موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بعث البابا فرنسيس برقية تعزية لابنة الرئيس الاتحاد السوفيتي السابق، إيرينا غورباتشوف.
وعبّر الحبر الأعظم عن قربه الروحي، مقدّمًا تعازيه القلبيّة لأفراد عائلته، ولكلّ من رآه رجل دولة ذو قيمة. وقال: "بينما استذكر بامتنان التزامه بعيد النظر للوئام والأخوّة بين الشعوب، والتقدّم في بلده في وقت التغيرات الهامّة، فإنني أرفع الصلاة طالبًا له الراحة الأبديّة من لدن الرب الرحيم".
وتوفي غورباتشيف، آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي، مساء الثلاثاء، عن عمر يناهز 91 عامًا بعد صراع طويل مع المرض. وساعد الرئيس والمصلح السوفياتي السابق البارز في رفع الستار الحديدي، مما أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، ووضع مسارًا جديدًا في العلاقات مع الكرسي الرسولي، وحدًا لعقود من الاضطهاد الديني ضد الكنيسة الكاثوليكيّة في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق.
كان غورباتشوف عضوًا في الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي منذ أوائل الخمسينيات، وكان أمينًا عامًا للحزب من عام 1985 إلى عام 1991 ورئيسًا للاتحاد السوفيتي من عام 1990 إلى عام 1991. وخلال فترة ولايته التي استمرّت سبع سنوات، أدخل إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة رئيسيّة على الاتحاد السوفيتي، ما سمّي بـ"إعادة الإعمار" و"الشفافيّة".
لعب غورباتشوف دورًا حاسمًا في إنهاء الحرب الباردة، والتي أكسبته الحصول على جائزة نوبل للسلام عام 1990، وشعبيّة واسعة النطاق في الدول الغربيّة، ولكن ليس في الداخل، حيث ألقى بعض الروس باللوم عليه في الانهيار الداخلي للاتحاد السوفيتي عام 1991، وكذلك انهيار الاقتصاد، الذي أعقبه بروز الاتحاد الروسي في تسعينيات القرن الماضي.
كمصلحٍ سياسيّ، رسم غورباتشوف أيضًا مسارًا جديدًا في العلاقات مع الكرسي الرسولي، ووضع حدًّا لعقود من الاضطهاد الديني ضد الكنيسة الكاثوليكيّة في الاتحاد السوفيتي السابق. تميّز هذا المسار باجتماعه التاريخيّ في الفاتيكان كأمين عام للحزب الشيوعي السوفيتي، مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في 1 كانون الأوّل 1989، وذلك بعد أقل من شهر من انهيار جدار برلين، وبعد مرور عام واحد على استقبال وفد كنسي رفيع في موسكو للاحتفال بمعموديّة ألف روسي عام 1988.
خلال تلك الزيارة التاريخيّة، تبادل والقديس يوحنا بولس وجهات النظر حول التغييرات العميقة التي تشهدها أوروبا الشرقية آنذاك، وتطرقا لأهميّة تعزيز الحريّة الدينيّة والقيم الأخلاقيّة في الاتحاد السوفيتي بشكل أكبر، وتحسين العلاقات الكاثوليكيّة الأرثوذكسيّة.
كما لفتا إلى حقيقة أنه لا ينبغي على دول أوروبا الشرقية أن تقوم باستيراد القيم الغربية بالجملة. قال البابا يوحنا بولس الثاني: "سيكون من الخطأ أن يدّعي شخص ما أنّ التغييرات في أوروبا والعالم يجب أن تتّبع النموذج الغربي". وأضاف: "على أوروبا، كمشاركة في تاريخ العالم، أن تتنفس برئتين"، مستخدمًا إحدى استعاراته المفضلة والتي تدعو إلى الإنسجام بين الشرق والغرب في القارة.
وفي ذات المحادثة التاريخيّة، أعرب البابا البولندي أيضًا عن مخاوفه بشأن الحريّة الدينيّة في الاتحاد السوفيتي كما وعلاقات الفاتيكان مع مختلف الكنائس الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة، حيث قابل ردًا إيجابيًّا، لكنه حذر، من قبل الرئيس ميخائيل غورباتشوف.
كرّر القديس يوحنا بولس الثاني هذه النقاط في خطابه الرسميّ للزعيم السوفيتي: "في مناخ عودة الحريّة، سيتمكن الكاثوليك بالتالي من العمل مع إخوتهم في الكنيسة الأرثوذكسيّة الأعزاء علينا. في الواقع، إنّنا نتشارك معهم إرثًا مشتركًا، ونرغب في التعاون معهم في التزام مسكوني متجدّد بالكرازة بإنجيل المسيح للأجيال الجديدة، والعمل معهم في مجال التنمية البشريّة الواسع".
قام غورباتشوف بزيارة ثانيّة إلى الفاتيكان، ولكن هذه المرّة كرئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكيّة السوفياتيّة عام 1990، عندما أصدرت حكومته قانونًا بشأن الحرية الدينيّة يلغي فيه القيود المفروضة على الكنائس، ويشرّع حضور الكنيسة الكاثوليكيّة الأوكرانيّة بعد عقود من الاضطهاد.
وبعد عشر سنوات، التقى البابا يوحنا بولس الثاني من جديد في العاصمة الإيطاليّة روما، وتحديدًا في 13 تشرين الثاني 2000، بمناسبة انعقاد القمة العالميّة للحائزين على جائزة نوبل للسلام. وفي حديثه لإذاعة الفاتيكان، ألقى غورباتشوف نظرة ثاقبة على تحديات العصر.
كذلك، حذّر من أنّه "في الوقت الحاضر هناك عمليات لا تؤدي إلى نزع السلاح بقدر ما تؤدي إلى خطر انتشار الأسلحة النوويّة". وفي حديثه عن النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة، كرّر الرئيس السابق غورباتشوف دعوة البابا إلى عالم "أكثر استقرارًا وعدلاً وإنسانيّة".
في الآونة الأخيرة، وفي مقابلة مع المجلة الأسبوعيّة الألمانيّة دير شبيغل في عام 2015، حذّر غورباتشوف من أن القتال في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، قد يؤدي إلى صراع عسكري كبير. كما أدان العقوبات الاقتصاديّة ضد موسكو، مستنكرًا ما وصفه بأنه "فقدان الثقة الكارثيّ" بين روسيا والغرب.