موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
وجّه المجلس البابوي المجلس الفاتيكانيّ للحوار بين الأديان، اليوم الجمعة، رسالته المعتادة لشهر رمضان المبارك وحملت هذا العام عنوان: "المسيحيون والمسلمون: المشاركة في الأفراح والأحزان"، حيث أشار المجلس إلى أنّ الجائحة وما تبعها من آثار مأساويّة لكلّ جانب من جوانب الحياة البشريّة قد جذبت الانتباه مجددًّا إلى بُعدٍ هام من أبعاد الحياة، ألا وهو المشاركة.
وفيما يلي النص الكامل للرسالة:
أيها الأخوة والأخوات المسلمون الأعزاء،
كما نعلم جميعًا، فقد تسبّبت جائحة كوفيد-19 في مقتل ملايين الأشخاص حول العالم، بما في ذلك بعض أفراد عائلاتنا. كما مرض آخرون وتمّ شفاؤهم، ولكنهم عانوا الكثير لفترة طويلة من عواقب العدوى. وبينما تحتفلون بشهر رمضان الذي يختمه عيد الفطر، فإنّ أفكارنا تتجه بالامتنان إلى الله القدير الذي بعنايته حفظنا جميعًا سالمين. كما نصلّي بحزن من أجل الموتى، وبرجاء من أجل المرضى.
لقد جذبت الجائحة وآثارها المأساويّة على كلّ جانب من جوانب الحياة البشريّة انتباهنا مجدّدًا إلى بُعد هام من أبعاد الحياة المشتركة: المشاركة. لهذا السبب، اعتقدنا أنّه من المناسب أن نتناول هذا الموضوع في الرّسالة التي يسعدنا توجيهها إلى كلّ واحدٍ منكم وإليكم جميعًا.
نتشارك جميعًا في عطايا الله: الهواء والماء والحياة والغذاء والمأوى، وثمار تقدّم الإنسان في المجالات الطبيّة والدوائيّة، ونتائج تقدّم العلوم والتكنولوجيا في مختلف المجالات وتطبيقاتها والاكتشاف المستمرّ لأسرار الكون... إنّ إدراك طيبة الله وكرمه يملأ قلوبنا بالامتنان تجاهه تعالى، ويشجّعنا في الوقت نفسه على تقاسم هباته مع إخوتنا وأخواتنا الذين هم في أي نوع من أنوع الاحتياج. إنّ الفقر والظروف المحفوفة بالمخاطر التي يجد العديد من الأشخاص أنفسهم فيها، بسبب فقدان الوظائف والمشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتعلّقة بالجائحة، تجعل واجبنا في المشاركة أكثر إلحاحًا.
يكمن الدافع الأعمق للمشاركة في إدراكنا أنّنا جميعًا، وكلّ ما لدينا، عطايا من الله. ونتيجة لذلك، علينا أن نضع مواهبنا في خدمة جميع إخوتنا وأخواتنا، وأن نتقاسم معهم ما بين أيدينا. تنبع المشاركة في أفضل تجلّياتها من التعاطف الحقيقيّ والشفقة الفعّالة تجاه الآخرين. ونجد، في هذا السياق، تحديًّا ذا مغزى في العهد الجديد: "من كانت له خيرات الدنيا ورأى بأخيه حاجة فأغلق أحشاءه دون أخيه، فكيف تقيم فيه محبّة الله؟ يا بَنيّ، لا تكن محبتنا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحقّ" (1 يوحنا 3، 17-18).
إلا أنّ المشاركة لا تقتصر على الخيرات الماديّة، بل هي قبل كلّ شيء مشاركة أفراح وأحزان بعضنا البعض، والتي هي جزء من كلّ حياة بشريّة. أوصى القديس بولس مسيحييّ روما أن يفرحوا مع الفرحين ويحزنوا مع من هم في حزن (راجع روما 12، 15). وفي هذا السياق، أكد البابا فرنسيس أن الألم المشترك يتناصف، وأمّا الفرح المشترك فيتضاعف (راجع اللقاء مع التلاميذ، 11 أيار 2018).
من التعاطف تنبع المشاركة في المواقف والمشاعر خلال الأحداث الهامّة، سعيدة كانت أو حزينة، لأقاربنا وأصدقائنا وجيراننا، بما فيهم أولئك المنتمين إلى أديان أخرى: تصبح أفراحهم أفراحنا، وأحزانهم أحزاننا أيضًا.
من بين الأفراح المشتركة: ولادة طفل والشفاء من مرض والنجاح في الدراسة والتوفيق في الوظائف أو الأعمال والعودة الآمنة من سفر ومناسبات أخرى بالتأكيد. هناك أيضًا فرح خاص بالمؤمنين: الاحتفال بأعيادهم الكبرى. عندما نزور أصدقاءنا وجيراننا من أتباع الديانات الأخرى أو نهنّئهم في تلك المناسبات، فإننا نشاركهم فرحتهم بالاحتفال بعيدهم، دون أن يعني هذا تبنّي البُعد الدينيّ للمناسبة التي يحتفلون بها، وكأنه خاص بنا.
ومن بين الأحزان المشتركة، في المقام الأول، وفاة شخص عزيز ومرض أحد أفراد الأسرة وفقدان الوظيفة وفشل مشروع أو عمل تجاري وأزمة في الأسرة ينتج عنها أحيانًا تفكّكها. من الواضح أنّنا بحاجة إلى التقارب والتضامن فع أصدقائنا أكثر منه في أوقات الفرح والسلام.
نأمل، أيها الإخوة والأخوات المسلمون الأعزاء، أن نستمرّ في مشاركة جميع جيراننا وأصدقائنا أفراحهم وأحزانهم، لأنّ محبّة الله تشمل البشريّة جمعاء والكون بأسره. وعلامة على إنسانيّتنا المشتركة والأخوة الناتجة عنها، نتمنّى لكم شهر رمضان يعمّه السلام، واحتفالاً بهيجًا بعيد الفطر.