موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٣ أغسطس / آب ٢٠٢٢
عالم الظّلمات

أشخين ديمرجيان :

 

لا بدّ أنّ كلّ من يُبدي اهتمامًا بالحركة البيئية العالمية قد سمع أو قرأ عن مصطلح "چايا" Gaia. چايا هي إحدى شخصيات الميثولوجيا الإغريقية وتُجسّد "الأمّ الأرض" وفقًا لليونانيين القدماء (الإغريق). وقد كان يعبدها الأوثان أصلاً كأمّ للآلهة قبل أن يدخلوا في عبادة زيوس. وتُعَدّ أمّ الآلهة لأنّها -حسب أقوالهم- تحكم الطبيعة في الأساطير اليونانية القديمة إذ ارتفعت منها السماء، وخُلقت منها الجبال والبحار. ويعتقدون أيضًأ أنّها تعطي الأحلام وتغذّي الأطفال والنباتات!

 

بمعنى آخر "چايا" هو إحياء للوثنية القديمة التي ترفض الديانات التي تنادي بوحدانيّة الله. ولسبب أو لآخر تُعَدّ هذه الديانات أكبر عدوّ لها، كما يعترف الداعون إلى عولمة الدين: أنّ المسيحية والاسلام هما العقبتان الوحيدتان اللتان تعرقلان أهدافهم في تشكيل "دين عالمي" يركّز على عبادة چايا، ويوحّد جميع أشكال الحياة ويُركّزها حولها. إنّ مزيج من العلم والوثنية والتصوّف الشرقي والحركات النسوية، حوّل هذه العبادة الوثنية إلى تهديد متزايد وخطر كبيرعلى جميع الديانات في العالم أجمع . إنّ عبادة "الأمّ الأرض" أو "چايا" هو محور السياسة البيئية العالمية في الزمن الحالي. في بداية هذه الفقرة استخدمت مصطلح "وحدانية" بدلاً من "التوحيد" لأنّ عالم الظلمات يخطّط إلى  "توحيد" الأديان بدين جديد من تأليفه وتلحينه .

 

وقد بيّن قداسة البابا فرنسيس الأوّل في رسالته الحبريّة: {تباركتَ يا ربّ يا سيّدي} بيّن "أنّ الأرض كلّها خلائق أي مخلوقات" كما ورد في أوّل آية من سفر التكوين (أوّل كتاب من الكتب المقدّسة) وأنّها كلّها تُشيد بحمده: "في البدء خلق الله السماوات والأرض". بناءً على ذلك لا شكّ في وحدة الخالق وسموّه. والأرض خليقة أمّ لنا معنويّة، لكنّنا نتفوّق عليها أي على جمادها وحيوانها ضميرًا وعقلاً وعاطفة.

 

مع أنّ خطة نشر العبادة الوثنية قديم، ويتمّ من وراء الكواليس، كما تتمّ العولمة. وأحسب أنّ الوثنية ستشكّل إحدى أركان العولمة في المستقبل. وتؤكّد البوادر التي تلوح على الأفق القريب أوالبعيد نجاح هؤلاء الزعماء في تحقيقها. من هذه البوادر السلبيّات التي تحاصر حياتنا من فساد ودمار وحروب وتدهور القيم الخلقية والمعنوية وغيره كثير... ناهيك عن تعاون الجمعية العامّة للأمم المتحدة مع أولئك الذين يسيطرون على الاقتصاد وصنع السياسات في قسم كبير من العالم. وبالتالي يتصاعد نفوذهم في كلّ زمان ومكان.

 

أكبر عدو للإنسان هو الجهل الذي يقوده إلى الخوف فالكراهية فالعنف. نستثني هنا الخوف بمعنى الرهبة والإجلال... لا يدخل الإنسان إلى عالم الظلمات ولا يتوه فيها إذا ثبت في إيمانه بربّه، واستمرّ في مطالعة الكتب الثقافية مع التركيز والبحث الشامل والتحليل الكامل وتمحيص الأفكار في الذهن، وتقليبها من جميع الوجوه، وفحصها بتروّ وإمعان، ودرسها بعناية ودقّة. والإتقان في إنجاز الأعمال. أو نكون، على الأقلّ، قد شكّلنا رأينا الخاص وحكمنا على الأمور بشكل علمي نزيه.

 

 

خاتمة

 

على المؤمن أن ينصت إلى المنطق ومن الكتاب المقدّس يستنير، كي يسمو على أمواج الشك المتلاطمة ويصل إلى شاطىء السلامة. نرجو أن يؤدّي كلّ منّا واجبه في رسالتنا الإيمانية ومسيرتنا الثقافية. يحضرني الآن من رسائل القديس بولس الإناء المختار: "ليس صراعنا مع اللحم والدم، بل مع أصحاب الرئاسة والسلطان وولاة هذا العالم، عالم الظلمات، والأرواح الخبيثة. فخذوا سلاح الله الكامل لتستطيعوا أن تقاوموا في يوم الشرّ. واتّخذوا لكم خوذة الخلاص وسيف الروح، أي كلمة الله" (أفسس 6: 12-17).