موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٤ أغسطس / آب ٢٠٢٢
لاجئون بين عنصرية وخطاب دفاعي مشوه

روجيه أصفر - سورية :

 

تصاعدت في الأشهر الأخيرة خطابات عنصرية -باتت للأسف مألوفة- بحق اللاجئين السوريين في تركيا، تزامُنًا مع ازدياد التضخم المالي فيها، وخطابات أخرى مماثلة في لبنان تزامُنًا مع تعاظم انهياره الاقتصادي والمالي، وازدياد صعوبة الأحوال المعيشية لمُواطنيه.

 

روَّجَت خطاباتٌ لِسياسيين أتراك -دون دليل يُعتدُّ به- أن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها بعض الأسواق، وأنَّ التضخم الذي يطول الليرة التركية، سبَبُهُما اللاجئون، وخاصة السوريين منهم. فروَّجُوا وُعودًا انتخابية بإعادة هؤلاء إلى بلادهم، دون النظر إلى الأسباب التي جعلتهم يغادرون وطنهم ويطلبون اللجوء في البلد الجار. أما في لبنان، فقد صرح مسؤول رفيع مهددًا بطرد اللاجئين، ورابطًا وجودهم باعتباره مُسبِّبًا بالانهيار الاقتصادي الحاصل في البلاد، وهو ما يمكن تفسيره على اعتبار أنه تذرُّع باللاجئين، بدل الاعتراف بالمسببات الحقيقية للأزمة، وبالفشل في التعامل معها.

 

يمكن للمتابع ربط هذه الخطابات الشعبوية بسهولة بأمرين: أحدهما مُسبِّب، وهو الاقتراب من انتخابات العام المقبل في تركيا وسط استقطاب سياسي واضح، ومحاولة العثور على شماعة مناسبة يُعلَّق عليها معطف مسؤولية الانهيار في حالة لبنان. والأمر الثاني نتيجة، وهو انعكاس هذه الخطابات وتَجلِّيها في ممارسات عنصرية وعنيفة بحق هؤلاء اللاجئين.

 

اللافت في الأمر أن هذه الممارسات قد تفلَّتَت من كل عقال، فطالت أشخاصًا ليسوا بسوريين أصلًا، حتى ولا لاجئين. ففي تركيا أفادت تقارير إعلامية باعتداء بعض المواطنين الأتراك على صحفي إسباني وزوجته، بعد أن توهم المعتدون أنهما سوريان، وكأن الجنسية السورية تهمة أو جريمة تستوجب العقاب. أما في لبنان، فبات بعض المقيمين العرب -غير السوريين- يشعرون بالتهديد المباشر من جراء الممارسات العنصرية بحق "الغرباء"، الذين أرادوا مثلًا شراء بعض الخبز، في أثناء أزمة نقص الطحين التي تعصف بالأفران المحلية.

 

لم يكن هذا الرأي المتطرف المعادي لِلَّاجئين وحيدًا في الساحة. ففي المقابل، أظهرَت مقابلاتٌ صحفية عديدة آراءً إيجابية لمواطنين أتراك بشأن اللاجئين؛ إذ وصفوا السوريين بالمجتهدين والمؤدبين والإخوة في الدين، أي الإسلام. أيضًا شوهدت لافتات في إحدى المناطق اللبنانية تُعبِّر عن عدم وجود التمييز بين اللبناني والفلسطيني والسوري، لأنهم جميعًا إخوة في الدين.

 

سرديات أخرى حاولت الدفاع عن اللاجئين بالقول: إنهم سبب استجلاب تمويل أنعَشَ اقتصاد البلاد، ووصفَتهم بأنهم قوة عاملة ضرورية... إلى ما هنالك من أسباب تحاول مواجهة الخطاب العنصري الشعبوي، عبر التركيز على فوائد وجود اللاجئين.

 

وفي مستوى مختلف من الخطاب، يمكن العثور على عينات منه في البلدين (تركيا ولبنان)، يربط فيه بعضُ أصحاب التوجه المعادي لِلَّاجئين بين دعوات طردِهم والجانب الوطني وإثارة الحميَّة الوطنية. فاللاجئ في خطابهم لم يبذل الدم في سبيل البلاد التي يعيش فيها اليوم، بل هو قد شوه -بوصفه غريبًا- النسيج الاجتماعي الوطني المعتاد وثقافة الشعب.

 

ما زالت التقارير الحقوقية المختلفة المصدر تقف في وجه دعاة طرد اللاجئين، والبيئةُ الآمنة لعودة هؤلاء إلى بلادهم غير متوافرة حتى اللحظة، وهو ما ينطبق على مجمل الأراضي السورية مع تنوع الجهات المسيطرة عليها. وإن كان من حالات استطاع فيها بعض اللاجئين العودة دون خطرٍ جِدِّي يهدد حياتهم، فهذا لا يعني أن حالتهم تنسحب على مجمل اللاجئين السوريين.

 

ومع تفهُّم خطاب الأخوَّة الدينية، والترحيب بالتضامن الفعال الحاصل على أساس الشعور الديني، فإن ذلك يُخرج القضية عن طابعها الإنساني الشامل، إلى حيز ضيِّق أو جزئي، هو حيز الانتماء الديني. فالموقف من اللاجئ/ة موقف حقوقي إنساني، يستند إلى حقيقة كونه/ها إنسانًا قبل تحديد أي انتماء له/ها. وعليه، فهويَّة اللاجئ هو شخصُه نفسه، سواءٌ أسُوريًّا كان أم أوكرانيًّا أم هنديًّا على سبيل المثال، أم مسلمًا أم مسيحيًّا أم هندوسيًّا... فالأساس في التعاطي مع حالته هو إنسانيته لا دينه.

 

مع حُسن نية بعضهم في تبرير وجود اللاجئين بكونهم مفيدين لاقتصاد البلاد، ومستجلبين للتمويل الخارجي وغيره، فإن أصحاب هذا الطرح يقعون في خطأ جسيم، بربطهم حقوق اللاجئ بفاعليته وقدرته على أن يكون مفيدًا. فماذا لو كان اللاجئ غير مفيد؟ أيحرمه هذا حقوقَه؟ تأتي هنا واحدة من قواعد حقوق الإنسان لتُذكِّر بأن: "وجود الإنسان يبرر وجوده"، وليس دوره هو ما يبرر هذا الوجود. أما استعمال الدور والفائدة لتبرير الوجود، فإنه يليق بالأدوات والأشياء، ولكنه لا ينطبق على الإنسان.

 

أما بالنسبة إلى الخطابات العنصرية المستندة إلى الحميَّة الوطنية والتعصب القومي، فهي تبدو بدورها منافية لحقوق الإنسان، ومُصنِّفة لأيِّ مجموعة وطنية أو قوميّةٍ ما على اعتبار أنها أرفع شأنًا من سائر البشر. وهو منطق يبدو غريبًا، يأتي للمفارقة من شعوب شديدة التنوع في الحقيقة، تفاعلت عبر التاريخ مع إثنيَّات عديدة، وتضمنت العديد من الثقافات والحضارات. وعليه، يبدو تعصُّبها الوطني القومي اليوم رفضًا لواحد من أسباب تكوُّنها الرئيسة.

 

(تعددية)