موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي رسالة عيد الفصح بعنوان: "أتت النسوة باكرا صباح الأحد الأول من الأسبوع، حاملات الطيب"، إلى اللبنانيين جميعًا، والمسيحيين خصوصًا، في حضور أساقفة الكنيسة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات، وحشد من المؤمنين.
وقال البطريرك الراعي في رسالته: "أتت النسوة إلى القبر حاملات الطيب، وكلّهنّ يقين بوجود جثمان يسوع في القبر، ففوجئن بالحجر الكبير مدحرجًا، والقبر فارغًا، إلّا من ملاك أنبأهنّ بأنّ يسوع قام، وكلّفهنّ بالذهاب إلى التلاميذ مع هذا الإرسال: "إنّه قام من بين الأموات، وها هو يسبقكم إلى الجليل وهناك ترونه (راجع متى 28: 1، 5، 7). يسعدني باسم إخوتي السادة المطارنة الأجلّاء، أن أحيّي قدس الرؤساء العامّين والرئيسات العّامات، والرؤساء والرئيسات الإقليميّين والإقليميّات وسائر الآباء والأخوات، مهنّئًا إيّاكم بعيد الفصح المجيد، وقد شاركنا المسيح الربّ في آلامه وقيامته، عابرين بالتوبة والمصالحة من حالة الخطيئة إلى حالة النعمة، وأشكر قدس الأرشمندريت جورج نجّار الرئيس العام للرهبانيّة الباسيليّة الشويريّة، على الكلمة اللطيفة التي ألقاها باسمكم، مبادلًا إيّاكم التهاني والتمنيات بعيد الفصح المجيد. بين يوم الجمعة والأحد، يوجد يوم سبت النور، يوم الصمت أمام قبر يسوع، حيث الذاكرة مجروحة، والرجاء مخنوق والساعة مظلمة. وفي الليل كانت النسوة تهيّئن الطيوب لجثمان يسوع، صباح الأحد، ذاك اليوم الذي بدّل التاريخ. والمسيح في ذاك السبت، مثل حبّة حنطة ماتت في الأرض، كان يثمر في العالم حياة جديدة".
وتابع: "في صباح الأحد توجّهن باكرًا إلى القبر، فوجدن ملاكًا يقول لهنّ: "لا تخفنّ! ليس هنا، إنّه قام" (متى 28: 5 و6). أمام القبر سمعن كلمات حياة. ثمّ لاقين يسوع، مصدر الرجاء، يثبّت البشرى ويقول: "لا تخفن". هذا هو إعلان الرجاء. إنّه لنا اليوم في ظلمة الحياة. في هذه الليلة نكسب حقًّا أساسيًّا لا يُنزع منّا، هو حقّنا في الرجاء، رجاء جديد حيّ يأتي من الله. "تشجّع، تشجّعي، تشجّعوا". هي كلمة تخرج في الإنجيل من فم يسوع. إنّه القائم من الموت يقيمنا نحن معه من حضيض خطايانا، من حالة بؤسنا، من حالة الشكّ والارتياب والضياع. "تشجّع" عطيّةٌ من المسيح، يكفي أن نفتح قلوبنا في الصلاة لالتماسها. إنّها أساس الرجاء ومصدره. صليب المسيح يؤدّي إلى القيامة. "هذا هو رجاؤنا الذي لا يخيّب" (روم 5، 5). إنّنا حجّاج الرجاء. لقد اختبرنا الرجاء في مطلع هذه السنة على أكثر من صعيد، ولو مخفيًّا بين ركام الدمار، ودماء القتلى والجرحى، ودموع المحزونين والحزانى. فكان الرجاء بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة ينعم بثقة الداخل والخارج، ورئيس للحكومة والوزراء الواعدين فيها، والتعيينات الجديدة العسكريّة والقضائيّة. هذه كلّها من مظاهر الرجاء الآتي من الله الذي يدعونا إلى دحرجة حجر اليأس والقنوط وفقدان الرجاء فالكلمة الأخيرة لم تكن لموت المسيح الفادي بل لقيامته".
أضاف: "بعد إحياء الرجاء في قلوب النسوة، كان الإرسال من المسيح القائم: "اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس، إنّه يسبقكم إلى الجليل وهناك ترونه" (مر 16: 7). إنّه بعد قيامته "يسبقنا إلى الجليل". يمشي أمامناـ يسبقنا دائمًا. اختبر حياتنا وموتنا، وقام ويسبقنا إلى كلّ مكان يرسلنا إليه. "الجليل" حيث هو وتلاميذه عاشوا الحياة اليوميّة، في العائلة، وفي العمل. الجليل يذكّر التلاميذ بدعوتهم الأولى. يذكّرهم بحبّه لهم ودعوته. لكلّ واحد وواحدة منّا "جليله": حيث يولد من جديد بدعوة حبّ مجّانيّة. من هنا ننطلق دائمًا وبخاصّة أثناء الأزمة والتجربة والسقوط، والقنوط، واليأس. "الجليل" كان بعيدًا جغرافيًّا عن أورشليم، وبعيدًا عن قدسيّة أورشليم، إذ تسكنه شعوب مختلفو الديانات، لذلك يُسمّى "جليل الأمم" (متى 4: 15). هذه منطقة تنبّأ عنها أشعيا قائلًا: "... جليل الأمم، الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق نور عليهم"(متى 4: 15-16؛ أشعيا 9: 1). أرسلهم يسوع وسبقهم إلى الجليل، لكي من هناك يذهبوا من جديد في رسالة إعلان القيامة. ما يعني أنّ إعلان الرجاء لا ينحصر في أماكننا المقدّسة، بل يُحمل إلى الجميع حيثما هم. هذا هو دور المسيحيّين، إنّهم أصحاب رسالة وهي: أن يعزًوا الحزانى ويحملوا أثقال الآخرين، وأن يشجّعوا، وأن يعلنوا الحياة في زمن الموت، وأن يظلّوا بمدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم وسائر مؤسّساتهم، في كلّ مكان وبيئة، يؤدوّن الخدمة للجميع، ويشهدون أنّ جميع البشر إخوة وأخوات، فيُسكتوا صراخ الموت. كفى حروبًا، كفى تصنيع أسلحة والمتجارة بها، فالعالم بحاجة إلى خبز لا إلى سلاح. ولتتوقّف عمليّات الإجهاض وقتل الأبرياء، ولتُفتح أيادي القادرين لتملأ الأيادي الفارغة حتى من الضروريّ. ها نحن اليوم حجّاج الرجاء نلتجئ إليك، أيّها المسيح القائم. لنفتح قلوبنا لك، أنت الحياة، ونتقبّلها منك حياة جديدة، ونمط عيش جديد، يخرجنا من عتيقنا إلى جديد نعمة القيامة".
تابع: "في ظلّ التحديات المتعاظمة التي يواجهها قطاع التربية والتعليم في وطننا، تبرز الحاجة الملحّة إلى ورشة إصلاح تربويّ شاملة، تنطلق من حرّيّة التعليم التي يكفلها الدستور اللبنانيّ في مادّته العاشرة، وتستند إلى ما جاء في شرعة حقوق الإنسان التي تؤكّد في مادّتها السادسة والعشرين على "حقّ كلّ إنسان في التعلّم. إنّ هذه الورشة لا يمكن أن تُؤتي بثمارها إلا من خلال حوار بنّاء، يشارك فيه جميع المعنيّين بالشأن التربويّ: إدارات ومعلّمين وأهالي تلامذة، بهدف وضع تشريعات حديثة، عصريّة، عادلة ومنصفة، تحفظ حقوق مختلف مكوّنات العائلة التربويّة. ونخصّ بالذكر في هذا السياق: تسوية أوضاع صندوق التعويضات للمعلّمين في المدارس الخاصّة، بما يضمن حقوق الأساتذة الحاليّين والمتقاعدين؛ إقرار تشريعات تحافظ على المدرسة المجانيّة، لما لها من دور أساسيّ في تأمين التعليم لمن هم الأكثر حاجة؛ استكمال ورشة تحديث المناهج التربويّة، بما يتلاءم مع متطلّبات العصر، ويُسهم في تنشئة أجيال قادرة على بناء مستقبل الوطن".
وخلص البطريرك الراعي في رسالته لعيد الفصح إلى القول: "نؤكّد ضرورة أن تراعي هذه التشريعات، من جهة، القدرة الفعليّة للأهالي على تحمّل الأعباء التربويّة، وأن تضمن، من جهة أخرى، العيش الكريم للمعلّمين واستمراريّة المدارس الخاصّة، ولا سيّما في المناطق النائية، حيث تُشكّل هذه المدارس الضمانة الوحيدة لاستمرار التعليم والتربية. هذا رجاؤنا نضعه في المسيح يسوع القائم من الموت، متّكلين على نعمته، نعمة موته وقيامته. فنهتف من صميم قلوبنا: المسيح قام".