربع الشكل مكتوب عليه بخط النسخ قول القديس بولس إلى أهل أفسس "حجر الزواية هو المسيح يسوع". وفي أسفل الحجر تذكر سنة التأسيس عام 1903 إلى جانب حرفي البداية والنهاية في اللغة اللاتينية، في إشارة إلى رب المجد يسوع. وتعد اللافتة الرخامية أشبة بحجر الأساس الذي وضع عند بدء العمل في بناء الكاتدرائية.
برجا الكاتدرائية
البرج الأيمن من داخله يصعد المصلي إلى شعرية الكنيسة التي تطل على الجزء الأوسط من صحن الكنيسة، فيما البرج الأيسر أسفله معبد للقديسة تريزا الطفل يسوع والقديسة ريتا والقديسة مريم ليسوع المصلوب. وأعلى المعبد توجد أجراس الكنيسة الثلاثة رخيمة النغمات.
القبة الكبرى
أول ما يجذب نظر المصلي عندما يرفع قلبه مبتهلاً، فترى عيناه القبة بلونها الأزرق القاني المرصع بالنجوم، رمزًا للسماء، وفي داخلها الصليب المقدس. ويحتضن هذا الصليب البيزنطي في زواياه أربعة ملائكة من الشاروبيم، ذوي الأجنحة الستة والعيون الكثيرة كحراس شرف للصليب المقدس. وعلى وزارات القبة، وبين إكليلين من الأشغال الجبسية الرقيقة، كتب نشيد الانتصار باللغة اليونانية "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور".
صحن الكنيسة وهياكلها
هو الجزء الأكبر مساحة بالكنيسة والذي يجتمع فيه المؤمنون للصلاة، وهو مستطيل الشكل ينقسم إلى ثلاثة أجزاء (أسواق) بأعمدة الكنيسة الأربعة التي ترمز إلى الإنجيلين الأربعة والتي ترتفع عليها القبة الكبرى. ويوجد بالكاتدرائية ثلاثة هياكل: الهيكل الجنوبس يمثل رقاد العذراء، والشمالي مكرس لمار يوسف العفيف، فيما الهيكل الأوسط للقيامة المجيدة. والهيكل هو قدس الأقداس، والجزء الأهم في مبنى الكنيسة، حيث تقام عليه الذبيحة الالهية. ومساحة الهيكل 170 متر، يصعد إليه الكاهن بعدة درجات، ويقع الهيكل في حضن الحنية الكبرى للكنيسة والتي تتمثل بشكل صدر السفينة.
الهيكل الملوكي والهيكلان الجانبيان
يتألف هذا الهيكل الذي يتوسط منطقة الحنية الكبرى من لوحة رخامية تمثل المائدة المقدسة وواجهة المائدة مزينة بالفسيفساء الذهبي وفي الوسط منها دائرة رخامية بداخلها صليب بيزنطي. أما شكل الهيكل في الجانبين فهو عبارة عن مائدة مربعة من الرخام الأبيض مساحتها 190 سم، قائمة على مكعب من الرخام. ويعلو المائدة قبة مزينة من الداخل بالفسيفساء الأزرق الذي تنتشر به النجوم ومن الخارج، فالقبة مزينة بقشر السمك ويعلوها صليب من البرونز.
هياكل التقبيلات
يتزين صحن الكنيسة بعدد من هياكل التقبيلات، وهي موزعة كالتالي:
- هيكلا التقبيلة المستندان إلى عامودي القبة الكبرى الأماميين، الأول في الجهة القبلية مكرس للنبي الياس، والثاني في الجهة الشمالية مكرس للعذراء مريم سيدة المعونة.
- هيكل تقبيلة القربان الأقدس، وهو قائم على عمود القبة الكبرى الشمالي.
- هيكل تقبيلة القديسة بربارة، وهو قائم على عمود القبة الكبرى الخلفي من الناحية القبلية.
- هيكل تقبيلة النبي يوحنا المعمدان، سابق المسيح، وهو قائم عند جانب الكنيسة الشمالي عند المدخل.
- هيكل تقبيلة القديس جاوروجيوس، وهو قائم عند مدخل الكنيسة القبلي.
- هيكل تقبيلة القديس يوسف البتول، وهو قائم إلى يسار هيكل القديس جاورجيوس.
- هيكل تقبيلة رقاد السيدة العذراء، وهو قائم إلى يمين هيكل القديس جاورجيوس.
- هيكل النبي إبراهيم، أبو الآباء، وقد أضيف حديثًا.
الأقواس والأعمدة
تترابط الكنيسة بقبتها وقبواتها وأسقفها المربعة المقوسة مع الجدران والحوائط من خلال العقود والأقواس المتداخلة، والموزعة بتناغم رائع بما يساعد في الإنارة إلى جانب الشبابيك الطولية المنتشرة على جدارن الكاتدرائية والشبابيك النصف دائرية الموزعة ما بين القناطر.
بيت القربان وجرن المعمودية
يقع بيت القربان على مائدة الهيكل الشمالي، وهو تحفة فنية من ثمانية أضلاع متعددة الألوان. وبيت القربان من الرخام الأبيض مع باب وتيجان أعمدة مصنّعة من البرونز المذهب. أما جرن المعمودية فهو رخامي بديع الصنع، أبيض اللون، قائم بمدخل الكنيسة الشمالي أمام معمودية النبي يوحنا المعمدان.
صورة القيامة المقدسة
صورة القيامة المقدسة بالفسيفساء، وهي جدارية رائعة تمتد على طول الحائط بأعلى الحنية الكبرى مسطحها 50 متر مربع، وهي تصور قيامة السيد المسيح من بين الأموات. يلتحف فيها المخلص بثوب أرجواني حاملاً الصليب بيده اليسرى فيما بيده اليمنى يبارك العالم. ويحيط بالمخلص على الجانبين ستة ملائكة في إطار نصف دائري ساجدين مبتهلين في خشوع.
الفريسكات
تحظى الكاتدرائية بالعديد من الرسوم الجدارية المعروفة بالفريسك، وهي تبلغ 19 فريسكة منتشرة على الجدران والأسقف داخل الكاتدرائية. تشمل هذه الرسوم والدهانات القبة الكبرى وحنايا الكنيسة مع الجدران وباطنية الأقبية مع الأسقف، وهي تتميز برسوم تجريدية مبسطة مع انعدام العمق والتظليلات.
الإيقونوسطاس
نفذ الايقونوسطاس (أو حامل الايقونات) في صورة غاية في الإبداع، فهو تحفة من رخام الكرارة الإيطالي الذي يظهر جماله من خلال النقوش البديعة التي تبرز في الأفاريز العلوية. أما الزينة السفلية فقد تشكلت من لوحات تتوسط أعمدته ذات التيجان البديعة.
أيقونات الإيقونوسطاس
تمثل رسوم الإيقونوسطاس الكنيسة المقدسة، فعند الوسط حيث الباب الملوكي توجد عليه أيقونة البشارة، وإلى اليمين على الباب الملوكي أيقونة السيد المعلم، وعن اليسار أيقونة السيدة العذراء. أمام البابين المحاذيين فقد صور عليها يمينًا رئيس الملائكة ميخائيل، ويسارًا رئيس الملائكة جبرائيل. فيما على الباب الأيمن أيقونة يوحنا المعمدان وعلى يسار الباب الايسر ايقونة القبر الفارغ.
يمتد الايقونوسطاس إلى جانبي صحن الكنيسة حيث يزينه علويًا أيقونات الأعياد الكبرى، أما وسطيًا فهناك أيقونات آباء الكنيسة ومعلميها، ويعلو هذه الأيقونات الكبرى أيقونة السيد الرب ضابط الكل والرسل الاثني عشر. ويكللّ مجموع هذه الأيقونات الصليب المقدس حيث يسوع مصلوبًا وإلى جانبه الأم الحزينة السيدة مريم العذراء، والتلميذ يوحنا حبيب.
العرش البطريركي
يقع العرش البطريركى المذهب يمينًا في صحن الكنيسة، وقد شيّد سنة 1856، وكان موجودًا أولاً بكاتدرائية سيدة النياح بدرب الجنينة، ثم انتقل إلى كاتدرائية القيامة، وهو مخصص لجلوس البطريرك عند ترأسه للصلوات بالكاتدرائية.
الموقع والرسالة
إنّ كاتدرائية القيامة للروم الكاثوليك قبل أن تكون بناء معماري له قيمته الهندسية والفنية، هي مكان مكرس للعبادة الإلهية، فكل ركن من أركانها يشهد لقلوب صلّت ولأيادٍ تضرعت، ولنفوس تشوقت لاتحاد حقيقي مع ربها وخالقها. كما أن كل عيد واحتفال يعكس ورائه قصة من المجهودات الصادقة في الإعداد والتحضير لمناسبات تاريخية عدة، ويكفي أن نذكر أن على مذبح الكاتدرائية رسم عشرة مطارنة وخمسة وعشرونًا كاهنًا يخدمون في شتى بقاع الأرض تحت الراية الروحيّة لبطريركية الروم الملكيين الكاثوليك.