موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
كمسيحيين، نحن مدعوون لعمل الخير وعدم التردّد في اتخاذ الموقف الصائب. هذا ما شدّد عليه البابا لاون الرابع عشر خلال المقابلة اليوبيلية، اليوم السبت 22 تشرين الثاني 2025، في ساحة القديس بطرس، إذ اختار أن يتأمّل في شخصية خادمة الله دوروثي داي (1897–1980).
هذه الصحافية الأميركية والناشطة الاجتماعية، التي اعتنقت الكاثوليكية، شاركت في تأسيس حركة "العمال الكاثوليك" خلال فترة الكساد الكبير، وعُرفت بأعمالها البارزة في خدمة الفقراء والعمّال والمهاجرين، وبشهادتها الإنجيلية في واحدة من أكثر الفترات تحديًا في التاريخ.
استلهم الأب الأقدس من إنجيل هذا اليوم قوله: "ومَن أُعطِيَ كثيراً يُطلَبُ مِنهُ الكَثير، ومَن أُودِعَ كثيرًا يُطالَبُ بِأَكثَرَ مِنه" (لو 12، 48)، ليحثّ المؤمنين على أن يكون التزامهم بخدمة الآخرين فعليًا وملموسًا. ودعا الجميع إلى الرجوع إلى الرب كي يعيننا على إدراك المواهب التي منحنا إياها، ويعلّمنا كيف نتخذ مواقف تساهم في بناء مجتمع يعكس محبة الإنجيل.
وأكد البابا أنّ يسوع جاء ليُشعل نار محبّة الله على الأرض، وهي نارٌ تُحرّك القلوب ولا تتركنا في سلامٍ إن فهمناه على أنّه راحة خاملة أو سكينة بلا مسؤولية. وقال: "أحيانًا نريد فقط أن نُترك وشأننا، ألا يزعجنا أحد، وأن نُبعد الآخرين عن حياتنا". لكنه شدّد على أن هذا ليس سلام الله، فسلام المسيح يشبه النار: يوقظ فينا الالتزام ويطلب منا الكثير.
وأضاف أنّ يسوع يدعونا قبل كل شيء إلى اتخاذ موقف حيث يوجد ظلم أو لامساواة، وحيث تُداس الكرامة البشرية ويُسلب الضعفاء صوتهم. فالرجاء يعني اتخاذ موقف؛ أن نرجو هو أن ندرك في القلب، ونُظهر بالأفعال، أنّ الأمور لا ينبغي أن تبقى كما هي. هذه هي نار الإنجيل الخيّرة.
في هذا السياق، ذكّر البابا بأنّ دوروثي داي تشكّل نموذجًا مُلهِمًا للمؤمنين اليوم. وقال: "كان في داخلها نار. لقد اتخذت دوروثي داي موقفًا واضحًا". وأوضح أنّها رأت أنّ نموذج التنمية في بلدها لا يوفّر للجميع الفرص ذاتها، وأنّ الحلم الأمريكي كان بالنسبة لكثيرين كابوسًا، وأنها –كمسيحية- عليها أن تعمل من أجل العمّال والمهاجرين ومن يُقصيهم اقتصاد يَقتل.
وأشار إلى أن دوروثي خدمت بعقلها وقلبها ويديها: كانت تكتب وتفكّر كصحفية وتجعل الآخرين يفكرون، وتقدّم الوجبات وتهب الملابس، وتلبس وتأكل مثل من كانت تخدمهم، كما ساهمت في إشراك آلاف الأشخاص الذين فتحوا بيوتهم في مدن وأحياء كثيرة، لا كمراكز خدمة فحسب بل كمساحات محبة وعدالة. وهكذا، حوّلت الغضب إلى شركة وعمل ملموس.
وخلص البابا لاون في مقابلته الخاصة بسنة اليوبيل مؤكدًا: "هؤلاء هم صانعو السلام؛ يتخذون موقفًا، يتحمّلون تبعاته، ويمضون قدمًا. الرجاء هو اتخاذ موقف، مثل يسوع، ومع يسوع، ناره هي نارنا، وليشعل اليوبيل هذه النار فينا وفي الكنيسة كلها".