موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي في بودابست مختتمًا المؤتمر الإفخارستي الدولي

فاتيكان نيوز :

 

في إطار زيارته الرسوليّة إلى المجر ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة الحادية عشرة والنصف القداس الإلهي في ساحة الأبطال في بودابست اختتم فيه المؤتمر الإفخارستي الدولي. وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: في قيصريّة فيليبس سأل يسوع التلاميذ: "مَن أَنا في قَولِ النّاس؟". يضع هذا السؤال التلاميذ في مأزق ويشكل نقطة تحول في مسيرتهم في اتباع المعلم. لقد كانوا يعرفون يسوع جيدًا، ولم يعودوا مبتدئين: كانوا قد اعتادوا عليه، وقد شهدوا العديد من المعجزات، وتأثروا بتعليمه، وكانوا يتبعونه أينما ذهب. ومع ذلك، ما كانوا يفكرون مثله. كان تنقصهم تلك الخطوة الحاسمة، من الإعجاب بيسوع إلى الاقتداء بيسوع. واليوم أيضًا، إذ يحدق الرب نظره في كل واحد منا، يسألنا شخصيًا: "ولكن من أنا حقًا بالنسبة لك؟". من أنا بالنسبة لك؟ إنه سؤال موجه إلى كل فرد منا، ولا يطلب إجابة دقيقة وحسب، إجابة من التعليم المسيحي، وإنما إجابة شخصية، جواب حياة.

 

تابع: من هذا الجواب يأتي تجدُّد التتلمُذ. ويتم ذلك من خلال ثلاث خطوات قام بها التلاميذ ويمكننا نحن أيضًا أن نقوم بها: إعلان يسوع، التمييز مع يسوع، السير خلف يسوع. إعلان يسوع. على السؤال "وَمَن أَنا، في قَولِكُم أَنتُم؟" أجاب بطرس كممثل عن المجموعة كلها: "أنت المسيح". يقول بطرس كل شيء في بضع كلمات، الجواب صحيح، ولكن من المدهش، أنه بعد هذا الاعتراف، نَهاهُم يسوع أَن يُخبِروا أَحَدًا بِأَمرِهِ. لماذا هذا الحظر الصارم؟ لسبب محدد: إنَّ القول بأن يسوع هو المسيح، هو أمر صحيح ولكنه غير كامل. هناك دائمًا خطر إعلان مسيح كاذب، وفقًا للبشر وليس وفقًا لله. لذلك، بدءًا من تلك اللحظة، يبدأ يسوع في الكشف عن هويته، هويّته الفصحية، تلك التي نجدها في الإفخارستيا. ويوضح أن رسالته ستبلغ ذروتها، نعم، في مجد القيامة، ولكن من خلال العبور في ذل الصليب. أي أنها ستتمُّ بحسب حكمة الله "التي - وكما يقول القديس بولس - لَيسَت بحِكمَةِ هذِه الدُّنْيا ولا بِحِكمَةِ رُؤَساءِ هَذِه الدُّنْيا". لقد فرض يسوع الصمت على هويته المسيحانيّة، لكن ليس على الصليب الذي ينتظره. في الواقع -يلاحظ الإنجيلي- بدأ يسوع يعلم "علانية" أن "ابنَ الإِنسانِ يَجِبُ عَلَيهِ أَن يُعاني آلامًا شَديدَة، وَأَن يَرذُلَهُ الشُّيوخُ وَالأَحبارُ وَالكَتَبَة، وَأَن يُقتَل، وَأَن يَقومَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيّام".
 

أضاف: أمام إعلان يسوع هذا، إعلان مُقلق، يمكننا نحن أيضًا أن نقف مندهشين. نحن أيضًا نريد مسيحًا قويًا بدلاً من عبدٍ مصلوب. إن الإفخارستيا أمامنا لكي تذكرنا بمن هو الله، وهي لا تقوم بذلك بالكلمات، وإنما بشكل ملموس، وتُظهر لنا الله كخبز مكسور، كحب مصلوب ومبذول. يمكننا أن نضيف الكثير من المراسم، لكن الرب يبقى هناك، في بساطة خبز يسمح بأن يُكسر ويُوزَّع ويؤكَل. ولكي يخلِّصنا، أصبح خادما؛ ولكي يمنحنا الحياة، مات. سيساعدنا أن نسمح لإعلان يسوع أن يقلقنا، وهنا تُفتح المرحلة الثانية. التمييز مع يسوع: إزاء إعلان يسوع، كانت ردة فعل بطرس بشريّة: عندما يظهر الصليب، وامكانيّة الألم، يتمرد الإنسان. وبعد أن اعترف بطرس بمسيحانية يسوع، تشكّك من كلمات المعلِّم وحاول أن يثنيه عن المضي في طريقه. إنَّ الصليب ليس موضة أبدًا: اليوم كما في الماضي. ولكنه يشفي من الداخل. أمام المصلوب نختبر صراعًا داخليًا مفيدًا، صراع مرير بين "التفكير بحسب الله" و"التفكير وفقًا للبشر". من ناحية، هناك منطق الله، وهو منطق الحب المتواضع. إن درب الله تتجنب كل فرض وتفاخر وانتصار، هي تهدف دائمًا إلى مصلحة الآخرين، إلى حد التضحية بالذات. من ناحية أخرى، هناك "التفكير بحسب البشر": إنه منطق العالم المرتبط بالشرف والامتيازات، والموجّه نحو الاعتبارات والنجاح. ما يهمُّ هنا هما المكانة والقوّة، ما يجذب انتباه الأكثريّة ويعرف كيف يؤكد نفسه أمام الآخرين.

 

تابع: إذ أدهشه هذا المنظور، انفَرَدَ بُطرُسُ بيسوع وَأَخَذَ يُعاتِبُهُ. يمكن أن يحدث لنا أيضًا أن نضع الرب "جانبًا"، ونضعه في زاوية من القلب، ونستمر في اعتبار أنفسنا متديّنين وصالحين، وأن نسير في طريقنا دون أن نسمح لمنطق يسوع أن يأسرنا. ولكنّه يرافقنا في هذا الجهاد الداخلي، لأنه يريدنا، على مثال الرسل، أن نختار جانبه. هناك جانب الله وهناك جانب العالم. الفرق ليس بين من هو متدين ومن ليس كذلك. إن الفرق الجوهري هو بين الإله الحقيقي وإله الأنا. كم يبعد ذلك الذي يمَلِك صامتًا على الصليب عن الإله الكاذب الذي نريده أن يملك بالقوة ويُسكِت أعدائنا! كم يختلف المسيح، الذي يقترح نفسه بالمحبة فقط، عن مسيح الأقوياء والمنتصرين الذين يتملَّقُهم العالم! إنَّ يسوع يهزّنا، لا يكتفي بإعلانات الإيمان، بل يطلب منا أن نطهّر تديننا أمام صليبه، وأمام الإفخارستيا. سيساعدنا أن نقف بخشوع أمام القربان المقدس لكي نتأمل في هشاشة الله، ونخصص وقتًا للسجود. لنسمح ليسوع الخبز الحيّ أن يشفي إنغلاقاتنا ويفتحنا على المشاركة، ويشفينا من القساوة ومن الانغلاق على أنفسنا؛ ويحررنا من العبودية التي تشلّنا من الدفاع عن صورتنا، ويلهمنا أن نتبعه حيث يريد أن يقودنا. وهكذا نبلغ إلى المرحلة الثالثة.

أضاف: السير خلف يسوع. "إِذهَب عَنّي، يا شَيطان". وهكذا أعاد يسوع بطرس إلى نفسه بأمرٍ صريحٍ وقوي. لكن الرب، عندما يأمر بشيء ما، يكون هناك حقًا، ومستعدٌّ لإعطائه. قَبِل بطرس نعمة "التراجع خطوة إلى الوراء". إن المسيرة المسيحية ليست سعيًا للنجاح، ولكنها تبدأ بخطوة إلى الوراء، مع لا مركزيّة مُحرِّرة، وإبعاد الذات عن محور الحياة. عندها أدرك بطرس أن المحور ليس يسوعه، بل يسوع الحقيقي. وبالتالي سوف يسقط مرة أخرى، ولكن من مغفرة إلى مغفرة سوف يتعرف على وجه الله بشكل أفضل، وسوف ينتقل من الإعجاب العقيم بيسوع إلى التشبُّه الملموس بيسوع. ماذا يعني السير خلف يسوع؟ إنّه المضي قدمًا في الحياة بثقته الخاصة، ثقة أننا أبناء الله المحبوبين. إنّه السير على درب المعلِّم عينها، الذي جاء ليَخدُم ولا ليُخدَم. إنّه أن نحرّك خطواتنا يوميًّا لكي نذهب للقاء أخينا. هناك تدفعنا الإفخارستيا: لكي نشعر بأننا جسد واحد، ونكسر ذواتنا من أجل الآخرين.

 

وختم الأب الأقدس عظته بالقول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لنسمح للقاء يسوع في الإفخارستيا أن يحوِّلنا. ولا نستسلمنَّ لإيمان من يعيش على الطقوس والتكرار، ولننفتح على حداثة الإله المصلوب والقائم من بين الأموات، الخبز المكسور لكي يمنح الحياة للعالم. وسنكون في الفرح، وسنحمل الفرح. إنَّ هذا المؤتمر الإفخارستي الدولي هو نقطة وصول مسيرة، ولكن ليكن بشكل خاص نقطة انطلاق. لأن السير خلف يسوع يدعونا لكي ننظر إلى الأمام ونقبل نقطة تحول النعمة، ونعيد فينا كل يوم إحياء هذا السؤال الذي يوجهه الرب كما في قيصرية فيليبس، لنا نحن تلاميذه: "وَمَن أَنا، في قَولِكُم أَنتُم؟".

صلاة التبشير الملائكي

 

في ختام الذبيحة الإلهية، ألقى قداسته كلمة قال فيها:

 

إنّ الإفخارستيا تعني "الشكر" وفي نهاية هذا الاحتفال، الذي يختتم المؤتمر الإفخارستي الدولي وزيارتي إلى بودابست، أود أن أرفع الشكر من كلِّ قلبي. أشكر العائلة المسيحية المجرية الكبيرة، التي أرغب في أن أعانقها في طقوسها وتاريخها في الأخوات والإخوة الكاثوليك ومن الطوائف الأخرى، الجميع في مسيرة نحو الوحدة الكاملة. وفي هذا الصدد، أحيي بحرارة البطريرك برتلماوس الأخ الذي يكرمنا بحضوره. أشكر بشكل خاص، إخوتي الأساقفة الأحباء، والكهنة والمكرّسين والمكرسات، وأشكركم جميعًا، أيها المؤمنون الأعزاء! وبشكل خاص جميع الذين عملوا بجد من أجل تحقيق المؤتمر الإفخارستي وهذا اليوم.

 

إذ أجدد امتناني للسلطات المدنية والدينية التي استقبلتني، أود أن أقول köszönöm [شكراً] لكم، يا شعب المجر. إن النشيد الذي رافق المؤتمر يتوجّه إليكم على النحو التالي: "لألف عام كان الصليب عمود خلاصكم، ولتكن الآن أيضًا علامة المسيح بالنسبة لكم الوعد بمستقبل أفضل". أتمنى ذلك لكم، أن يكون الصليب جسركم بين الماضي والمستقبل! إن الشعور الديني هو شريان الحياة لهذه الأمة، وهو مرتبط بجذورها. لكن الصليب المغروس في الأرض، بالإضافة إلى أنّه يدعونا لكي نتجذّر بشكل جيّد، هو يرفع ذراعيه ويمدهما نحو الجميع: هو يحثنا لكي نحافظ على جذورنا ثابتة، ولكن بدون تحجُّر؛ ولكي نستقي من الينابيع وننفتح على عطاش زمننا. إن أمنيتي هي أن تكونوا هكذا: مؤسَّسين ومنفتحين، متجذِّرين ومُحترمين. Isten éltessen! [أطيب التمنيات!] إنَّ "صليب الرسالة" هو رمز هذا المؤتمر: ليحملكم لكي تُعلنوا بواسطة حياتكم الإنجيل المحرر لحنان الله اللامحدود لكل فرد منا. لأنّه في مجاعة حب زمننا، هو الغذاء الذي ينتظره الإنسان.

اليوم، ليس بعيدًا عن هنا، في فرسافيا يتمُّ إعلان تطويب شاهدَين للإنجيل: الكاردينال ستيفان ويزينسكي وإليزابيتا تشاكا، مؤسِّسة الراهبات الفرنسيسكانيات خادمات الصّليب. شخصيتان عرفتا الصّليب عن كثب: رئيس أساقفة بولندا، الذي تم القبض عليه وعزله، وكان على الدوام راعيًا شجاعًا بحسب قلب المسيح، ومبشرًا بالحريّة وكرامة الإنسان. والأخت إليزابيتا، التي فقدت بصرها وهي صغيرة، وكرسّت حياتها بأسرها لمساعدة المكفوفين. ليحثنا مثال الطوباويَين الجديدَين لكي نحوِّل بقوة المحبّة الظلمات إلى نور.

 

ختامًا، لنصلِّ صلاة التبشير الملائكي، في اليوم الذي نكرم فيه اسم مريم الأقدس. في القديم، من باب الاحترام، ما كنتم أنتم المجريّون تلفظون اسم العذراء مريم، ولكنّكم كنتم تطلقون عليها اللقب الفخري عينه المستخدم للملكة. لترافقكم "الملكة الطوباويّة، شفيعتكم القديمة" وتبارككم! تريد بركتي ​​من هذه المدينة العظيمة أن تصل إلى الجميع ولاسيما إلى الأطفال والشباب والمسنّنين والمرضى والفقراء والمستبعدين. معكم ومن أجلكم أقول: Isten, áldd meg a magyart! [ليبارك الله المجريين!]