موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٧ فبراير / شباط ٢٠١٤
ما بين الدين والثقافة

إبراهيم غرايبة :

نقلاً عن "الغد" الأردنية

يناقش الباحث الفرنسي أوليفيه روا في كتابه "الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة"، العلاقة بين الدين والثقافة في التاريخ والجغرافيا، وانفكاك هذه العلاقة وتطورها في ظل العولمة القائمة اليوم. ويلاحظ كيف تتشكل ظاهرة الانتعاش الديني اليوم بعيداً عن الهويات الثقافية التقليدية، وإنما بفعل العولمة والأزمات الثقافية. هذا الاعتقاد بالديني في جميع أنحاء العالم ومختلف دياناته خارج الثقافات، يحرك أصوليات حديثة متنافسة، في حراك ديني تختلف فيه الأديان وتتوحد أنماط الممارسة.

يقول روا في كتابه: "تواجهت فرضيتان في الربع الأخير من القرن العشرين، إحداهما ترى في العلمنة سيرورة محتمة؛ شرط للحداثة ونتيجة لها في ن معاً. والأخرى، تسجيل عودة الديني، مدركة أنها احتجاج على حداثة مستلبة أو وهمية، أو باعتبارها (العودة إلى الدين) شكلاً مختلفاً للدخول في الحداثة. وفي ملاحظته حول رواج وازدهار الحركات الدينية اليوم، يقول روا إنها تبدو إعادة صياغة لـ"الديني"، وليست عودة إلى ممارسات سلفية مهجورة. ويلاحظ حول الطفرة الدينية القائمة اليوم أنها بلا صفة إقليمية ولا هوية ثقافية.
كانت العلاقة بين الثقافة والدين وثيقة لدرجة يصعب التمييز بينهما. ولذلك، فقد كانت عمليات التحول من دين إلى آخر، والتبشير والدعوة إلى الأديان بين الشعوب والمجتمعات، تواجه حالة ثقافية أكثر منها دينية. وقد لاحظ الأب كريستيان دلورم، في مقال له في صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنه ليس مناسبا العمل على تحويل الجزائريين إلى المسيحية؛ لأن الإسلام جزء لا يتجزأ من الهوية الجزائرية. وكانت وما تزال عمليات التحول من دين إلى آخر تحرك التوترات الثقافية، ولكنها علاقة تبدو اليوم أقل قوة لدرجة -كما يقول روا- تجعل فكرة صدام الحضارات "استيهاما عميقا".

ثمة عناصر أربعة تحدد الفرق بين الدين والثقافة: المعيار المتعلق بالقانون أو بفلسفة الأخلاق، مثل العلاقة بين الرجل والمرأة؛ والمعالم الدينية المختلفة والمتصلة بالمقدس والطقوس والرموز؛ والتدين بما هو الإيمان المعيش (التطبيق الديني في الحياة والسلوك)؛ والنظرية اللاهوتية بما هي مدونة استدلالية من المعتقدات المعقلنة والمعروضة عرضاً منهجيّاً.

وينبثق الدين من حضن ثقافة بطريقتين: من الداخل بواسطة رسالة معلن عنها بوحي (الأنبياء)؛ ومن الخارج عن طريق العمل التبشيري بأشكاله كافة (فتوحات، وإرساليات). وليست العلاقة بالثقافة هي نفسها في الحالتين. وبانتشار مفهوم "الثقافة الإنسانية" بعد العام 1945، استعاد بعض الأديان المصطلح، كما حدث في مجمع الفاتيكان الثاني، وحوار الثقافات الذي نادت به بعض الدول الإسلامية بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

والدين يصنع شيئا من الثقافة؛ فهو يثبت لغات، ويطور المكتوب، ويلهم فنّاً دينيّاً. ويمكن أن يتماهى مع شعب فيصبح بذلك ديناً شبه عرقي. وفيما يتعدى السمات المشتركة للمسيحية التبشيرية الغربية، التي تذهب في اتجاه العولمة من طرق متباينة، فإن كلا من الكاثوليكية والبروتستانتية تدير العلاقات بين معالم ثقافية ومعالم دينية إدارة مختلفة. فالكنيسة الكاثوليكية تعلق أهمية كبيرة على البحث عن علاقة تكافل مع الثقافة. ومسألة الثقافة هي في صميم الكاثوليكية المعاصرة، في أشكال متباينة جداً: تثاقف، دفاع عن ثقافة أوروبية، إرجاع إلى اللاتينية، لاهوتية التحرر. في حين تتخذ البروتستانتية اتجاها معاكسا، فتمضي بعيدا على طريق تقهقر الهوية الثقافية، والتمييز بين معالم دينية ومعالم ثقافية.